الإضراب الستيني
أصدرت “الكتلة الوطنية” بياناً في تشرين الثاني 1935 طالبت فيه بإعلان استقلال سورية وانتهاء الانتداب الفرنسي عليها. وتوثيق صلات التعاون مع البلاد العربية الشقيقة.
أعقب صدور هذا البيان قيام إضراب شامل في 22/01/1936. وقد امتد هذا الإضراب من دمشق إلى سائر المدن السورية، وكان من الأسباب الرئيسة له قيام سلطة الانتداب بإغلاق مكاتب الكتلة الوطنية بالشمع الأحمر. وقد تبعته مظاهرات صاخبة واعتقالات تعسفية بأمر الكومندان “كوليه Collet” والمفوض السامي. وقد تم اعتقال جميل مردم بك ونسيب البكري ومحمود البيروتي وغيرهم.
وتروي السيدة سلمى جميل مردم بك في كتابها “أوراق جميل مردم بك” أنه في مطلع عام 1936 دعت الكتلة الوطنية للإضراب العام، ولبّت الدعوة المدن السورية جميعها وسارت مظاهرات ضخمة، وألقت السلطة الفرنسية القبض على جميل مردم بك في أعقاب خطاب مثير ألقاه في مقبرة الباب الصغير بعد تشييع أحد الشهداء وفرضت عليه الإقامة الجبرية في “قصبة قرق خان”، وكانت هذه المنطقة جزءاً من لواء الإسكندرونة الذي تنازل عنه الفرنسيون للأتراك في عام 1939 م.
واستمر الإضراب حوالي شهرين وسميّ “الإضراب الستيني”، وانتهى بعد أن عقد اتفاق بين الكتلة الوطنية والمفوض السامي الكونت دي مارتيل. وينص الاتفاق على أن يذهب وفد سوري إلى باريز للمفاوضة من أجل إبرام معاهدة تضمن استقلال سورية وتحقق سيادتها.
تألف وفد برئاسة هاشم بك الأتاسي، وكان مردم بك عضواً فيه، وبعد مفاوضات استمرت حوالي ستة أشهر توصل الطرفان إلى عقد معاهدة في 9 أيلول 1936 م.
يقول وليد المعلم عن الإضراب الستيني:
دفعت أحداث الشغب والاضطرابات التي جرت في سورية بالشعب إلى القيام بحركة مقاومة مدنية بدأت بمقاطعة (شركة التنوير والجر الفرنسية) بدمشق وانتقلت هذه الحركة إلى إضراب شامل في دمشق وطرابلس وبعض المدن السورية الأخرى استمر ستين يوماً تقريباً…
ورد في (مجلة المحرر العدد 443 عام 2004) تحت عنوان ذكرى الجلاء:
في 18/01/1936 خرجت المظاهرة من باب السريجة واصطدمت بالقوة المرابطة في زقاق البركة واعتُقل البعض وكان قد قتل في إحدى المظاهرات محي الدين عربي كاتبي وعلي الزيار. اعتقلت القوات الفرنسية فخري البارودي وسيف الدين المأمون وغيرهما، وفي يوم الجمعة خرجت تظاهرة من المسجد الأموي. عمت المظاهرات دمشق وغيرها من المدن السورية. وفي اليوم الثامن من بداية التظاهرات وفي الساعة العاشرة صباحاً، اجتمع في منزل جميل مردم بك وجوه ورجالات دمشق وقرروا تشكيل وفد لمقابلة المسؤولين الفرنسيين مؤلفاً من: سامي باشا مردم بك وبديع المؤيد العظم ونصوح البخاري وفوزي البكري وفائز الخوري وصبري العسلي وحبيب كحالة وغيرهم…
قابل الوفد الكونت دي مارتيل المفوض السامي بحضور مندوبه في دمشق البارون “فان”.
فاجأ المفوض السامي الوفد بقوله “أنا لا أقبل أن يختل النظام ولا أسمع هذا من قوم ينفذون الفوضى وينفخون في نارها ثم يجيئون إليّ يشكون منها. إذا كنتم مرسلين من قِبل جميل مردم بك فأنا أطردكم طرداً”. ووقف مهدداً وصارخاً وقال: “لا أريد أن أسمع لقوم يجتمعون عند جميل مردم بك ويأتوني طالبين قمع الاضطراب الذي أحدثوه، وبرهاني على ذلك أنكم آتون من بيت جميل مردم بك وليس عندي وقت للكلام وأنا ذاهب إلى بيروت”، وتدخل البارون “فان” فهاجم المتظاهرين واتهمهم بالنذالة. هنا تدخل نصوح البخاري وقال: نحن جئنا من منزل جميل بك وكان هناك أكثر من ستين شخصاً من جميع طبقات دمشق ونطالب بـ:
1 ـ إعادة الدستور كما وضعته الجمعية التأسيسية.
2 ـ إلغاء نظام الانتداب وإعلان استقلال سورية.
3 ـ إعلان وحدة البلاد السورية.
4 ـ إعادة المبعدين وإطلاق سراح المسجونين.