قضايا
مجزرة حماة عام 1982
تعرضت مدينة حماة لاجتياح عسكري في الثاني من شباط 1982م، وصارت تعرف تلك الحادثة باسم “مجزرة حماة”.
قبل هذا التاريخ بأيام قامت قوات سرايا الدفاع التي كانت بقيادة رفعت الأسد بالإضافة إلى وحدات عسكرية أخرى بتطويق مدينة حماة.
في الثاني من شباط 1982م، تم إغلاق كل مخارج المدينة وعزلها مع قطع الكهرباء والاتصالات عنها، ثم بدأ قصف المدينة بالمدفعية ومن ثم اجتياحها عسكرياً.
استمر حصار وقصف وتمشيك المدينة أكثر من 27 يوماً. ففي يوم الخميس الثامن عشر من شباط ذكرت إذاعة لندن أن المدينة ما تزال محاصرة، وأن الصحفيين ممنوعين من دخول المدينة. ونقلت الإذاعة عن مصدر سوري مسؤول قوله أن القوات العسكرية تواصل ما أسماه بعمليات تمشيط في المدينة.
أدت عملية الاجتياح إلى مجزرة مروعة كان ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين من أهالي المدينة، فضلاً عن نزوح عشرات الآلاف عن المدينة بعد أن تدمير ثلث أحيائها بشكل كامل، بما في ذلك الأبنية الأثرية والمساجد وبعض الكنائس.
كما أدت إلى تدمير أكثر من 75% من مدينة حماة.
تزامنت تلك الأحداث مع قيام القوات العسكرية بتعزيز تواجدها على امتداد حدوده مع الأردن، كما فرضت السلطات الأمنية السورية قيوداً مشددة على عبور المسافرين في نقطة الحدود بين البلدين في مدينة درعا. وذكرت مصادر إعلامية حينها ان هذه الاجراءات دخلت حيز التنفيذ في أعقاب تأزم العلاقات بين سورية والأردن نتيجة لاتهام الحكومة الأردنية، السكرتير الثالث في السفارة السورية في عمان بالتورط في حادث انفجار عبوة ناسفة في مجل تجاري وسط العاصمة الأردنية.
وكانت مصادر إعلامية تحدثت حينها عن قيام محاولة إنقلابية في دمشق في الشهر الماضي واعتقال 147 ضابطاً سورياً .
الإعداد للعمل العسكري:
اتحذت السلطات عدة إجراءات أمنية قبيل وقوع المجزرة، وكان على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: انتهت في بداية تشرين الأول عام 1981م، بتشكيل قيادة أمنية في حماة مؤلفة من : أمين فرع الحزب في حماة أحمد الأسعد، والمحافظ خالد حربة، ورئيس فرع المخابرات العسكرية ورئيس شعبة الأمن السياسي المقدم وليد أباظة، ورئيس فرع أمن الدولة راغب حمدون، وكانت الكلمة العليا في هذه القيادة للعقيد يحيى زيدان.
المرحلة الثانية: بدأت في نهاية تشرين الأول، انتدب المقدم مصطفى أيوب، وهو من شيعة جنوب لبنان، من مدينة بنت جبيل، وكان قد هاجر إلى درعا مع عائلته، فرعى أمره العقيد محمد الخولي، فتولى مخابرات أمن الدولة بدلاً من راغب حمدون، لأن حمدون هذا من أبناء مدينة حماة، كما استعان بالكتائب الحزبية المسلحة.
المرحلة الثالثة: فُوض المقدم علي ديب نائب رفعت الأسد بقيادة سرايا الدفاع في حماة، وأطلقت يده في حماة، فاحتل ما يزيد على عشرين موقعاً استراتيجياً من مباني حماة، ومن مؤسساتها، وما يزيد على عشرة مواقع في منطقة الحاضر، وأقام عشرة حواجز ثابتة، وسير دوريات مكثفة.
وذكرت التقارير التي تسربت عن اجتماعات المجلس الأمني الأعلى في أيلول عام 1981م، أن المجلس أصدر أمراً إدارياً برقم 184 بتعيين اللواء رفعت الأسد آمراً عرفياً لمناطق حماة وحلب ودمشق، وتسمية حماة منطقة عمليات أولى خاضعة لأوامر الحاكم العرفي، وانتقال 12 ألف عنصر من سرايا الدفاع إلى حماة.
كان المقدم علي ديب قائد سرايا الدفاع يطلع رفعت الأسد على كل التفاصيل، وعندما تأزم الموقف حضر رفعت الأسد إلى حماة لإدارة العمليات عن قرب.
حوصرت المدينة من كل الجهات بثلاثة أطواق، وأستدعيت لها قوات كثيفة من لبنان، ومن الجبهة بحيث لا يستطيع طائر أن يخترقها دخولاً أو خروجاً.
بعد الإنتهاء من الحصار شرعت القوات المحاصرة بقصف المدينة بالمدفعية الثقيلة قصفاً عشوائياً تمهيداً لاقتحامها بالدبابات والآليات، في الوقت الذي كانت تخوض فيه عناصر سرايا الدفاع والوحدات الخاصة حرب الشوارع.
بدء المجزرة:
بدأت المجزرة مساء الثلاثاء الواقع في الثاني من شباط عام 1982م، واستمرت شهر تقريباً.
أحداث ويوميات المجزرة :
اليوم الأول- يوم الثلاثاء 2 شباط :
في منتصف ليلة الثلاثاء، داهمت السلطات العسكرية بأعداد كبيرة عدداً من البيوت والمخابئ التي يتوارى بها الملاحقون ثم وسعوا دائرة المداهمة.
وفي ضحى اليوم الأول، وفي العاشرة صباحاً أقعلت 13 طائرة عسكرية من مطار المزة العسكري، متوجهة إلى مطار حماة، وكان الأهالي في حماة قد لاحظوا وصول 3 طائرات نقل عسكرية ضخمة إلى المطار الذي يقع في غربي المدينة.
أنزلت السلطات مجموعة من الوحدت العسكرية في شرقي المدينة عند الحميدية شرقاً، وخلف مدرسة عثمان الحوراني شمالاً، وقريباً من المستشفى الوطني القديم في حي الحاضر، ثم جاء رتل من الدبابات عن طريق كورنيش البشريات- الأربع نواعير، كان وجهها وبعث بها اللواء المدرع 47.
عينت السلطات العقيد نديم عباس قائداً للواء 47، وأمرت اللواء بالتوجه إلى حماة.
قام اللواء 47 بثلاث مهمات:
الأولى: إرسال دبابات متفرقة على وجه السرعة، تتمركز في عدد من من المواقع مثل منطقة المحطة، دوار محردة، غربي المدينة.
الثانية: محاصرة المدينة بإغلاق محاورها الأربعة ثم الشروع في قصف المدينة عشوائياً، إذ وجهت السلطة 18 دبابة إلى طريق حلب في شمالي المدينة (مركز فرع الأمن السياسي) كما وضعت 9 دبابات في مقبرة باب البلد الجنوب الغربي من المدينة، وقامت بالقصف باتجاه حي البياض، ومنطقة المحطة، وحي الشيخ عنبر وحي سوق الشجرة وحي الحوارنة.
المهمة الثالثة: اقتحام قلب المدينة عبر الخط الممتد من المحور الجنوبي في بداية شارع العلمين في الجنوب على طريق حمص، وإلى المحور الشمالي نهاية شارع سعد العاص على طريق حلب، وهذان الشارعان المتصلان يخترقان المدينة من شمالها غلى جنوبها.
تقدمت 31 دبابة باتجاه دار الحكومة وسط المدينة، وهي تقصف دون هوادة، لتدخل منها إلى شارع سعيد العاص في حي الحاضر، حيث كانت مقاومة السكان فيها شديدة أقرب ما تكون إلى الأعمال الفدائية.
اليوم الثاني – يوم الأربعاء 3 شباط:
بدأت القوات بتعزيز قبضتها بنقل أعداد كبيرة من الوحدات الخاصة والكتائب الحزبية المسلحة عبر مطار حماة، وبتوجيه من اللواء 47 المدرع إلى مدينة حماة.
