مقالات
زهير ناجي: إقبال ناجي .. من أعلام سورية
زهير ناجي- التاريخ السوري المعاصر
إقبال ناجي 1923 – 1969
رائدة الفن التشكيلي بين النساء السوريات ناشطة اجتماعية، عضو اتحاد النساء الديموقراطيات.
إقبال بيت محمد نادي بن محمد بن حاج مصطفى الطرابلسي، أختي ومعلمتي.
ولدت في دمشق من معلم أصلة من طرابلس الشام ومن أم دمشقية ونشأت في أسرة ذات اهتمامات وطنية وثقافية، عاشت طفولتها في دمشق وضواحيها بحكم وظيفة والدها الذي عمل معلماً في بلدة دوما 1928 – 1931 ثم نقل نقلاً تعسفياً مع غالبية زملائه المعلمين بعد انتفاضة دوما في انتخابات عام 1930 الذين وزعوا بين مدارس المحافظة فكان نصيبه النقل إلى الزبداني الجميلة مصيف أهل دمشق.
وفي الزبداني قضت طفولة سعيدة مع أخواتها وأترابها بين عامي 1932 – 1938 ولم يكن في الزبداني آنذاك سوى مدرسة إناث أولية وحيدة تتألف من أربعة صفوف تديرها خالتها المعلمة… بعد أن أنهت الصف الرابع استمرت في الحضور إلى المدرسة فكانت المديرة تكلفها بتعليم الطالبات الصغيرات متطوعة لمدة أربع سنوات..
وفي المنزل كانت كتب الأدب العالمي والعربي متوفرة فقرأت مع إخوتها روائع هذا الأدب المنشورة آنذاك في سلسلة روايات الجيب ومجلتي الرسالة والرواية.. هوغو وادمون روستان وبير وديكنز وبيرل باك وتولسنوي وريمارك وغيرهم.
كما قرأت الجاحظ وابن المقفع والمقامات الخ.. نقل والدها إلى دوما فسكنت العائلة في دمشق لمدة عامين في حي الصالحية / شركسية ثم في جادة نوري باشا شديدة الالتصاف بأولاد أخوالها وخالاتها.
ثم قضت طروف الحرب انتقال العائلة للسكن في دوما.
تزوجت في سن السابعة عشر من عمرها من حسن قارصلي الذي كان موظفاً في وزارة المالية مسؤولاً عن ملاحات تدمر والبادية قبل أن يصبح مديراً لماليتها وبقيت في تدمر حتى عام 1950 أنجبت خلالها أولادها الخمسة ليلى ووليد وصباح ومحمد وسمر.
كانت منذ يفاعتها ماهرة في الخياطة والتطريز والرسم على القماش بالألوان المائية محبة للقراءة.
وكانت للفترة التي عاشتها في تدمر آثر كبير في استكمال تكوين شخصيتها السياسية والاجتماعية والثقافية ففيها شاهدت جبروت جنود الاحتلال الفرنسي وعطرستهم.. وفيها حاولت رفع مستوى النساء الفكري (في أحد الأيام قلت لهن: تعالوا نمضي زيارتنا بكلام يفيدنا.. تعالوا أحكي لكن رواية قرأتها.. رواية الأرض الطيبة.. وهكذا جعلت من نفسي حكواتي البلدة.. كنت أريد أن أعلمهن أن ألقي عليهم دروساً.. كنت أقرأ الرواية ليلاً لكي أحكيها لهن في الأمسيات).
(مذكراتها):
وفي تدمر مدينة السحر الجمال والخيال تذوقت عبق التاريخ وأمجاد زنوبيا.. وفيها استيقظت من جديد روح الفنان حين سكنت في عام 1942 في منزل كان يسكنه ضابط فرنسي ملأ جدرانه برسوم حدارية فأمسكت الفرشاة لترسم وبتشجيع من إخواتها وزوجها بدأت تطلع من الكتب على حياة الفنانين التشكيليين الأوربيين وروسوماتهم.. بوتيشيللي وتيزيان ورمبرانت ورنوار وفان غوغ وميكيل آنج ومانيه ودافنشي..
