مقالات
حمصي الحمادة: أوليات الرقة – المخفر العثماني
أوليات الرقة – المخفر العثماني
وصفت الرحالة “آنا بلنت” المخافر في منطقة الفرات، عندما مرت بالمنطقة عام 1878م، بقولها: وكل المخافر بمخطط واحد، باحة مربعة، أحاط بها جدران من الطين، يرتفع 12 قدماً، ولا ينفذ على العالم الخارجي، إلا عبر بوابةٍ مفردة، وعلى الأضلاع الثلاثة اصطفت غرف منخفضة، وغرفة علوية أشبه ما تكون بالصندوق، كان ينام فيها كبير القوم، ومن هذه الغرفة كان يشرف على كل البلد من حوله، ويمضي وقته في ترقب القوافل التي تأتي إلى هذا المكان، في نمط من الحياة الرتيبة المملة.
«تدل الخريطة التي رسمها “كريسول” لـ”الرقة”، عند زيارته لها عام /1907/ م، والتي قمت بتوزيع صور عنها خلال انعقاد الندوة الدولية لتاريخ “الرقة” عام /1981/ م، على أن موقع المخفر يقع في موقع دائرة البريد حالياً، في ساحة الساعة ملاصقاً للسور من الجهة الجنوبية الغربية تماماً، ويمتد كما يذكر المعمرون شرقاً حتى مدرسة “الحرية الخاصة”، وكان مبنياً من اللبن، وتوزعت غرفه بين مهاجع لنوم الجنود، ومستودعات واصطبلات، وغير ذلك.
وبعد بناء هذا المخفر الثابت، انتقل الأشخاص القاطنون ، إلى الموقع الجديد، وبدأ توافد أعداد قليلة من الأشخاص، واستقروا بخيامهم البائسة حول المخفر، طلباً للأمن والحماية، واستقدموا أسرهم بعد ذلك.
أما فيما يتعلق بطريق البناء، كان في البداية بناءً بسيطاً، شُيِّدَ من عيدان الأشجار وجذوعها، وطُلي بالطين، وكان مقره في البداية بالقرب من بناء متحف “الرقة” حالياً، أو ما كان يدعى بـ “السرايا”، ومن ثم انتقل جنوباً إلى “بستان البلدية”، وكان يطلق على هذا النوع من السيابيط اسم “ماق”، وبدأ عدد من الأشخاص يتجمعون حول هذا المخفر، وكان عددهم لا يتجاوز عشرة أفراد دون أُسَر، طلباً للأمن، لتقديم الخدمات لجنود المخفر، وتأميناً للقمة العيش البسيطة.
بني عام 1862م عندما قاد “عمر باشا” والي “حلب”، جيشاً مجحفلاً من “حلب” إلى “دير الزور”، وأخضع منطقة “الفرات”، وبنى فيها مواقع حراسة ثابتة، توزعت من “عانة” إلى “حلب”، وأطلق على كل من هذه الأماكن التي عنيت بالحراسة وتوفير الأمن، اسم “قره قول”، وهي كلمة تركية تعني المخفر، ويمكننا أن نحدد عام /1863/ م، سنة بناء مخفر “الرقة”، أو بعد ذلك بسنة، ثم بدأت بعد ذلك حركة البناء الثابت بشكله البسيط، وأغلب الآراء عمَّن كان حوله من العائلات، تتجه نحو آل “العجيلي”، الذين شيدوا لهم منزلاً فوق حائط السور، بالقرب من موقع مضافتهم الحالية، ثم تتابع البناء بعد ذلك.
وهكذا يمكننا اعتبار سنة بناء المخفر هي بداية التقويم الرقِّي، الذي ما زال متداولاً، كما أنه كان بداية التوطن الدائم في مدينة “الرقة”». ويذكر أن اعتقاد الناس قديماً، بأن المناطق الأثرية التي تنتشر في أرجاء مدينة “الرقة” مأهولة بالجن، منعهم من السكن داخل أسوارها، وحتى المرور بالقرب منها ليلاً، لذلك بقيت “الرقة” مهجورة لفترة يسيرة من الزمان.