في المساء قامت قوة عسكرية من سرايا الدفاع والمخابرات العسكرية بتطويق حي البارودية تدعمها 20 سيارة اقتحام مصفحة في مكان لا يبعد أكثر من 350 متراً عن دار الحكومة في وسط المدينة، مستخدمة بعض البيوت والمخابئ التي لا يفر إليها الملاحقون والموطنون، وقد ساعدت مجموعة من الكتائب الحزبية المسلحة سرايا الدفاع ودعمتها في هجومها على حي البارودية.
نفذت القوات هجوماً موسعاً لإرسال نجدات سريعة لمواقعها المنتشرة داخل المدينة، وبزج قوات جديدة من خارج المدينة لحسم الموقف بسرعة، ولتحقيق هذين الهدفين قامت القوات بالفعاليات التالية طوال نهار اليوم الأول.
والجدير بالذكر أن الوحدات الخاصة كانت تعسكر بجانب (سد محردة) منذ عام 1980 غربي حماة.
يوم المجزرة الثاني حاصرت مجموعة من المواطنين مركز الجيش الشعبي بالقرب من البئر الارتوازي، واستطاعوا السيطرة عليه دونما قتال، فغنموا كمية ضخمة من البنادق الروسية والمسدسات والذخيرة.
وفي حي الصابونية جنوبي حماة دخلت عناصر الوحدات الخاصة وصادرت كل ما وجدته من سيارات المواطنين والشاحنات الصغيرة والدراجات النارية في مناطق الوادي، سوق الشجرة، الشيخ عنبر، المحالبة، الحوراني، الباب القبلي، تل الدباغة.
اقتحمت قوات السلطة في هذه المناطق من أربع جهات، وارتكبت فيها عمليات وحشية حاقدة، إذ قدمت أرتال الدبابات من الثكنة في منطقة الشرفة المطلة على القلعة، فتصدى لها أهالي المنطقة بالأحجار، فكانت كالقذائف على رؤوس المهاجمين.
ثم تقدمت الدبابات من شارع المرابط إى شارع 8 آذار، بدعم من الطيران المروحي الذي كان يقصف من ارتفاع عال، خوفاً من مقاومة المواطنين.
استأنفت السلطات محاولتها للسيطرة على شارع 8 آذار لاقتحام الأحياء الشعبية التي تقع حواليه، والفتك بها، فلجأ المواطنون إلى صناعة قنابل المولوتوف، وأعطبوا بها ثلاث دبابات.
تقدمت الدبابات عبر منطقة البياض في الغرب إلى منطقة طلعة الرأس في حي المحالبة، وبغطاء من القصف المدفعي، وقذف الراجمات الصاروخية، مما خلف هدماً واسعاً على السكان القابعين في منازلهم.
نشرت القوات راجمات الصواريخ على الأماكن المرتفعة في معظم أنحاء المدينة فوضعت أربعة منها فوق مبنى دار الحكومة، واثنان على مبنى المركز الثقافي، وأخرى على بناية الصحن في دوار المحطة، وعلى بناية الخلفاوي شرقي جامع الشيخ محمد الحامد، وفوق كلية الطب البيطري في كورنيش العاصي، كما نصبوا راجمات خلف المشفى الأهلي في شمال المدينة تشرف على أحياء الحاضر، وفوق مساكن مرتفعة على طريق حلب، وفوق المستشفى الوطني الجديد على طريق حمص، وداخل المشتل الزراعي قريباً منها، وفي جنوبي الملعب البلدي فوق بناية تتألف من سبعة طوابق، لتكون الراجمات محيطة في المدينة وفي الأماكن الاستراتيجية من داخلها ومن كل أقطارها.
اليوم الثالث – يوم الخميس الرابع من شباط:
زجت السلطات العسكرية بلواء ميكانيكي هو اللواء المدرع 21 فكان لهذا اللواء المدرع دور كبير في اجتياح المدينة، وتنفيذ خطة تدميرها وانتهاكها كما فعل اللواء 47 من قبل، وكان اللواء المدرع بقيادة العقيد فؤاد إسماعيل.
كما دفعت السلطة بـ 20 دبابة للسيطرة على شارع سعيد العاص، فشرعت تصب حممها على الأبنية من جهتي الشارع، فضلاً عن قصفها الأبنية المجاورة.
أصابت القذائف الكثيفة بناء سكنياً ضخماً فاحترق المبنى جميعه، وأطلقت إحدى الدبابات قذائفها على جامع الأربعين في وسط شارع سعيد العاص، فتهدم ، وعندما وجدت السلطات صعوبة في دخول الأحياء القديمة، والأزقة الضيقة بدأت المدفعية الثقيلة من ثكنة الشرفة تقصف هذه الأحياء عشوائياً في كل الاتجاهات، وعززت دباباتها بدبابات أخرى عن طريق حلب – حماة الجديد، ثم تمركزت دبابات عند جسر الهوى في حي باب الجسر القريب من طريق حلب في شمالي المدينة وفي مرمى مدفعية الشرفة.
وعلى الرغم من أن الحي الواقع جنوب الملعب ظل هادئاً، وفي منأى من الأحداث التي اجتاجت المدينة، وعندما دخلت السلطات الحي، أخذت تنادي على الناس بمكبرات الصوت ليجتمعوا في ساحة الحي، محذرين المواطنين من أي تحرك، وضرورة التزام الهدوء، ثم نادت مرة ثانية موجهين إليهم تحذيراً أشد من مغبة الاشتراك في أي مقاومة، ممازاد السكان اطمئناناً وهدوءاً، وقلل من عمليات الاختفاء، ثم دعتهم السلطات مرة ثالثة، فاجتمع كثير من الناس ومعظم سكان الحي، عندما تجمعوا بدأت عمليات التعذيب والإهانة لهم، وأعقبها عمليات تصفية جماعية بالرشاشات، ثم توجهوا إلى منازلهم لسلب وقتل من بقي في منزله، حيث كانوا يخرجون الأسرة أمام باب المنزل، فيقتلون أفرادها الواحد تل الآخر، كما نقلوا عدداً من المواطنين إلى مقبرة سريحين حيث قتلوا أمام الخندق المعد لذلك.
اليوم الرابع – يوم الجمعة الخامس من شباط:
شرعت القوات في اقتحام الأحياء الشعبية، وبالتدمير الشامل لأبنيتها بالقصف وبالتفجير على من فيها من السكان.
ركزت تلك السلطات على منطقتي العصيدة والزنبقي في هدم هاتين الحارتين في حي الحاضر، ومن المنازل التي دمرتها منزل عبد الله خالد عدي، منزل عمران صبري، منزل حسان بكري الياسين، منزل خالد الياسين، منزل إبراهيم شيخو، منزل آل الزعيم، منزل زياد باشوري، وغيرها، وقتلوا أصحابها.
كما أدى القصف إلى استشهاد عدد من المواطنين، وكانت صيحات النساء تسمع في أجواء الأحياء وهي تهدم على رؤوسهم، وتعمل على دفنهم تحت الأنقاض.
واتصل العقيد ديب ضاهر قائد الوحدات الخاصة الذي قام بها، بالهجوم والقصف باللاسلكي بقيادته يخبرهم بالموقف فقيل له : اضربوهم بالنابالم، ولا نريد أن نرى بيتاً لا يستسلم سكانه.
اليوم الخامس – يوم السبت السادس من شباط:
جرى إنزال جوي فوق القلعة، وزجوا بمزيد من الدبابات ، وكثفوا القصف بالراجمات والقصف وخصوصاً على حي الحاضر، الذي قاوم سكانه أكثر م سكان الأحياء الأخرى، فمنذ الساعة الثامنة من صباح السبت، وصلت قوات إلى حارة باب الجسر شمالي حي الحاضر، وشمال المدينة، وازداد قصف الدبابات التي واجهها السكان بزجاجات المولوتوف مما أدى إلى إعطاب أربع دبابات وإحراقها.
