سلامة عبيد: الثورة السورية الكبرى 1925-1927 على ضوء وثائق لم تنشر بعد
فرضت فرنسا نفسها على سورية وأرادت أن تبرر هذا الفرض، دولياً بالاستناد إلى المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم فوضعت صيغة الانتداب الذي جاء ولداً مسخاً، بعيد الشبه عن أبيه الميثاق، حلت الأثرة فيه محل الإيثاء، والسيطرة محل التحرير، وخيبت هذه الصيغة آمال السوريين واللبنانيين وأحدثت فيهم اشمئزازاً عميقاً، فقد كانت مدة هذا الانتداب غير محدودة، ولا سلطة تنفيذية لعصبة الأمم عليه، وفيه تناقض بين الاستقلال والوصاية وإجحاف بحق المنتدب عليه الذي لم يكن يسمح له بإبداء رأيه إلا بواسطة المنتدب، وبنده الأول ينذر باستلال محلية “في كل مدى تسمح له الظروف” والثاني يسمح بالاحتلال العسكري والثالث ينزع التمثيل الخارجي، والثامن يشجع لتعليم باللغات المحلية، والتاسع والعاشر يقيمان دولاً دينية ضمن الدولة، والسادس عشر يقرر اللغة الفرنسية رسمية إلى جانب العربية، والشعب الذي يفرض لغته على غيره يكون قد بدأ باكتساحه.
قوبل هذا الانتداب بالاستياء والنقمة. فقد بدا أنه النتيجة المنطقية للاتفاق الفرنسي – الانكليزي 1912م ولاتفاقية سايكس – بيكو 1916. ورأى الوطنيون في صيغة هذا الانتداب تسويغاً لوضع اليد على هذه المناطق ومسخاً لوعود الحرية، فكان مصير سورية مصير غنائم الحرب، وقد قسمت البلاد لا بين أعدائها المنتصرين بل بين حلفائها الذين قاسم الآلام من أجلهم فأحس العرب بأنه قد غدر بهم. وكان الغدر من حلفائهم ورأوا في هذا الانتداب:
هو الرق الذي لا ريب فيه أرادوه فسموه انتدابا
لم تفتر معارضة الانتداب دقيقة واحدة، كما اعترفت بذلك لجنة الانتدابات في جلستها غير العادة المنعقدة سنة 1962، ولم تقتصر المعارضة على الأكثرية الذين كانوا يعرفون فرنسا حرية ومساواة وإخاء، الذين توقعوا، عندما فرض عليهم الانتداب، أن يكون انتداباً أكثر بساطة فقد كان بنداً واحداً كافياً للتعبير عن الفكرة الولسنية، فاحتيج إلى عشرين بنداً لتحطيم هذه الفكرة فهاجموا هذا الانتداب الذي يريد ان يسحقهم تحت حذائه الاستعماري وابتعدت قلوبهم شيئاً فشيئاً عن فرنسا، حتى رأي بعضهم أن لبنان قد أصبح في كرهه لفرنسا مثله مثل باقي البلدان العربية.
ندمت الحكومات الفرنسية على وعود حق تقرير المصير والحرية والتقدم والمدنية، هذه الوعود السامية، والأشبه بالسراب، وعادت فرأت أن السلطة المرهوبة الجانب، هي التي تصلح وحدها لهذه البلاد، وكانت نصوص الميثاق بحرفيتها مثل هذه الخطوة، فخطتها.
اقرأ- سلامة عبيد: فرنسا تفرض نفسها..