انتقلت إلى دمشق مع أسرتها في عام 1950 وأتيحت لها الفرصة للاتصال بالفنانيين التشكيليين السوريين وبالحركة الفنية.. في ذلك الوقت كانت البلاد تعيش في ظلال يقظة تهدف إلى بناء المستقبل ففي عام 1950 بدأت الدولة ترعى النهضة التشكيلية بإقامة أول معرض للفنون الجميلة (معرض الخريف ومعرض الربيع) فشاركت فيه وكان عدد السيدات الفنانات معدوداً على أصابع اليد واستمرت على المشاركة فيه حتى وفاتها وتعرفت على رواد الحركة التشكيلية ومنهم ميشيل كرشه ونصير شورى وعبد القادر النائب وناظم الجعفري وفاتح المدرس وعبد العزيز نشواتي وميلاد شايب وممدوح قشلان وغيرهم..
وشجعها محبو الفن والمثقفون والنقاد: عفيف البهنسي وحسن كمال وبشير زهدي وغيرهم.
(غير أن ذلك لم يشبع رغبتها في امتلاك ناصية الرسم مما دفعها إلى الانتساب لمعهد الجواهري في القاهرة لدراسة الفن ونظرياته بالمراسلة بين عامي 1956- 1958.
بتشجيع من محبيها أقامت أول معرض فردي لها في عام 1964 في صالة الفن الحديث التي افتتحها الفنان دعدوش ورعت الدولة هذا المعرض فكانت أول سيدة سورية تقيم معرضاً فردياً وكان هذا حدثاً مثيراً مدهشاً في ذلك الوقت.
كانت تصر على القول بأنها هاوية وليست محترفة ولم تكن تتبع مدرسة معينة كانت ترسم على شجيتها فرسمت لوحات عن الطبيعة الحية والطبيعة الصامتة ورسمت (بورتريهات) كلاسيكية كانت نماذجها أولادها وأخواتها.
كتب عنها نقيب الفنانين السابق الدكتور محمود شاهين في الموسوعة العربية (أنجزت السيدة قارصلي كثيراً من اللوحات والرسوم المتعددة الموضوعات وبأسلوب واقعي يميل إلى الاختزال.. وقد قدمت هذه الأعمال للناس عبر سلسلة من المعارض الفردية والجماعية الداخلية والخارجية نالت عليها عدة جوائز وميداليات).
وازداد الطلب على أعمالها فقامت بعرضها في (غاليري ون) ببيروت فأقبل الأوربيون والأميركيون على اقتنائها تجذبهم ألوانها المشرقة ومواضيعها الشرقية.
أقامت معرضها الثاني في عام 1966 في صالة المركز الثقافي العربي.
كتب عنه الناقد الفني هشام الشيشكلي في مجلة الجندي قائلاً : ( بكثير من الإعجاب والتقدير قوبل معرض الفنانة.. الذي دل على حرصها على مماشاة الحركة الفنية.. وتمتاز الفنانة بألوانها الربيعية الضاحكة.. أما تكويناتها فهي مدروسة تحوى مفهوماً واضحاً للكتل والأحجام).
وكتب عنها الفنان الكبير فاتح المدرس قائلاً: (كانت إحدى النساء القلائل في سورية المستقلة حديثاً ترسم كواجب ثقافي لبناء غد أفضل وكانت تشعر بهذه المسؤولية الحضارية وكانت رائدة).
(إنها تقف إلى جانب فنان رائد آخر رحل هو الأستاذ ميشيل كرشه الذي كان انطباعياً).
وقال عنها الفنان ممدوح قشلان: ( الفنانة الراحلة لم تترك موضوعاً لم تعالجه من الطبيعة الصامتى إلى المناظر والوجوه الشخصية “البورترية” حتى الموضوعات القومية.. انه يمكن اعتبارها رائدة بين الفانات وجهدها الفني كان تحدياً شجاعاً).