واستطاعت القوات الحكومية إحكام الطوق على المناطق المحيطة بشارع سعيد العاص كلها، وقامت بإنزال جوي لعناصر الوحدات على طريق قرية الظاهرية وشمالي المدينة التي تبعد زهاء خمسة كيلومترات أو أقل شمالي المدينة، والملاحقة للحي الذي يقع على طريق مدينة حلب، ثم دفعت السلطة بعدد من الدبابات للالتفاف حول المدينة من الجنوب إلى الشرق فالشمال ودخلت عن طريق الجسر الحديدي في شرقي المدينة- شرق سلمية.
كما دفعت دبابات أخرى عبر جسر العبسي في وسط المدينة تحت غطاء من القصف ثم توجه العساكر المشاة خلف الدبابات التي شرعت بقصف مركز من منطقة حي الشريعة، باتجاه حي البارودية، الذي ازدحم فيه المطاردون في المخابئ، فأصابت بناء كبيراً، فتم تدميره على من فيه، وتابعت الدبابات والمدفعية والراجمات قصفها على حي البارودية وعلى امتداده حتى الجامع الشرقي، وعلى حي الحميدية القريب منه، وقامت السلطات بإنزال قوات جوية قرب الغابة المجاورة لحي الحميدية، وتمركزت في الغابة نفسها.
اقتحمت القوات حي سوق الشجرة، وهدمت حوالي خمسين منزلاً، وقتلت أعداداً كبيرة من سكان الحي، ثم أجبرت القوات بعد اقتحامها الحي السيد فواز الأحدب ليستطلع لهم الطريق، وعندما رأوا تمهله أطلقوا عليه النار، ثم قتلوا كل رجال الشارع، في حي سوق الشجرة – على الصفين- وحتى وصلوا إلى مسجد الحي، فقتلوا على جداره 75 مواطناً بين شاب وشيخ.
وكانت مجموعات أخرى من قوات النظام تمارس القتل، فأعدمت 15 مواطناً في طاحونة سوى الشجرة، وتركتهم دون دفن 14 يوماً في العراء.
التجأ 30 مواطناً إلى منزل سليمان كوجان، فقتلتهم قوات السلطة جميعاً، وفي حي الشيخ عنبر المجاور فجرت السلطات منزل آل علوان، فقتلت الأم آمنة، وابنتها وحفيدها الطفل تحت الهدم.
أما في منطقتي العصيدة والزنبقي كثفت المدفعية قصفها المدفعي الثقيل، وبراجمات الصواريخ من فوق سطح دار احلكومة التي يفصلها عن الحيين نهر العاصي فقط، فهدمت عدداً من البيوت منها: منزل عبد الرزاق أبو ربيعة، منزل ممدوح عبد الرزاق، منزل إبراهيم المصري، الذي اعتقل، ولم يعرف مصيره، وبعد القصف استأنفت قوات النظام الهجوم من جانب شعبة التجنيد في شارع شاكر العاص، فخسروا عشرة جنود أمام مقاومة الأهالي، وغنم السكان 7 بنادق روسية ورشاشاً وقاذف أر بي جي مع أربع قذائف له، ثم التحق عدد من سكان سوق الشجرة بحي العصيدة وحي الزنبقي، كما انضم قسم منها إلى حي الدباغة، فخسرت قوات النظام في العصيدة والزنبقي 65 قتيلاً، وكان منهم عدد من المتعاونين مع قوات النظام.
رجت قوات النظام بقوات كبيرة من وحداتها الخاصة عن طريق حي المدينة إلى قلعة حماة، التي تقع في وسط المدينة، وتشرف على معظم أحيائها.
ورافقت عملية إنزال جوية بالطيران المروحي، ورافقتها عمليات تمشيط بمدافع الهاون من موقع ثكنة الشرفة، وقد استمرت هذه العمليات العسكرية من صباح يوم السبت إلى وقت الظهيرة، حتى تمكن الطيران من احتلال موطئ قدم على القلعة (التي كان يلجأ إليها ويحتمي بها عدد من الأهالي)، عندما هبطت فوق القلعة ثلاث حوامات.
في ذلك اليوم وصلت القوات إلى حي الشمالي من شارع سعيد العاص.
وفي ذلك اليوم أيضاً جمعت القوات الرجال والنساء والأطفال الذين بلغ عددهم 75 مواطناً حشرتهم في دكان أحمد الحلبية، وأطلقت عليهم النار رشاً، ثم صبت عليهم الزيت من برميلين، كانت في الدكان وأضرمت فيهم النار، وبعضهم كان لا يزال حياً.
وأمام مسجد الشيخ محمد الحامد في المحطة – غربي المدينة- وقفت أربع شاحنات محملة بالمعتقلين الذين جمعتهم السلطة من أبناء الحي، ولما غصت السيارات بالمعتقلين المكدسين، ولم تعد تتسع للمزيد منهم، قامت قوات البغي بقتل خمسين منهم، وألقوا بجثثهم في حوض كبير تتجمع فيه مخلفات جلي البلاط لمصنع تعود ملكيته للمواطن عبد الكريم الصغير، ثم ظهرت هذه الجثث بعد عشرة أيام من هذه الجريمة بعد أن جفت مخلفات الحوض.
اليوم السادس – يوم الأحد السابع من شباط:
تعاظم ضعط قوات التنظام واستمرت بارتكاب المجازر، ولجوء عناصرها إلى التوسع في نهب الأشياء الثمينة والسطو عليها وفي دي الدباغة تقدمت القوات ودباباتها إلى ساحة العاصي، وبسبب فقدان الذخيرة لدى سكان البارودية، ابتكر الأهالي عبوات من الألغام يتم تفجيرها بوصل قطبي التفجير، ومستفيدين من ظلام الليل للتسلل إلى خلف الآليات المعطوبة حيث تموه هذه العبوات في الشارع بعد انسحاب الدبابات ليلاً، وحين عودتها صباحاً تنفجر العبوات تحت الدبابات مما أدى إلى إطاب ست منها.
اليوم السابع – يوم الاثنين الثامن من شباط:
تضاعفت سياسة المجازر أكثر من ذي قبل، وارتكبت وحدات النظام ما لا يقل عن عشر مجازر، وقتلوا عدداً كبيراً من أعضاء الحزب وعملاء السلطة، كما توسع أفراد القوات بعمليات السلب والنهب، وقتل المواطنين من أجل جمع الثروات والأشياء الثمينة.
وفي ذلك اليوم شرعت قوات النظام في قصف حي الحميدية قصفاً عشوائياً تمهيداً لاقتحامه وبوتيرة واحدة حتى العصر، إذ اشتد القصف عنيفاً جداً على جبهة طولها 1,5 كم يمتد من جامع الشفاء شمالاً إلى شاطئ العاصي جنوباً، مما أدى إلى تهديم عدد كبير من قوات سرايا الدفاع والوحدات الخاصة بغطاء من سحب الغبار والدخان، منطلقين من غابة الثورة إلى حي الحميدية، بهجوم كاسح على السكان الغزل المنكوبين، وعلى الفور جضرت مجموعة من أهالي حي البارودية لمساعدة سكان الحميدية في صد الهجوم فدارت معركة ضارية من شارع إلى شارع، فتراجع المهاجمون وفروا مذعورين، مخلفين أسلحة وقتلى، كما استطاع مقاومون التسلل إلى غابة الثورة للحصول على السلاح والذخيرة، ولم تعد سلطات النظام تجرؤ على مهاجمة تلك المنطقة لعدة أيام، كما أخفقت في هجومين آخرين على الحي ذاته.
وعندما دخلت قوات النظام منطقة سوق الطويل من المدافعين شرعت تلك القوات في القتل الجماعي، إذ قتلت من فورها 30 شاباً على سطح سوق الطويل الممتد من حي الدباغة إلى حي المرابط، ومروراً بحي جورة حوا، ثم قصدت منزل الشيخ عبد الله الحلاق رئيس جمعية العلماء، وأحد مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين التاريخيين في حماة، وأحد رؤسائها لسنوات طويلة، وكانت الوحدات قبل يوم تفتش عنه، ولم تعثر عليه.
أنزل الشيخ عبد الله الحلاق أبو صالح من منزله بثياب النوم، وقتل على باب بيته رشاً، وتم نهب بيته، وأحرق قسم منه، كما قتل عدداً من شباب هذا الزقاق على مثلث مفرق جامع السلطان، ثم توجهت مجموعات من العساكر لاحتلال سطح سوق الطويل.
