You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

ميشيل عفلق عام 1947: دمشق مسؤولة عن مصير البلاد كلها

 آن للشعب ان يفضح المؤامرات ويقضي عليها..  دمشق مسؤولة عن مصير البلاد كلها .. من مقالات ميشيل عفلق التي نشرت في صحيفة البعث في15 حزيران عام 1947.


قبل يومين او ثلاثة أفضى رئيس الوزراء بتصريح أدّعى فيه ان حكومته حكومة حيادية، وان الدليل على حيادها هو انها موضع هجوم المعارضين والمؤيدين على السواء.

ويهمنا هنا ان نكتشف عن المغالطة التي تكمن في هذا الادعاء. ان المعارضة التي تهاجم الحكومة وتنكر عليها حيادها، والتي عناها رئيس الوزراء في كلامه هي المعارضة الشعبية التي تكاد تشمل مجموع الشعب والتي لم يكن لها في المجلس الراحل من يمثلها، في حين ان المؤيدين الذين يشتركون في المهاجمة انما هم من نواب ذلك المجلس، ويكاد لا يكون لهم وجود خارجه. اما المعارضة البرلمانية فهي مؤيدة لبقاء الحكومة الحاضرة لأنها مشتركة فيها مطمئنة اليها. فرئيس الوزراء يغالط اذن عندما يدعّي ان المعارضة تهاجم حكومته، لان المعارضة التي يهتم بها ويحسب لها حسابا هي المعارضة البرلمانية، وهذه مؤيدة له، في حمص وحماه وحلب. وهو يغالط مغالطة أبشع وأفظع عندما يحاول ان يوهم الشعب بأن المؤيدين -والذين هم ليسوا سوى بعض افراد الفئة الحاكمة وأتباعها- انما يهاجمون الحكومة لخوفهم من تدخلها في الانتخابات، لان مهاجمتهم لها هي في الواقع لخوفهم من عدم تدخلها التدخل الكلي لنصرتهم وضمان النجاح لهم وحدهم، دون اشراك احد معهم من أفراد المعارضة البرلمانية الممثلة في الحكومة الحاضرة.

لم ينس الشعب بعد ان الوزارة الحاضرة تشكلت بنتيجة ثورته على حكومة الملاكات المشؤومة، مما أتاح للمعارضة البرلمانية التي وقفت أثناء تلك الازمة -تحت ضغط الشعب واحراجه- موقف المدافع عن الدستور والحريات العامة، ان تدخل في الوزارة ممثلا لها يدعم موقفها في الانتخابات المقبلة. ومنذ ذلك الحين تظاهر بعض المؤيدين، من أعضاء حكومة الملاكات الدكتاتورية وأنصارهم، بالمعارضة للحكومة الحاضرة، لا لان أكثر أعضاء هذه الحكومة ورئيسها ليسوا من حزبهم، بل لانهم تساهلوا بقبول وزير واحد من غير حزبهم، مما يخل بالقاعدة التي درجوا عليها وهي الاستئثار المطلق بالحكم.

فالهجوم الذي يوجهه اليوم الى الحكومة بعض المؤيدين من “الكتلويين” او اعضاء “الحزب الوطني” الجديد، في المدن الثلاث حمص وحلب وحماه، يقصد منه إصلاح ما طرأ على القاعدة من خلل جزئي، والرجوع الى ذلك الاستئثار المطلق، بان يبعد عن الحكم الوزير المعارض الوحيد الذي كان وجوده في الوزارة كافيا لكي ينعش زملاءه من النواب المعارضين في مدن ثلاث كبيرة، ويرفع ضغط الخوف عن أنصارهم. فيهدد بذلك حزب الفئة الحاكمة في تلك المناطق بالزعزعة والانهيار.

هذا هو الحياد الذي يدّعيه رئيس الوزراء: تسوية ومساومة بين الاكثرية والاقلية من نواب المجلس السابق، على حساب الشعب وحريته ومصلحته، تدخل وضغط وتلاعب من قبل الحكومة لمصلحة الطرفين المتعاقدين، بنسبة أهمية كل منهما وقوته.

