أعلام وشخصيات
ميشيل كرشة
ولد ميشيل كرشة عام 1900، وعاش حياته بمزاج الفنان المتمرّد المجتهد الطموح.. بدأ رحلته مع الرسم في سن مبكّرة تلميذاً موهوباً وهاوياً في المدرسة البطريركية بـدمشق عام 1914 وتوّج هذه المرحلة من الهواية بعمل بورتريه لوالده في عام 1916 وقد شكّلت تلك اللوحة انطلاقة مشواره الفني الذي بدأه بالواقعية متأثّراً ومندهشاً بعمل المعلمين الكبار وفناني عصر النهضة.
كانت بداياته الفنية شاقة ومضنية، إذ تعرّض لمتاعب جمّة سببتها رسومه المباشرة للأحياء الشعبية في دمشق وأزقتها الضيّقة، هذا إضافة إلى طريقته في معالجة لوحاته التي أثارت عليه نقمة الفنانين التقليديين الذين أبقوا على رؤيتهم للفن على أنه تسجيل دقيق للأشكال وبناء مثالي للوحة.
تميزت أعماله بغنى موضوعاتها التي خَصّ الطبيعة بحيّز كبير منها، فبدت فيها المشاهد رصينة وتكويناتها محكمة بدءاً من جماليات الإضاءة التي كانت بمفهومه تعني الإيقاع في اللوحة، فتُباعد بين العناصر، وتتحكم بأهمية حضور كل منها حتى لا تستطيع أن تميّز بين اللون والضوء في المربع الذي يزدحم بالمفردات والتفاصيل المشغولة برغبة العارف بأهميتها وضرورتها بل وبمكان توظيفها أو حتى إهمالها إذا اقتضت الحاجة في المشهد لذلك، معوّضاً عنها بتأثيرات أدواته وهي تترك شغباً وعبثاً جميلاً على السطح الذي يفيض بالحيوية والحركة المتجدّدة بتجدّد الضوء في كل مرة بشكل مختلف من المتعة والاحتفاء تبعاً للمكان والزمان.
كان التشكيلي ميشيل كرشة أول سوري درس الفن باختصاصات (التصوير الحفر الطباعة) في أكاديمية الفنون الجميلة بباريس بين الأعوام 1919-1925 وهو يعتبر الرائد الاول للإنطباعيه في سورية، صوّر المناظر الطبيعية والأحياء الدمشقية، والطبيعة الصامتة كما اهتمّ برسم الوجوه والشخصيات، ومن أبرز تلك اللوحات وجه للسيد رئيس الجمهورية السورية هاشم الأتاسي كان رسمها لغلاف مجلة الإذاعة السورية العدد الرابع عشر عام ،1954 هذا إضافة إلى اشتغاله على موضوعات متعدّدة منها القومية والاجتماعية، وأيضاً عُرف كمصمّم ورسّام طوابع بريدية بين الأعوام 1925-1950 تأثـَّر بتجربته عدد من الفنانين الشباب في ذلك الحين، واعتُبر في وقته أول خارج عن قانون الفن السوري وقالوا عنه إنه صاحب بدعة، بينما هو حقيقة كان يعتبر من المبدعين الجادين والمجدّدين في المشهد التشكيلي السوري آنذاك وبما لا يقبل الشكّ.
له العديد من المعارض كان أولها معرض الفنانين (توفيق طارق، عبد الوهاب أبي السعود، سعيد تحسين) عام 1926 إضافة إلى معارض فن التصوير السوري، الرسوم الزيتية للجمعية السورية للفنون، معرض مشترك مع المصورين عبد العزيز نشواتي، ونصير شورى، والعديد من المعارض المقامة بدمشق وبيروت وباريس.
كما شارك مع فائز العظم وتوفيق طارق في معرض نادي يقظة المرأة الشامية عام 1931م(1) .
حصل على العديد من الجوائز منها: الجائزة الأولى بمعرض فلوريدا الدولي (مسابقة للطوابع)، وسام الاستحقاق السوري، ونال ميدالية في البينالي الثالث بالاسكندرية لدول البحر المتوسط 1959 ووسام وزارة الثقافة بالإقليم الشمالي السوري الجمهورية العربية المتحدة 1960.
شارك ميشيل كرشة في التأسيس للحداثة في الفن التشكيلي بـسورية، وساهم في تأسيس الجمعيات والمنتديات الفنية التي نشأت منذ أربعينيات القرن الماضي والتي كانت تضم الشباب المتحمس والأصدقاء المثقفين، وكانت مراكز لتعاطي الفن وإقامة المعارض والندوات ومنها (دار الموسيقا الوطنية) في الصالحية بدمشق، التي تحولت في الأربعينيات إلى النادي الأهلي الرياضي، الذي خرج منه تجمع عفوي للفنون، ثم تلاها (الجمعية السورية للفنون) في أبي رمانة والجمعية السورية للرسم والنحت في الشعلان، وذلك في فترة الأربعينيات والستينيات من القرن العشرين، كما ترك كتابات حول الفن منها محاضرة بعنوان (كيف نفهم الفن).
عاش بدمشق وتحوّل بيته إلى شبه متحف لأعماله وصور بالأسود والأبيض له وللعائلة والأصدقاء، وهي توثّق لأكثر من مناسبة ومعرض، وكل لوحة تخفي وراءها حكاية أو سيرة يمكننا الاستمتاع بسماعها).
توفي الفنان التشكيلي ميشيل كرشة في نيويورك 1973 حيث قضى أكثر من خمسين عاماً بين الهواية والتعلم وبين الرسم والاحتراف داخل وطنه سورية، أو في أي مكان من العالم زاره أوعاش فيه مخلفاً كنزاً من اللوحات الرائعة التي تجاوزت الألف لوحة موزعة في العديد من المتاحف العربية والعالمية.
(1) أنطون سعادة: معرض التلوين الصوري.