كما طلب ضابط من عناصره التوجه إلى دكان أبو سليم الأحدب المدهون باللون الأصفر لنهبه وإحراقه، لأن لصاحبه ثلاثة أولاد منظمين مع الإخوان، فتلوا صاحب الدكان، وقتلوا اثنين من إخوته عام 1981م، كما استشهد من ابنائه غسان، ومخلص، وسجن ولده الثالث طلال ثم اتجهت المجموعات المقاتلة ونفذت أوامر الضابط بقتل كل ما تصادفه من المواطنين، كما أوصاهم أن يحضروا له بهجت العظم أحد وجهاء المدينة حياً.
جئ بـ 35 مواطناً جمعوا من بيوتهم إلى الضباط ذي الرتبة العالية، إذ كان الملازم الأول من الوحدت الخاصة يؤدي له التحية، وقد عرف من الذين حضروا: محمد سعيد الأسود، محمد أمين الأسود، توفيق الأسود، على المشنوق، ناجي المشنوق، وهو دكتور في الاقتصاد، بعثي، يدرس في كلية الطب البيطري ومدير المصرف الزراعي، ومحمد المشنوق،معن أسود، مصطفى أبو ربيعة، هنيدي أبو ربيعة، وأخ ثالث لهما، كمال ركبي، مدير المصرف التجاري.
كما أحضر 31 رجلاً من على سطح السوق، ثم جئ بسبعة آخرين، فحشروا جميعاً في دكان عبد الرزاق الريس بائع أدوات منزلية، وطلب منهم جميعاً أن يقفوا صفين ثم ينبطحوا على وجوههم إلى الأرض، ثم أمر الضابط عناصره بضرب كل واحد من المعتقلين طلقه في رأسه، بعد أن جمع منهم كل ما لديهم من مال.
نفذت قوات النظام عدداً من المجازر في الأحياء وفي الأسواق، وكان منها:
جمت العساكر جمعاً غفيراً من أهالي حي الدباغة أمام دكان عبد المعين مفتاح، فقتلتهم مجموعات وأفراداً بعد نهب محتويات دكاكينهم، ومن ثم تكديس جثث الضحايا في الدكان، دكان عبد المعين مفتاح، وإشعال النار فيهم، ثم قتلوا أمام الدكان عمر الزين الذي أصيب بمرض القلب، عندما سيق ولده للقتل، وقتل من آل الزين تحت التعذيب: زاكي، ومحمد عبد العزيز، ويحيى الزين.
قامت مجموعة من سرايا الدفاع باعتقال 52 مواطناً من حي الدباغة وشارع ابن رشد، واقتادتهم إلى قبو فيه منشرة للاخشاب يملكها مواطن من آل بدر، وعندما دعي المواطن رئيف عبد القادر العبد للوقوف مع المجموعة هو وأولاده الأربعة، احتضن اثنني منهم في فروته، ليدفع الموت عنهما، إلا أن رصاص القتلة عاجل الجميع، فقتلوا ثم أحرقت قوات النظام المنتشرة بما فيها من ضحايا وأخشاب، وقد عرف من هؤلاء القتلى : عبد القادر حداد، ماهر بدر البدر، مازن بدر البدر، مسعف بدر البدر، أحمد محمد الزين، وعدد من عائلة الحكواتي، رئيف العبد، سعيد رئيف العبد، مسعف رئيف العبد، غزوان رئيف العبد.
كما قتل عبد الرزاق القرن، مع زوجته وابنه البالغ من العمر سنتين، وقتل من آل عدي آب مع ثلاثة من أبنائه.
مرت مجموعة من قوات النظام في حي الدباغة قرب منزل آل دبور، فقام أحد المخبرين بإرشادهم إلى بعض منازل الأهالي المطلوبين، والمعارضين للسلطة، فقامت بإخراجهم وقتلهم، ومرت مجموعة أخرى من قوات النظام بآل الدبور الموجودين في بيوتهم، فأخرجتهم وقتلتهم. وقد عرف منهم : نزار صبري، وزوجته، محمد حسام دبور عضو كتائب البعث، ذكاء دبور، وفاء دبور، محي الدين دبور، وهو مطلي في كتائب البعث.
كما قتل العسكر: محمد خضر مغيزيل، وأولاده الثلاثة، وهم من كتائب البعث، ثم قام القتلة بنهب محلات حي الدباغة البالغ عددها مئتي حانوت، وفسرقوا أموالها، و محتوياتها ثم أحرقوها وهدموها.
أضحت القلعة، منطقة الطوفرة وحي الباشورة الذي دخلتهم قوات النظام بيتاً بيتاً كلها بحوذتهم.
وفي ذلك اليوم هدمت قوات النظام مسجد السرجاوي في حي الجراجمة، وهدموا زاوية الشراباتي في حي جورة حوا. كما أحرقوا مستودعات الأوقاف، ومديرية الأوقاف في حي الدباغة.
ومن المجازر التي حدثت في ذلك اليوم الاثنين 8 شباط مجزرة آل الدباغ منذ ساعات الصباح، إذ قتلوا الأستاذ فهمي الدباغ، وكل أفراد عائلته الذين كانوا يختبئون في القبو، أو حسب رواية أخرى -قن الدجاج- فلم ينج منهم أحد، حيث قتلوا زوجته وابنته ظلال، وابنه وارف، وابنه عامر، وابنه ماهر، وبناته صفاء ورنا، وقمر، وابنه ياسر وابنه أحمد.
وبعد أن فرغ العناصر من قتل عائلة الدباغ عن آخرها، توجهوا إلى منزل السيدة حياة جميل الأمين، فقطعوا يديها ليأخذوا حليها، ثم قتلوها مع أولادها الثلاثة، ثم نهبوا كل ما هو ثمين في المنزل، ثم أضرموا النار فيه.
ثم توجه العناصر إلى منازل آل موسى الأربعة المتجاورة، وجمعوهم في إحدى الشقق، وأمروهم بالوقوف متقاربين، وسلط الجنود بنادقهم عليهم، فتوسل أحد الآباء الذي كان يحمل طفله الرضيع، فدفعه جندي بكلتا يديه، والآن يقول: (من أجل هذا الرضيع اتركونا، فجاء الجواب طلقات اخترقت جسد الطفل وجسد والده، بينما كانت طلقات الجنود الآخرين تحصد أفراد عائلة الموسى جميعاً، وقد عرف من الواحد والعشرين شهيداً من آل الموسى: (عبد السلام وأولاده: سمية، ميساء، مهدي)، فلك محمود العقاد زوجة عبد الفتاح الموسى، ووليد البيطار وهو ابن أخت العائلة، جاءهم ضيفاً، وكان معظم المقتولين من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من عام واحد إلى عشرين عاماً.
ثم توجهت العناصر من عائلة الموسى بعد أن أبادت رجالهم ونسائهم وأطفالهم إلى عائلة آل القياسة في شارع أبي الفداء من حي الباشورة، فقتلوا كل ما وجدوه في المنزل، وهم: غزوان، وأمه وشقيقته، ثم تحول القتلة إلى منزل صبحي العظم أحد وجهاء المنطقة، فدخلوه، ونهبوا محتوياته، من حلي وآثاث ومجوهرات نفيسة، وقتلوا زوجة صبحي العظم، وهي في الثمانين من عمرها، وقتلوا ابنها ثم أحرقوا المنزل.
وتابع القتلة تصفياتهم فذهبوا إلى منزل زهير مشنوف ، وفي قبو المنزل تجمع 39 امرأة وطفلاً هرباً من القصف فدخلوا عليهم، وانهالوا عليهم بالرصاص، ولم ينج منهم إلا السيدة انتصار الصابوني التي لم تكن إصابتها قاتلة، فنقلت إلى المستشفى، فتعافت، وظلت على قيد الحياة.
ومن الأحداث الرهيبة والمرعبة في هذه المجزرة قصة طفل رضيع عمره خمسة أشهر، وجد بعد ستة أيام من المذبحة حياً يرضع من صدر أمه الشهيدة دماً، فلم يفارق الحياة.
