يقدّر العدد الإجمالي ليهود سورية في العالم بنحو 250 ألف نسمة، منتشرون على النحو التالي: إسرائيل 150 ألف نسمة؛ الولايات المتحدة الأميركية 75 ألفاً؛ سورية 80 نسمة. وهناك يهود من أصل سوري في المملكة المتحدة والأرجنتين والبرازيل والمكسيك وبنما. وتفيد المصادر التاريخية بأن يهود سورية انقسموا إلى مجموعتين، إزاء أهداف الحركة الصهيونية، فقد نادت مجموعة يهود حلب بضرورة الهجرة إلى فلسطين لبناء دولة إسرائيل، بينما كانت مجموعة يهود دمشق قريبة من خطّ اليهود الذين وافقوا على فكرة التاج البريطاني إقامة دولة يهودية في أوغندا.
ومن سنة 1920 حتى 1934، تأثرت مسألة الهجرة اليهودية وموضوع الاستيطان اليهودي في البلاد السورية بتجاذبات العلاقة بين الحركة الصهيونية وسلطات الانتداب الفرنسي، لا سيما منذ سنة 1934.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1934، بدأت العلاقات الدبلوماسية بين وزارة الخارجية الفرنسية و”لجنة الدفاع عن حقوق الإسرائيليين في أوروبا الوسطى والشرقية”، وكان هنالك شخصان يهيمنان على هذه اللجنة، رئيسها جوستان غودار، الذي توجه إلى وزارة الخارجية ملتمساً منها، باسم اللجنة، الموافقة على خطةٍ للهجرة إلى سورية، تضم عشرة آلاف مزارع يهودي، برفقة عائلاتهم. واقترحت اللجنة خمس مناطق لتوطين المهاجرين اليهود: الجبل الماروني في لبنان؛ سنجق الإسكندرون المستقل؛ دولة العلويين؛ الفرات الأعلى؛ سهل الغاب، شرقي نهر العاصي. وأملت اللجنة بإيجاد الأموال الضرورية لتمويل المشروع لدى لجنة للإغاثة تابعة لليهود الإنكليز، هي الوكالة الدولية للاستعمار (ICA)، وكان رئيسها السير أوزموند أفيغدور غولد سميث عضواً في اللجنة أيضاً. واعتبر جوستان غودار أن إنشاء مزرعة يعني أن كل مستوطن ستبلغ كلفته 23 ألف فرنك. لكن اللجنة لم تقترح على الحكومة الفرنسية تمويل هذه الهجرة فحسب، بل وعدتها، أيضاً، بإيجاد مشاريع كبيرة في سورية على نفقتها، إذ كانت تخطط تحديداً لمشروع ري سهل الغاب، وتجفيف المستنقعات، لا بل تجهيز البلاد بنظام كهربائي ـ مائي، ذي مستوى عالٍ.
الممر اللبناني
كانت هجرة يهود سورية تتَّجِهُ على نحو رئيسي إلى فلسطين ولبنان، ابتداءً من الحرب العالمية الأولى. وكان مغادرتهم كلاً من حلب ودمشق، في الأساس، بسبب الانهيار الاقتصادي الذي كانت تعاني منه المدينتان، في أعقاب افتتاح قناة السويس. ولاحقاً، وخصوصاً في العشرينيات، بسبب تدهور الأوضاع السياسية في سورية. فنتيجةً للثورة السورية الكبرى، عام 1925، والهجمات التي طالت يهود دمشق، هرب ثلاثة آلاف من يهود المدينة من بيوتهم، في غضون أيام. وفي نيسان من عام 1926، لم يتبقَّ في دمشق غير 6635 يهودياً.
وفي الثلاثينيات من القرن العشرين، تزايد الطلب على وثائق الهجرة إلى فلسطين، من جراء الخروج على نطاق واسع من ألمانيا. وحدثت، في تلك الحقبة، حالات هروب جماعية إلى فلسطين. ويقدّر أنه وصل إلى فلسطين بين عامي 1942 و1947 ما مجموعه 4.811 يهودي من سورية ولبنان. وأدت حوادث شغبٍ جرت في حلب عام 1947، إلى نزوح يهودٍ حلبيين كثيرين إلى لبنان.