شهرت منذ عام 1965 بأعراض مرض غريب فسافرت عام 1967 لعند شقيقها الطبيب في ألمانيا وهناك أقامت معرضها الفردي الثالث في مدينتي غريفساوالد وروستوك واستقبلتها الأوساط الفنية هناك بحفاوة وألقت هناك عدة محاضرت عن سورية وعن الحركة الفنية السورية. وخلال معركة بناء سد الطبقة على نهر الفرات وما أثارته من حماسة وطنية قصدت السد بدعوة من صهرها وابن اختها المهندس مروان الورع ورسمت لوحات عن السد وعن بنائه بألوان زرقاء عرضتها في معرضها الفردي الرابع هناك كان الأول من نوعه.
شاركت في مسابقة ملهمة الفنانين وفي مسابقة مهرجان القطن بحلب ونالت جائزة تقديرية كما شاركت في مسابقة معرض الزهور.
وخلال عملها لم تنقطع عن النشاط الاجتماعي والثقافي في إطار نشاطات اتحاد النساء الديموقراطيات السوريات فكانت تلقي دروساً في محو الأمية وفي تعليم الفتيات الخياطة والتطريز.
يقول الدكتور محمود شاهين : ( عانت الفنانة إقبال ناجي مرضاً مزمناً ناتجاً عن تلقي دمها كمية من الرصاص الموجود في الألوان الزيتية وهي التقانة اللونية التي اعتمدتها على نحو رئيسي في تنفيد أ‘مالها ومرض التسمم بالرصاص يعانية كثير من المصورين الزيتيين..
وتوفيت وهي في قمة عطائها الفني الذي كانت قد بدأت فيه تجربة جديدة ومتطورة طالت الأسلوب والتقانة والموضوعات وكانت تعد العدة لتقديم هذه الانعطافة المهمة عبر معرض جديد في العام الذي رحلت فيه مأسوفاً على شبابها.
ولم تقتصر الأوساط الفنية والرسمية في حقها شيعت رسمياً وفي الذكرى الثانية لرحيلها وبمبادرة من وزارة الثقافة السورية أقيم معرضها الخامس في المركز الثقافة العربي بدمشق.
وفي عام 1985م، نظمت لها نقابة الفنون الجميلة المركزية معرضها السادس وتحدث الفنانون عن حياتها وفنها.
وبمبادرة من أصدقائها ومن وزارة الثقافة في عام 1999 أقيم معرضها الفني السابع بقاعة المركز الثقافي العربي..
تركت الفنانة إرثاً فنياً كبيراً موزعاً بين بيوت أولادها وأهلها وأصدقائها وفي المتاحف والمجموعات الخاصة.
كتب الدكتور شاهين في الموسوعة العربية قائلاً: (خصصت قارصلي جل أعمالها للموضوعات الوطنية كما تناولت الطبيعة ومظاهر التراث السوري وظلت طوال عمرها تحاول تطوير ثقافتها الفنية النظرية والعملية وتطوير وسائل تعبيرها والتقانات التي تشتغل عليها ، وقد تابع رسالتها من بعدها المهندس والفنان الموهوب وليد قارصلي الذي توفي عام 2006م.
المراجع للاستزادة في دراسة حياة الفنانة:
1-الموسوعة العربية الصادرة بدمشق في المجلد الخامس عشر وفيها دراسة عنها بقلم الدكتور محمود شاهين إضافة إلى دراسة عن ابنها المرحوم وليد قارصلي بقلم عفيف نهنسي.
2-موسوعة تراجم وأعلان النساء السوريات.
3-قشلان (ممدوح)، نصف قرن من الابداع التشكيلي في سورية، دمشق 2006م.
4-قارصلي (محمد)، إقبال ناجي قارصلي سيدة رائدة في الفن التشكيلي السوري ، منشورات وزارة الثقافة عام 1999م.
5- البرغوثي (سعيد)، مجلة الصدى، عدد 138م.
6- الخير (هاني)، شخصيات سورية من القرن العشرين.