وممن عرف من الشهداء: (فاتن النمر، مسرة الشققي، وداد كيلاني، ميسر سمان، أم ياسر بقدونسي زوجة نوري أورفلي، ضحى أورقلي الجدة، ضحى أورفلي الحفيدة، وأبناء نوري أورفلي: كثير، عماد وطفل رضيع لانتصار صابوني زوجة محمود حلواني، ووفاء حلواني، ورهيب محمود علواني.
بعد ذلك توجهت العناصر إلى منزل عائلة أخرى في حي الباشورة، واتجهوا إلى عائلة آل الصمصام، فجمعوا منهم 17 شخصاً في غرفة واحدة، وبعد سلب الساعات والحلي والأموال، أطلقوا عليهم النار، و قتلوهم ثم انطقلوا يحملون كل ثمين من عائلة ميسورة، وقد نجا من هذه المذبحة أربعة أفراد، كانوا في الوسط، وسط القتلى المضغوطين في غرفة واحدة، اثنان منهم جرحى، واثنان بلا إصابات.
ومن شهداء عائلة الصمصام: عبد الرحمن الصمصام زوجته وولداه، محمد الصمصام زوجته، وأحد ابنائه، ياسر الصمصام، وزوجته وطفله ياسر، وله من العمر عامان، وولداه.
بعد أن فرغ العناصر من قتل العائلة دخلوا صيدلية للعائلة في العمارة، فأحرقوها، وانتقلوا بعد عائلة الصمصام إلى عائلة الكيلاني، فقتلوا خالد الكيلاني وزوجته وطفليه ثم تحول العناصر في الحي نفسه إلى مسجد الخانكان، حيث احتمى آل طيفور في المسجد، فقتلوهم دون رادع أو شفقة، وقد عرف من شهداء آل طيفور: ياسر طيفور، صفوح طيفور، زياد طيفور، حسن طيفور، وليد طيفور الذي قتل بالقصف المدفعي.
انتقل العناصر إلى اسرة المواطن أبو علي فقتلوه، وقتلوا معه أبناءه الخمسة، ولم ينج منهم إلا طفل عمره خمس سنوات.
ثم تحولت العناصر إلى عائلة التركماني في شقة مجاورة فقتلوا عائدة العظم، وابنها طارق تركماني، ثم دخلوا منزل السيدة ميسون عياش، وبجانبها ولداها وحماتها فهمية لطفي فسألوها عن زوجها، فقالت: إنه مهاجر إلى السعودية التماساً للرزق، فأطلقوا النار عليها وعلى حماتها، ونجا الطفلان من القتل.
وجمع العناصر 30 مواطناً أمام الثانوية الشرعية في حي الدباغة، وأطلقوا النار عليهم جميعاً، وعرف منهم: (مجموعة آل القباني، وبعضهم لم يكن فد تجاوز العمر ستة عشر عاماً).
يوم الثامن للمجزة، يوم الثلاثاء 9 شباط:
بدأت الأخبار تتسرب إلى المدن الأخرى التي شهدت غليان المواطنين لما سمعوه من جرائم مرعبة. كذلك تحركت بعض الأحياء في داخل المدينة مثل حي سوق الشجرة بانتفاضة، فشرع العناصر بقتل أهالي من الحي.
لم تتوقف الهجمات على حي البارودية ، بل استؤنفت صباح هذا اليوم الثلاثاء، واستمرت إلى ما بين الظهر والعصر، تمهيداً لهجوم واسع أعدوا له على الحي.
كما التفت العناصر إلى حي الشمالية، فشرعوا في قصفه، فقتل عدد من الأهالي، وانسحب آخرون من السكان المدافعين عن مبنى كبير كانوا قد لجأوا إليه، فاحتلته قوات السلطة، وأخرجت من بقي فيه، فصادف وجود المواطن محمد كنيفل فقتلته ثم حاولت مجموعتان من الوحدات الخاصة احتلال أسطحة بيوت مجاورة في حي السخانة المجاور، فتصدى لهم السكان المدافعون عن الحي، وأرغموهم على التراجع، وحينما ألقى الجنود قنابل يدوية على قبو احتمت فيه النساء وراء الأطفال، اعترض بعض الجنود على هذه الممارسات، وتصدى ضابط من دمشق كان برتبة نقيب دفاعاً عنهم، فقتلته العناصر بدعوى أنه انضم إلى المدافعين.
يوم التاسع للمجزة، يوم الأربعاء 10 شباط:
ازداد انسحاب المدافعين عن منازلهم وأحيائهم أمام القصف الشديد، واتساع دائرة الهدم لبيوت الأحياء، فتقدمت قوات النظام إلى المستشفى الوطني القديم الذي اتخذته قوات السلطة مقراً لقيادة اللواء، وأحاطته بالدبابات، فانتهت مقاومته في الأميرية حي المناخ، غير أن سكان حي السخانة دافعوا عن بيوتهم دفاع المستميت، فقررت السلطة لإنهاء القتال دك المنازل وتدميرها مجموعة بعد مجموعة ثم التي تليها، حتى أتت على الحي أو على معظم منازله.
أما في حي بين الحيرين المجاور لحي السخانة، فإن الدبابات لم تفلح في هجومها عليه بعد أن دمر السكان دبابة كان فيها ضابط برتبة رائد، أما الأهالي الذين تترست بهم عناصر الوحدات، فقد حاولوا الهروب فلحقتهم الدبابات، وسحقتهم هرساً على الجدران، وكان فيهم الشهيدان صالح عبد القادر الكيلاني، وابنه فواز صالح الكيلاني.
زجت السلطة نحو 300 عنصر من قواتها في اقتحام حي السخانة، ففجر الأهالي لغماً مزروعاً في الشارع فقتل من عناصر النظام نحو 30 عنصراً، ثم انسحبوا من المبنى المحتمين به، والقريب من مدرسة غرناطة، فاستمرت السلطات في تدمير المساكن والمحلات التجارية، والمساجد والمدارس في هذا الحي، حي بين الحيرين، وفي حي الشمالية.
وفي ساعات الفجر فوجئ أحد الحراس من السكان بتسلل جنديين من عناصر السلطة فهتف مكبراً وفتل أحدهما، وفر الآخر مثخناً بحراحه، ويستنجد بمجموعته التي ولت هاربة، ولم تسعفه حتى فارق الحياة، وأخذ الأهالي سلاحهما، ثم حصل اشتباك بين حراس الحي المتحفزين للمواجهة وبين عناصر السلطة، فقتلوا منهم عشرة جنود وفر الباقون بمجموعة من جنود السلطة، فواجهوههم بصدام سريع أدى إلى قتل ثلاثة جنود سيطر الأهالي على أسلحتهم وفيها 4 قذائف آر. بي. جي.
يوم العاشر للمجزة، يوم الخميس 11شباط:
استمرت السلطات في القصف والتدمير وإحراق بيوت الكيلانية الأثرية ومساجدها وزواياها.
واصلت مجموعة مؤلفة من 12 عنصراً من قوات النظام طريقها في حي المناخ وهم يعلقون بنادقهم على أكتافهم، فدخلت شمالي حي البارودية، ففاجأهم أحد السكان، وقتل منهم عشرة جنود على الفور، فاختبأ اثنان منهم، في جانب من الزقاق، أما قائدهم فقد هرب زحفاً على الأرض ومسدسه بيده، حيث تلقاه مواطن آخر عبر النافذة، وقضى عليه، ولدى تفتيش جيوبه تبين أنه برتبة رائد، أما العنصران الهاربان فقد قتلا بعد مناوشة قصيرة.
اليوم الحادي عشر للمجزة، يوم االجمعة 12شباط:
صّعدت قوات النظام ممارساتها في القصف والهدم والمجازر الجماعية، وهدم المساجد والمؤسسات الدينية، وركزت قصفها على بناء مظهر البارودي، ثم تمركز فيها عناصر سرايا الدفاع، ثم تمكن عناصر النظام من التقدم في داخل حي الحاضر عند تقاطع سوق المدار، وشارع سعيد العاص بالغرب من جامع الأربعين.