ولئن شقّ على الفئة الحاكمة ان تقبل هذه التسوية، وهي التي ما اعترفت بالمساواة لوطنيّ غيرها ولئن آلمها ان تلجأ الى تلك المساومة، وهي التي ما اعتادت ان تساوم غير الاجنبي، فهي بالرغم من ذلك راضية مطمئنة، ورضاها واطمئنانها يعودان الى سببين هامين:

اولا- لأن الخصم الذي تعاقدت معه هو خصم وليس عدو، يختلف عنها في الدرجة لا في النوع وهو ان لم يكن من الفئة الحاكمة فانه من الطبقة الحاكمة، طبقة الاقطاعيين ومحترفي السياسة، وهو على كل حال بعيد كل البعد عن الشعب وعن تمثيل المصالح الشعبية الصادقة.

ثانيا- لأن دمشق، وهي عاصمة البلاد ومحور سياستها، بقيت بعيدة عن المساومة، وحيدة في نضالها ضد طغيان الفئة الحاكمة، لم يمثل الشعب فيها طوال السنوات الاربع الاخيرة في المجلس نائب واحد، وليس لها، ولا يعقل ان يكون لها في الحكومة احد ترى الطبقة الشعبية في وجوده ضمانة لرفع الضغط عنها، ودفع التعدي عليها، والوقوف بصدق وجرأة في وجه التلاعب والتزوير.

هكذا حسبت الفئة الحاكمة حسابها، ودبرت مؤامرتها، فهي عندما رأت ان لا مناص من الاعتراف بالمعارضة، اعترفت بمعارضة المجلس لكي تتجاهل معارضة الشعب، واتفقت مع معارضة المجلس في عدد من المحافظات، لكي تقوى بها على قتل المعارضة الشعبية في المكان الذي له التأثير الاول والاكبر في توجيه المجلس ومراقبة الحكومات وتقرير سياسة الدولة، اي في دمشق.

ولكن شعب سوريا العربي الذي خبر نتائج تلك المؤآمرة الاجرامية التي كفلت قبل اربع سنوات نجاح القائمة الحكومية بكامل عددها، وعرف أن عزل مدينة دمشق عن السياسة كان السبب الاساسي في استهتار الحكومات وعجز المجلس النيابي وارتكاب افظع انواع الظلم والسرقات، يعرف الآن أن اول واجب قومي يترتب عليه تجاه مستقبله ومصيره هو أن يتضامن ويهب لزحزحة كابوس الفئة الحاكمة عن عاصمة بلاده. لأن في ذلك وحده مفتاح حل الأزمة السياسية المستعصية التي يعمّ أذاها البلاد جميعا.

أما أهل دمشق وضواحيها فيعرفون أن مسؤوليتهم ستكون في هذه الفترة مسؤولية تاريخية. ان التدهور الذي يقود رجال الحكم اليه البلاد لا يوقف الا اذا وقفت دمشق في وجه استئثار هؤلاء الرجال واستهتارهم. ولقد استطاعت دمشق التي لم يكن لها في المجلس او في الحكومة رجل واحد يمثلها ان تفرض ارادتها على المجلس وعلى الحكومة مرتين حاسمتين خلال العام الأخير. وهي اليوم، بعد أن زادها النضال قوة ووعيا، اقدر منها في اي وقت مضى، على ضربه الضربة الثالثة والاخيرة لتصفية حساب الاستعمار وتلاميذه.

ميشيل عفلق
15 حزيران 1947


افتتاحية جريدة “البعث”، العدد 195 الصادر في 15 حزيران 1947.

المراجع والهوامش:

(1). صحيفة البعث - دمشق، العدد 195 الصادر في 15 حزيران  1947

المصدر
ينشر بالاتفاق مع موقع "في سبيل البعث" وأسرة ميشيل عفلق، موقع التاريخ السوري المعاصر



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: <b>تنبيه: </b>عذراً... لا يمكنك نسخ محتوى الموقع.!!