“وما رأيته ورأيت نضرة الجهاد في صباحة وجهه، وجمال الصبر ورزانة العقل الا وحسبتني أمام صحابي من أولي العزم الذين أنبتتهم الجزيرة وتتلمذوا لأبي القاسم (ص) وجعل منهم الايمان عباقرة رجولة وبطولة …” أكرم زعيتر
ولد علي بن حسين عبيد في عالية – لبنان ودرس في مدارسها وتخصص فيما يسمى اليوم بالقانون والاقتصاد.
نزح من عاليه الى السويداء بعد أن حاول الاتراك اغتياله أكثر من مرة.
وقد نال حسين عبيد ثقة الجميع واعجابهم بحكمته وسداد رأيه وثقافته العالية…فقد شارك في القضايا العامة بصدق ونزاهة واخلاص ، مما جعل الجميع على اختلاف مشاربهم يتفقون على تعيينه رئيسا لبلدية السويداء ، فكان مصلحا يهتم بالتنظيم والعمران ونشر المحبة والوئام …
قام حسين عبيد بإرسال علي الى لبنان للدراسة وساعدته البيئة التي تربى فيها علي عبيد في السويداء ،وكذلك السفر والدراسة ، على تفتح وعيه السياسي ، ونمو ذوقه الأدبي ، وحسه الاجتماعي ..فأصبح الخبير بالسياسة ..وأصبح المجاهد ..وأصبح الشاعر الوطني والمرهف الحس …
شغل علي عبيد منصب قاضي صلح مدني فكان يحل المنازعات سريعا بالذكاء والحكمة وسداد الرأي …تزوج من شريفة ابنة منصور عبيد من عاليه وكانت وريثة لثروة طائلة من اراض وعقارات … وسرعان ما اصبحت مضافة على عبيد مقصدا لمثقفي الوطن العربي ولشخصيات عالمية بارزة …
ولكن :
“من بعد ما كان الزمن معنا مليح ….تبدل وصار ملعون وقبيح
وصار مورد نبعنا الوافي شحيح ….ومهما عجنت طحين بطل يختمر”
جاء الاحتلال الفرنسي فشجع اللصوص والجواسيس على البطش و الاجرام ،ومحاولة اذلال الناس واخضاعهم لطغيانه ….وعبثا حاول علي عبيد وغيره من النخبة الواعية والمثقفة أن يحلوا الأمور بالحوار والتفاهم …ولكن عنجهية الاحتلال اقفلت كل الأبواب في وجوههم :
” من خبرة بين الملا والتجاريب …ما النا صديقا يا رفاقي سوى السيف
يا كتر شكوانا وزود المكاتيب …ويا كثر توسيلاتنا والتعاطيف
وبالحق طالبنا بلطف وتآديب ….من دون جدوى زعزعوا حرمة الضيف”
وكانت الثورة …المثقف المسالم الذي كان ينشر المحبة والوئام كما رباه والده ، وجد أن المعركة قد فرضت عليهم فهي معركة كرامة ووجود …فتحول الى مقاتل يتقدم الصفوف مع أولاده …وخسر ابنه نايف في معركة السويداء ..وابنه رشيد الذي ورث عن ابيه الشخصية القيادية الذكية والشجاعة مات مسموما ، فالتخلص من أمثاله كان يخدم مصلحة المستعمر وزبانيته …
“البارحة والعين عيت تنامي …عيا عليها واهج الصدر لتنام
وقلبي يرفرف مثل جنح الحمامي …وجسمي نحيل واغديت جلدا على عظام
وجدي عا نايف راح يو القتامي …وسط السويدا بأول الجمع قدام
أمه بكت والوالدة لا تلامي …قلت كفي خاتم الرسل ما دام “
في كتابه ” الثورة السورية الكبرى ” يقدم سلامة عبيد دراسة شاملة وموثقة …وفي “ذكريات الطفولة ” يروي بعض احداثها ، ونجد في قصائده الكثير عما شاهده ابان الثورة وبعدها …
اضطر الثوار الى النزوح الى الأردن …وكانت الطائرات الفرنسية تحاول ابادتهم جميعا مع نسائهم وأطفالهم :
“كنا صغارا يا بني
نعيش في لهب المعامع
الجو يمطرنا لهيبا
والبنادق والمدافع ….
لم نرتجف يوما
ونحن الصامدون الظافرون …
ولعلكم لا ترجفون ….” سلامة عبيد
بعد الملاحقة المتواصلة لهم في الاردن نزحوا الى نجد حيث عاشوا عشر سنوات في صحراء قاحلة، تحرقهم نارها صيفا ، وبردها القارس شتاء :
” لكن وقعنا وأصبح الطفل جوعان …ندور على عشب الفلا ما لقينا “
باع ارزاقه في السويداء ..ثم استأذن أم نايف في بيع أرزاقها فقدمتها عن طيب خاطر …وبيعت جميعها لتأمين متطلبات الثورة ومعيشة الثوار …
لعلي عبيد ديوان شعر بعنوان “ربابة الثورة ” طبع عام 1941 ثم أعاد طباعته ابنه سلامة عبيد الذي وضع ايضا مقدمة للكتاب …شعره كان شعر النضال والوطنية ووصف حياة الثوار في الصحراء …
“يا حيف يا عمرا مضى بالتعاذيب …يا هل ترى المقبل من العمر عالكيف؟”
وكان المقبل من العمر أن سرقت الثورة :
” والبعض ما خسروا عليها متاليك ….ولا بات ليله بالحرايب قلوقي
وعند انتها الشدات أضحى هو البيك …ويقول ثورتنا وضاعت حقوقي “
وبقي علي عبيد يناضل حتى آخر رمق …دعا الى الوحدة والتضامن …والى نبذ الطائفية … والى حب الوطن والتضحية من أجله ..كتب عن فلسطين …وعن حقوق الطبقة الكادحة(1).
(1) سلمي عبيد، موقع التاريخ السوري المعاصر