وفي ذلك اليوم أقدمت قوات النظام على هدم المدرسة الشرعية، وهدم مسجد الشيخ إبراهيم، ومسجد سعد بن معاذ، مع هدم 13 منزلاً في حي الغراية، وعلى هدم مسجد الدرابزون، وزاوية الشيخ عبد القادر الكيلاني، وزاوية الشيخ حسين الكيلاني.
وفي ذلك اليوم أيضاً دخلت عناصر النظام، وأخذت مجموعة من سكان الحي من آل المصري، وبلغ عددهم أربعين مواطناً، فأطلقوا عليهم الرصاص وأرادوهم قتلى، وفيما يلي بعض أسمائهم:
عبير المصري، عبد العزيز المصري، منذر المصري، أديب المصري، أدهم المصري، غازي المصري، نصر المصري، موفق المصري، بشار المصري، حياة المصري، محمد المصري، جهبذ المصري، وطفل رضيع من آل المصري، غسان المصري، موفق الشقفة، علية البيطار، سعد المصري، ماهر المصري، بسام المصري.
اشتدت في ذلك ممارسات سلطات النظام، واقترفت عدداً من المجازر، كانت سبباً في انحياز بعض العسكريين ضد السلطة في حي الشمالية على قيد الحياة قابعين في مساكنهم القليلة التي لم يشملها الهدم، قامت قوات النظام بتمشيط الحي، فقتلت عبد الغني سليمان أخاه خالد سليمان.
أما حي الحميدية فقد اجتاحته قوات اللواء المدرع 21 من جهة الشرق وطريق سلمية، كما وصلت إليه سرايا الدفاع من جهة الغرب من ساحة الحاضر، وبدأوا في عمليات قتل واسعة حيث كانوا يجمعون الرجال ويأمرون كل واحد أن يدير وجهة إلى الجدار، ثم يطلقون عليه النار من فوق دباباتهم طلباً للسرعة في القتل، وبث الرعب ثم تأتي مجموعة ثانية، يؤمر أفرادها بتقليب جثث الضجايا، ووقوف كل واحد منهم في مواجهة ضحية مقتولة بحيث يكون وجه الضحية وصدره إلى السماء، ورجلاه أمام رجلي الضحية الجديدة وجهاً لوجه، تمهيداً لإطلاق النار عليهم وقتلهم.
فتعاطف بعض الجنود من الجيش مع المرشحين للقتل، ووقفوا بجانبههم، فاكتفى البغاة بالاعتقال، وثمة ترجيح بإنزال عقوبات بالجنود الذين تعاطفوا مع المواطنين، ولم يعرف أحد مصيرهم – مصير الجنود.
ومن الجدير بالذكر أن 4000 رجل وامرأة شردوا من حي الحميدية، فاعتقلت السلطة كل الرجال من أهل حي الحميدية.
يوم السبت 13 شباط – اليوم 12 من المجزرة:
داهم الجند منزل صبحي الصحن في حي الدباغة، وعندما خرج إليهم سألوه هل في المنزل شاب؟ فقال لهم لا يوجد إلا هذا الشايب، فأجابوه بطلقات أنهت حياته، ودخلوا المنزل ليجدوا العائلة مختبئة في قبو المنزل، فقتلوا الجميع، ونهبوا موجودات المنزل قبل مغادرته، وقد عرف من شهداء آل الصحن: صبحي الصحن، فرحان الصحن، منور صبحي الصحن، مروان صبحي الصحن، ماجد صبحي الصحن، أحمد سليم الصحن.
يوم الأحد 14 شباط- اليوم 13 من المجزرة:
عادت قوات الانظام لتفتيش حي الشمالية، فأخرجت البقية الباقية من سكانه، وقتلت عدداً غفيراً من بينهم أحد العجزة، فقتلوه مع والده، وفي نفس الوقت كانت ثمة قوات أخرى تفتك بالقسم المجاور لحي الشمالية من سكان حي السخانة.
بعد ظهر ذلك اليوم، تقدم خمسون عنصراً من الوحدات الخاصة باتجاه زقاق آل السبسبي، وكان عدد المدافعين مختبئين في دارين لاحظوا تقدم العناصر، وبعد أن دخلوا صاح أحد الجنود: اصعدوا فالمكان حال من ساكنيه، وعندما هّم بعضهم بالصعود، تلقاهم سكان الحي من المتوارين، وقتلوا منهم ستة ولاذ من استطاع من الجند بالفرار، وصاح أحدهم، مخاطباً رئيسه الذي ألح عليه بالتقدم، ياسيدي هم مئة ونحن خمسون، ولم يقترب وقت العصر حتى انسحب عناصر السلطة بعد أن خلفت عشرين قتيلاً.
في حي طريق حلب اتخذت السلطة دار المواطن محمد عمري مقراً لإعدام المواطنين، عرف من قتلاها: محمد صابوني.
في ذلك اليوم نفذت قوات النظام إعداد ستة مواطنين على طريق سلمية- شرقي المدينة، عُرف منهم: الخباز ابن مرعي، صالح م حمد كربجها من حي الحميدية، وبعد أيام شوهدت أكوام الجثث في هذه المنطقة.
يوم الاثنين 15 شباط – اليوم 14 عشر من المجزرة:
اشتد القصف والحرق والنهب والمجازر التي اجتثت بعض العائلات فلم تبق منهم أحداً، كما استمات المواطنون، وهم يرون الموت المحقق في الدفاع عن أنفسهم، وأنباء بلدهم، وإغتنام الأسلحة من السلطة التي تمعن ارتكاب المجازر، مثل مجزرة زقاق آل الكامل، وزقاق آل الزكار في حي الشمالية.
عادت قوات النظام إلى دخول حي الشمالية، وقتلت مئات المواطنين الأبرياء العزل من الأطفال والرجال والنساء، فلم ينج من هذا الحي إلا من كان مسافراً، أو نجا بأعجوبة، وكان من أسوأ هذه المجازر، مجزرة آل الكامل، حيث تمكن العناصر من الوصول إلى هذا الزقاق الذي ازدحم فيه عدد كبير من السكان فراراً بأرواحهم، وقد فتش الجنود البيوت، فوجدوا في بيت آل الزكار أعداداً كبيرة من السكان المختبئين في قبو الدار، فأخرجوهم من القبو، وأداروا وجوههم إلى الحدار، وقتلوهم جميعاً، عرف منهم:
محمد أحمد الكامل، فاروق محمد الكامل، عمر باكير الزكار، خالد بدوي سليمان، عبد الغني بدوي سليمان، الشيخ عبد القادر الورار، يوسف محمد الورار، حيدر عبد المجيد الورار، ديبو أحمد شنينة، إبراهيم أحمد أصلان، مصطفى عمر بصيلة، عمر علي كويت، صبري محمد محمد خليف، محمد صبري خليف، فيصل ياسين زلف، حسن صطيف، محمد حامد محناية، رحمو عبد الهادي حنيظل، فيصل حنيظل، غزوان عبد اللطيف أبو دمعة.
وفي زقاق آل الزكار، جمعت السلطة 60 شخصاً، وحشرتهم في الزقاق الضيق، وحصدتهم بالرصاص حتى قصت عليهم، وقد عرف منهم:
عبد القادر زكارن زوجته وطفلاه، نزار غالب الزكار، هندي محمد القطان، محمد رشيد القطان، منذر محمد شومل، توفيق سالمة، عبد الغني سالمة، راشد سالمة، عبد العزيز الكامل، مرهف محمد الكامل.
يوم الثلاثاء 16 شباط:
يوم الأربعاء 17 شباط:
يوم الخميس 18 شباط – اليوم 17 من المجزرة:
تابعت عناصر النظام ممارستها على النساء والأطفال والمسنين، والإجهاز على الجرحى، وارتكاب المجازر، ونهب المنازل وسلبها، وإحراقها، دون أن تكف عن القصف العشوائي على حي البارودية بدعم الدبابات، واستخدام البلدوزرات لشق الطرق والأزمة الضيقة، وإزالة أكوام التراب والحجارة التي تسد الطرق.