وما إن حصلت سورية على استقلالها عام 1945، حتى راحت تضع العراقيل في وجه الراغبين بالحصول على جوازات سفر للذهاب إلى فلسطين، إلى أن تم، في آخر المطاف، حرمانهم من الحصول عليها بالكلية. وعندما أخذ اليهود يتسللون بأعداد كبيرة عبر الحدود إلى فلسطين، صدرت الأوامر بإطلاق النار على كل مَن يحاول اجتياز الحدود بدون إذن رسمي. وعام 1946، منعت السلطات في دمشق صحيفة يهودية، كانت تصدر، آنذاك، في بيروت من الدخول إلى سورية. وتم عام 1948 صرف يهودٍ كانوا يعملون موظفين في بعض دوائر الدولة المدنية. لذا، من غير المستغرب أن يعمد آلاف اليهود للهرب إلى لبنان أو فلسطين، وخصوصاً بعد عام 1945. وقد تم القبض على عديدين ممّن كانوا يحاولون الفرار، وحكم عليهم بمدد حبس متفاوتة. كما قتل بعضهم على أيدي مهربيهم. وعلى الرغم من ذلك كله، تواصل الفرار، ونجح عديدون في الوصول إلى فلسطين.
وأصدر الحاخام موشيه ناحوم، من أبناء الطائفة اليهودية في الجزيرة، بياناً، ادعى الصهاينة أنه صيغ تحت الإكراه، يحتج فيه على الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وأنه تم إجبار يهود سورية في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1945، على المشاركة في تظاهرة ضد وعد بلفور، والطلب من أصحاب الدكاكين اليهود أن يغلقوا محالهم، تضامناً منهم مع المسلمين.
ولاحقاً، كانت نشاطات إيلي كوهين التجسسية، مضافاً إليها الغضب العارم الذي أعقب حرب يونيو/ حزيران 1967، من الأسباب الرئيسية وراء تصميم السوريين على عدم السماح لليهود بالهجرة إلى إسرائيل.
وجرى، عام 1950، تهريب ثلاثين يهودياً سورياً من سورية، من خلال عصابة من البحارة العرب، وعدوهم بأن يأخذوهم إلى إسرائيل. وفي منتصف الطريق بين بيروت وحيفا، انقلب عناصر العصابة على المسافرين معهم، فسلبوا ما معهم من أشياء قيّمة، ثم قتلوهم وألقوا بجثثهم في الماء. وعام 1974، أعلنت الإذاعة السورية من دمشق أن أربع شابات يهوديات، كن يحملن نقوداً كثيرة، ويحاولن الوصول إلى إسرائيل عبر لبنان، قتلتهن عصابة مهربين، كان أفرادها يهود، وبعضهم مسلمون. وفي مسعى إلى جعل الأمر يبدو كما لو أن السلطات السورية هي المسؤولة عن قتل الشابات، أعلنت الإذاعة الإسرائيلية أن الشابات “جرى تعذيبهن أولاً ثم قتلهن، وأن جثثهن تركت ملقاة في أحد شوارع دمشق”.
وبحسب صحيفة “إسرائيل اليوم”، فإنه طوال ثمانية شهور، من سبتمبر/ أيلول 1972 إلى إبريل/ نيسان 1973، نفّذ الموساد وسلاح البحرية الإسرائيلية أكثر من عشرين عملية سرية لتهجير شبان يهود من سورية، عن طريق بيروت. وحسب جهاتٍ في سلاح البحرية، كانت كل عملية تشمل بين خمسةٍ إلى ثلاثين مهاجراً. وقلة فقط كانت تعلم بأمر هذه العمليات.
الوحدة 8200
وروى أفراد من عائلات يهودية سورية، هاجروا في طفولتهم من سورية، يعملون في الوحدة 8200، المختصة بجمع المعلومات الاستخبارية التابعة لسلاح الاستخبارات، وأفرادها يفهمون عقلية السوريين، ويحتكرون كل شيء في المجال السوري في الصناعة الاستخبارية، من تدريس اللغة العربية باللهجة السورية للجنود الذين لا يتكلمونها، إلى جمع معلوماتٍ استخباريةٍ ثم تحليلها، منهم إيتسيك وهيلل ج، وهما شقيقان، يخدمان في الوحدة 8200، قصة تهريب عائلاتهم من حلب عام 1982 التي كان يقيم فيها، في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، نحو 2000 يهودي.
وذكر الأخيران أنه في غضون تمرّد “الإخوان المسلمين” على حكم الرئيس حافظ الأسد، اختبأ اليهود في بيوتهم، خشية على حياتهم. وعلى ما رويا، فإن أحد الإخوان المسلمين اغتصب يهودية شابة. وعقب هذه الحادثة، طلبت والدتهما من والدهما الترتيب للهرب والاتصال بأقرباء في تركيا، باستعمال كلمات شيفرة. ولاحقاً، تجاوزوا الحدود السورية ـ التركية خلسة، وصولاً إلى مدينة اسكندرون، حيث انتظرهم مبعوث الوكالة اليهودية الذي أخذهم إلى فندق. وبعدما ارتاحوا قليلاً، سافروا في حافلة إلى اسطنبول، حيث حصلوا على جوازات سفرٍ جديدة، وركبوا طائرة، وهبطوا في تل أبيب. وكتب إيتسيك ج: “كانت أضواء اللد أجمل منظر رأيته في حياتي”، وأضاف متأثراً: “لم يخطر ببالنا أننا حينما نذهب إلى المدرسة، سيشير الأولاد إلينا ويسموننا عرباً، وقد تحرشوا بنا لأننا فقط لم نعرف العبرية”.