تقدمت الدبابات باتجاه حي الشرقية، وأخرج العسكر السكان من منازلهم، ثم جمعوا الأطفال، وأفرغوا الحي من سكانه، وجردوا الرجال من ملابسهم، في الشتاء القارس، وأرغموهم على الهتاف لحافظ الأسد، ثم حشروهم في الجامع الشرقي مسجد الحي، وفجروه بهم جميعاً ليلتحقوا بالشهداء الذين تجاوزت أعدادهم الآلوف إلى عشرات الألوف من قتلى المدينة.
الجمعة 19 شباط – اليوم 18 من المجزرة:
بدأ سحق مدينة حماة وهدمها وقتل عشرات الآلاف من سكانها وتهجير عشرات الآلوف الأخرى، وتصاعد عدد الضحايا في كل ساعة ويوم ، وأصاب ضباط وعساكر السلطة اضطراب نفسي، بدا في صور مختلفة منها، أن قوات السلطة حاولت مراراً اقتحام زقاق الشيخ السبسبي، فلم تفلح، وخسرت عشرين عنصراً من جنودها، وكان الضابط الذي قاد الهجوم برتبة رائد، وكان متحصناً بأحد الأبنية، فصرخ بالنقيب: تقدم أيها الجبان، وكان المدافعون خمسة رجال من أبناء الحي، هيا اقتحم، وإلا فسوف أنفذ فيك حكم الإعدام.
فأجابه: ياسيدي هم خمسون، ولم يبق معي سوى ثلاثين، أرسل لي خمسين بعددهم حتى نقتحهم عليهم، ثم تقدم النقيب بإلحاح رئيسه الرائد، فلم يلبث أن قتل، وعندما حاولت العناصر التقدم من جهة أخرى خلف البيوت، من دار بيت الخاني، دمرهم السكان، وكبدوهم 20 قتيلاً.
كانت السلطة بعد كل هجوم تبدل العناصر كيلا تنهار معنوياتهم، وهم يرون زملائهم يقتلون، كما كانت السلطة تخلي مناطق المعارك من جثث ضحاياها حتى لا يفت في عضد العناصر الجديدة.
في ذلك اليوم هدمت سلطات النظام مسجد الشيخ إبراهيم الكيلاني، بعد قصفه ثلاث مرات في حي الزنبقي، كما هدمت المدرسة التي بنيت فوق أروقته، وسطحه – المدرسة المحمدية الشرعية، كما هدموا مسجد البحصة الذي كان يدرس فيه أحد علماء حماة الكبار الشيخ سعيد الجابي، ثم هدم الطغاة القسم الداخلي لطلاب معهد الروضة الهدائية الشرعي في حي الأميرية.
السبت 20 شباط – اليوم 19 من المجزرة:
شرعت القوات في وضع العبوات الناسفة من مادة ت.ن.ت بكميات كبيرة تحت المنازل والأبنية لنسفها، فهاجم بعض السكان، فهربوا وتركوا وراءهم 70 كغ من المتفجرات وعشرات الأمتار من الفتيل الصاعق، فوقعت بيد الأهالي، وصنعوا منها ألغاماً ودمروا بها 6 دبابات وكان اثنان من العساكر يحاولان سرقة أحد الحوانيت، فشاهدهما أحد الأهالي، فقتل أحدهما، وفر الآخر، بعد إصابته مذعوراً.
الأحد 21شباط – اليوم 20 من المجزرة:
سارعت قوات النظام بإنهاء المقاومة، وإسكات الأصوات الخافتة، بعد أن حولت المدينة إلى مقبرة كبيرة ضمت في ثناياها وفي أحشائها عشرات الألوف.
الاثنين 22 شباط – اليوم 21 من المجزرة:
استمر القصف والنهب والإجهاز على الجرحى، واعتقال كبار علماء المدينة ورجالاتها ووجهائها، ونقلهم إلى جهة مجهولة بعد تعذيبهم، والتنكيل بهم.
كما اعتقلوا في ذلك اليوم 300 مواطن من سكان حي الكيلانية وفي المعتقلات جمع العناصر كل من له صلة بالدعوة الإسلامية، والمؤسسات الإسلامية، ومثل العلماء موظفي الأوقاف، والإفتاء، والمساجد ومدرسي التربية الإسلامية، فنقلوا إلى جهة مجهولة، وقد شوهد لآخر مرة مفتي حماة الشيخ بشير مراد، ومعه كبار علماء المدينة.
كما جمعوا في المعتقلات على كل من ينتمي إلى عائلة المصري في مكان واحد، ثم سيقوا إلى مقبرة سريحين الأخدود الأكبر في مجزرة حماة وما حولها من القرى، وقتلوهم جميعاً، وكانوا من قبل قد قتلوا من هذه العائلة 40 شهيداً في حي العصيدة سابقاً.
الثلاثاء 23 شباط – اليوم 22 من المجزرة:
توقفت المقاومة الأهلية في حي البارودية، حيث شرع عناصر النظام يطلقون قنابل ضوئية لإكتشاف الأهالي الذين اختبئوا بين الأنقاض للتخلص منهم، والإجهاز عليهم، فازدادات هجمات عناصر القوات من مختلف الجهات، مما زاد في عدد القتلى بين الأهالي، إذ فجر عناصر النظام كل مكان يرجحون احتماء المواطنين والمقاومين فيه، وكان آخر قبو يختبئ فيه من بقي حياً من المقاومين عرضة للقصف، البلدوزر الذي دمره كلياً، وقبل أن تفجره عناصر من سرايا الدفاع، قام المقاومون بفتح ثغرة فيه، وانسحبوا منه.
اشتد التوتر في مدينة حمص، وهم يروون الأيتام والمشردين على أبواب المساجد، أو في داخلها، فخشي البغاة أن يحدث في حمص ما حدث في حماة، فتمركزت الدبابات في منطقة القلعة، وأنذرت المواطنين وحذرتهم بمنشورات وزعتها على أحياء المدينة، تنذر أهل حمص من أي تحرك، وإن أي رصاصة تخرج من منزل سيدمر، ولكن الريف شهد تحركاً معارضاً أخاف السلطة، ولاسيما في بلدة القريتين، حيث استخدمت السلطة طائرات الميغ لضرب الملاحقين بعد أن اسقطوا حوامتين للنظام.
في ذلك اليوم جمع عناصر النظام عدداً من عائلة عثمان في حي الشرقية يزيد عددهم عن 25 شخصاً، وقتلهم جميعاً..
الأربعاء 24 شباط – اليوم 23 من المجزرة:
الخميس 25 شباط – اليوم 24 من المجزرة:
يوم الجمعة 26 شباط – اليوم 25 من المجزرة:
تابعت عناصر النظام هدم المساجد كلياً، فهدمت مسجد سوق الشجرة، وقتلت ثلاثة مواطنين، أحدهم من آل الصمودي، وآخر من آل القضيماتي، وثالث كان طفلاً، ومع تفجير المسجد تهدم عدد من البيوت لعائلات حمدون، وعيسى، والنزهة. كما هدمت العناصر الجامع الكبير في حي المدينة، وهو صرح آثري قديم وهدمت مسجد المسعود، الحوراني، الشهداء في حي الصابونية، ومسجد الإيمان في حي الشرقية، ومسجد صلاح الدين في منطقة جنوبي الملعب على طريق حمص، وجامع رستم بك في حي المحالبة، ومسجد الهدى فوق هضبة بجوار البئر الارتوازي ذي المياه المعدنية الذي كان الناس يقصدونه للاستشفاء، كما هدموا كنيسة السيد العذراء للروم الأرثوذكس التي استغرق بناؤها وأعمال الزخرفة فيها 17 عاماً.
كما هدموا مسجد المناخ ومسجد الأربعين ومسجد مروان حديد، وتوجهوا بعد ذلك لهدم مؤسستين دينيتين هما : معهد الروضة الهدائية الشرعي، وجمعية رعاية المساجد الإسلامية في حي الأميرية.
والمعهد لم يهدم معهم بسهولة عبر المتفجرات، ومادة الـ ت.ن.ت فاستدعوا خبراء وكميات كبيرة من المتفجرات سريعة الانفجار، وكرروا محاولتهم حتى نسفوه من قواعده.
في ذلك اليوم أيضاً اعتقلت قوات النظام 1500 مواطن ساقتهم في شاحناتها، دون أن يعرف أي مواطن عنهم شيئاً، ولم يعد يعرف أهل المدينة عن مصيرهم، وما آل إليه أمرهم.
وفي ذلك اليوم أيضاً ساقت السلطة 16 مواطناً من حي الفراية الذي لم تخرج منه رصاصة واحدة، وأمرتهم بنقل الأمتعة والآثاث التي سرقوها من المنازل والحوانيت إلى الناقلات العسكرية لنقلها إلى القرى والمدن الأخرى لبيعها أو حملها إلى بيروت من سرقها.
كانت السيارات ترابط بجوار المسجد الجديد في سوق الطويل، وبعد أن انتهى المواطنون من عملية النقل، اقتادتهم عناصر السلطة من سرايا الدفاع والوحدات الأخرى إلى حرم المسجد، وأطلقوا عليهم الرصاص جميعاً، وعرف منهم:
محمد نصر سفاف، على أحمد الحديدي، إبراهيم عثمانلي، مروان عمر شيلح.
يوم السبت 27 شباط – اليوم 26 من المجزرة:
يوم الأحد 28 شباط – اليوم 27 من المجزرة:
التفت عناصر النظام بعد السيطرة على حماة إلى ريف المدينة، فتوجهوا إلى القرى التي يظنون أنها أفرزت مقاومين، أو أوت مطاردين، أو ساعدت منكوبين، فاختاروا قرية طيبة الإمام التي تبعد عن مدينة حماة 18 كم باتجاه الشمال الغربي، والتي كان يقطنها نحو عشرة آلاف نسمة، فقامت السلطة بشن هجوم عليها مستخدمة حوامات، وأنزلت مجموعات من الوحدات الخاصة على قمم الروابي والهضات المحيطة بالقرية، ونصبوا عليها رشاشات دوشكا، ودفعوا بعشر سيارات من المخابرات العسكرية إلى داخل القرية، وشرعوا باعتقال أهالي القرية العزل الآمنين، عرف منهم:
أحمد مصطفى، وليد العتر، رياض خطاب، محمود الأبوعلي، إسماعيل نبهان، محمد قناص، محمود عوض، عبد اللطيف خطاب، محمد العتر، ونهبوا حانوته وحلي زوجته.
يقال أن المدينة كان فيها 300 ألف مواطن.
القتلى ما يزيد عن 30 ألف وبعض الباحثين يرفع العدد إلى 40 ألف وآخرون إلى 50 ألف، كما نقل محمود عباس أبو مازن عندما كان ممثل منظمة التحرير في دمشق عندما أخبره مسؤول قال عنه أنه كبير في السلطة حينها.
في نهاية شباط ومطلع آذار 1982:
جلبت القوات الحكومية طلاب من بعض المدارس ونقلتهم إلى حماة وطلبوا منهم تنظيم بعض الشوارع ورشها بالمبيدات منعاً لانتشار الأوبئة.
ويذكر إياد الملوحي أحد الطلاب الذين شاركوا في هذا العمل أن الطلاب كانوا من مدرسة زكي الأرسوزي للذكور ومدرسة إبراهيم زينت للإناث، ويذكر الشهادة التالية: (بعد توقف المعارك في حماه عام 1982 وفي يوم ما توقف باص نقل داخلي أخضر أمام مدرستنا زكي الأرسوزي و طُلب منا نحن طلاب الحادي عشر أن نركب الباص ثم أمام مدرسة ابراهيم زينب للبنات وضموا إلينا طالبات الصف العاشر .
طبعا لم نكن نعرف وجهتنا حتى استلم الباص طريق حماه ، وصلنا إلى حماه ووضعونا في أحد الأحياء وسلمونا أدوات تنظيف ومنها مواد لا أذكر نوعها لرشها بالشوارع منعا لانتشار الأوبئة .
نحن لم شاهد جثث في الشوارع ، كانت القناصة تعتلي سطوح الأبنية والجنود يحيطون بنا و أذكر توقفت نصف مجنزرة ونزل منها المسؤول عن شبيبة الثورة و أعتقد اسمه سعيد حمادي ، لم نرى ولا مدنيا واحدا إلى أن فتح أحد الأبواب وخرج منه ولد وقال لنا : اشتغلوا يازبالين وكانت جرأته مذهلة.
بعد انتهاء العمل أخذنا شوفير الباص الحموي بجولة في أنحاء المدينة وهو يبكي ، وشاهدنا الأحياء المدمرة والأبنية على الأرض والساعة القديمة أيضا على الأرض، ثم شاهدت مسجد مدمر جزئيا والمأذنة على الأرض دخلت أنا إليه و أخذت كم كتاب من المكتبة وفي طريق العودة رميت الكتب بعد أن انتبهت أنها قد تشكل خطرا علي).
النتائج:
تدمير الأبنية ودور العبادة:
ركزت القوات المهاجمة على تهديم المساجد ولى الأخص قصف المآذن، مثل المسجد الشرقي في حي الشرقية، زاوية الشراباتي في حي جورة حوا، مسجد الشيخ إبراهيم في حي الدباغة، مسجد الأفندي في سوق برهان التجاري بالحاضر، مسجد سوق الشجرة، جامع الشيخ علوان في حي العليليات، مسجد حي الشريعة، مسجد الشيخ زين في حي الشمالية، مسجد حي الحميدية، مسجد عمر بن الخطاب في حي السخانة، مسجد حي المناخ، مسجد المسعود في حي المحالبة، مسجد حي كرم الحوراني، مسجد الشيخ محمد الحامد في المحطة، مسجد الحراكي في حي بين الحيرين، مسجد صلاح الدين في جنوب الملعب، جنوب المدينة على طريق حمص، مسجد الشهداء في حي الصابونية، مسجد الإيمان في حي الشريعة، غربي حماة، مسجد سعد بن معاذ في حي القرابة، مسجد الهدى في حي طريق حلب، زاوية الشيخ حسن الكيلاني في حي الكيلانية، مسجد الشيخ إبراهيم في حي الزنبقي، مسجد الدرابزون في حي العصيدة، مسجد السرجاوي في حي الجراجمة.
كتب المحامي إدوار حشوة عن مجزرة حماة عام 1982 ما يلي:
المحامي ادوار حشوة: نديم محمد يثار لحماة ..
بعد ايام من مجزرة حماة عام 1982 والتي قتل فيها مدنيون ابرياء
نظم الشاعر الكبير الصديق قصيدة عنوانها (الى حماة المجاهدة) أرخ فيها للمجزرة في ثمانين بيت من الشعر وسلمني نسخة منها بخط يده في الشيخ بدر وهو أصلا من قرية عين شقاق
في القصيدة ابيات اعتبر فيها و المسوولية في مجموعة النظام المتحكمة ومن القرداحة دون باقي الجبل فقال :
جماجم وضلوع كالحصى نثرت
من فوق ساحتها حمراء كالشرر
اني لاسمع في سهل وفي جبل
صوت الشام وفيها غيظ منتهر
يغضي ويمهل شعب قل ناظره
وليس يهمل فأخشى الله واعتبر
لا تحسب الشام اما عينها رقدت
للشام يقظتها في المفحم الخطر
لا بد من عودة للسيف مرجعه
يوما بيوم وَيَا قرداحة اصطبري
المراجع والهوامش:
(1). صحيفة الثورة، بغداد، العدد الصادر في التاسع عشر من شباط 1982م.
(2). صحيفة الأنباء، العدد 4052، الصادر في الثاني من شباط 1982م.
(3). سعد الدين (عدنان)، صـ 364
(4). سعد الدين (عدنان)، صـ 366-367
(5). سعد الدين (عدنان)،صـ 369
(6). سعد الدين (عدنان)، صـ 370
(7). سعد الدين (عدنان)، صـ 373
(8). 373
(9). 375
(10). سعد الدين (عدنان)، صـ 381
(11). سعد الدين (عدنان)، صـ 384
(12). إياد الملوحي - التاريخ السوري المعاصر 04.02.2025