تزوجت إحدى شقيقات هيلل وايتسيك ج. في البلاد ابناً للعائلة س. التي هاجرت من دمشق. وقدمت العائلة إلى سلاح الاستخبارات ثلاثة أبناء: الوكيل ايتسيك س، زوج الشقيقة، وهو يخدم خدمة دائمة مع أخويه يهوشع ويوسي، وكلاهما برتبة مساعد أعلى. وقد رضعوا الصهيونية من قصص البطولة الشخصية لأبيهم الذي حاول أن يهرب من سورية، عندما كان في السادسة عشرة. “هرب أبي مع أصدقائه إلى لبنان. لكن سائق سيارة أجرة عرف أنهم ليسوا محليين، سلّمهم إلى الشرطة اللبنانية، وكشف المحققون اللبنانيون عن أنهم يهود هربوا من دمشق، وأعادوهم إلى سورية”.
وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، عام 2005، تفاصيل عملية “سميخا” (بطانية) السرية التي نفذتها وحدة الكوماندوز التابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي، لتهريب عدد من يهود سورية إلى إسرائيل، وتم اتخاذ القرار بتنفيذها في العام 1970، بعد مصادقة رئيسة الوزراء الإسرائيلية في حينه، غولدا مائير، عليها وأوكلت مهمة تنفيذها على عاتق جهاز الموساد الذي استعان بعناصر من وحدة الكوماندوز البحري الإسرائيلي الذين تسللوا عبر شاطئ اللاذقية إلى سورية، وصولاً إلى قلب العاصمة دمشق.
وفي ثمانينات القرن العشرين، لم تحدث متغيّرات على أعداد يهود سورية وأحوالهم، عدا ضغوط مارستها جهات غربية ولجان يهودية غربية على الحكومة السورية، متذرعة بالأحوال الاجتماعية والإنسانية ليهود سورية، من هذه الجهات اللجنة الدولية لإنقاذ يهود البلاد العربية التي ترأسها رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، ألن بوهير. ففي 1977، تمحور عمل تلك الجهات حول الطلب من الرئيس السوري، حافظ الأسد، بالسماح بنقل 13 فتاة يهودية من سورية إلى الولايات المتحدة من أجل الزواج. وقد سمح لـ14 فتاة يهودية بالسفر إلى الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأميركي، جيمي كارتر، عادت منهن ست فتيات إلى سورية.
وفي السنوات الأولى من عقد التسعينات، وفي أعقاب المتغيّرات الإقليمية والعالمية، خصوصاً ما يتعلق منها بالصراع العربي ـ الصهيوني، مثل انعقاد مؤتمر مدريد 1991، استجدت متغيّرات على أوضاع يهود سورية. فقد أصدرت الحكومة السورية في 22/4/1992 قراراً يقضي بالسماح لليهود بالسفر إلى الخارج، عدا الكيان الصهيوني، فغادر سورية 2600 يهودي، توجهوا إلى الولايات المتحدة وكندا، عاد منهم إلى سورية لاحقاً 160 يهودياً.
وأخيراً، نشر موقع ynet الإسرائيلي على الإنترنت، تقريراً عن تهريب عائلة يهودية من سورية إلى إسرائيل، في عملية سرية، وبالتنسيق بين جهات إسرائيلية وغير إسرائيلية، بينها الوكالة اليهودية ووزارة الاستيعاب. وجاء في التقرير أن العائلة، المكونة من تسعة أفراد، فرّت، أولاً، إلى دولة “ثالثة”، ومن ثم وصل أفرادها إلى إسرائيل على دفعات، حتى التأم شملهم جميعاً في إسرائيل. وذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” أن عملية “الإنقاذ” قادها موتي كاهانا، وهو أميركي يهودي يعمل في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية للاجئين السوريين، ويرأس منظمة إغاثة تنشط في أماكن ودول لا تربطها علاقات دبلوماسية بإسرائيل. وعلى ذمة الصحيفة المذكورة، فإن كاهانا عزّز، عبر نشاطه الإنساني في سورية، علاقاته واتصالاته بمعارضين سوريين، واستطاع تجنيدهم لإنجاح خطة إخراج اليهود السوريين.