مختارات من الكتب
جميل مردم بك وتعيين دومارتيل مفوضاً سامياً
تميم مردم بك- صفحات من حياة جميل مردم بك (8)
تعيين دومارتيل مفوضاً سامياً
ونتيجة لإصابة هنري بونسو بمرض عضال، قامت الحكومة الفرنسية بتعين “الكونت دي مارتيل De Martel Comte ” مفوضاً سامياً في سورية ولبنان بديلاً عنه.
وفي الرابع عشر من تشرين الثاني 1933 تقدم دي مارتيل إلى الحكومة السورية بمشروع معاهدة صداقة وتحالف بين سورية وفرنسا وقد تم التوقيع عليها في 16/11/1933 م.
لم تنل هذه المعاهدة موافقة الشعب السوري ولا مجلسه النيابي، وفوجئت فرنسا بمعارضة شديدة من أكثرية السوريين بسبب مخالفتها للمعاهدة “العراقية ـ البريطانية”، كذلك لنص يقول ببقاء القوات الفرنسية على الأراضي السورية وبقاء العلاقات الخارجية والبرق والبريد والجمارك والرسوم والضرائب في أيدي السلطة الفرنسية. قام دي مارتيل بتعليق اجتماعات المجلس النيابي إلى أجل غير مسمى.
بقي بعدها جميل بك في ساحة النضال من موقعه في الكتلة الوطنية يعمل بفاعلية ونشاط، وزار المملكة العربية السعودية والعراق ومصر وفرنسا.
في عام 1934 نشأ خلاف بين المملكة العربية السعودية وإمامة اليمن، تطور إلى نزاع مسلح، الأمر الذي أثار قلق الرأي العام العربي. واشترك مردم بك في لجنة المصالحة التي توجهت إلى الجزيرة العربية وبذلت المساعي الحميدة وتوصلت إلى نهاية جيدة عندما عقدت في الطائف “معاهدة صداقة وتحالف” بين الطرفين الشقيقين. وقد أدى جميل بك العمرة مع محمد حكمت مردم بك، والدكتور مدحت شيخ الأرض.
في تلك الفترة وفي آذار 1934 كانت الأنباء الواردة من فلسطين عن الهجرة الصهيونية إلى أراضيها مقلقة للغاية.
“يقول لطفي بك الحفار: إن ما ينذر بأوخم النتائج بالنسبة لإخواننا العرب المهددين في عقر دارهم من المؤسسات اليهودية الصناعية والزراعية المقبلة على شراء الأراضي، واليهود والمتسلحين بسلاح العلم والمال الذين سيشرعون بإنشاء المصانع المختلفة والمزارع المتنوعة للقضاء على صناعات البلاد وزراعتها ومزاحمتها مزاحمة قتالة… يجب علينا مقاومتها مقاومة فعّالة دون أدنى هوادة بالنظر لأضرارها السياسية والقومية والاقتصادية، ومن واجب العاملين المخلصين هنا وهناك أن ينتبهوا لأخطارها علينا وعلى إخواننا وأبنائنا في فلسطين قبل كل شيء وأن يقاوموها بالوسائل الناجعة”.
في خريف عام 1934 رصّ الكتلويون الوطنيون صفوفهم في حلب بقيادة الزعيم إبراهيم هنانو، وفي دمشق بقيادة هاشم بك الأتاسي، والتفّ حولهم المؤيدون… وقد ظهر بعض الصحفيون الأحرار الذين أيّدوهم وأيّدوا الوطنيين الذين واجهوا السلطة المنتدبة. وظهر من جهة أخرى بعض الصحفيين الذي اعتادوا على السير خلف أذناب المستعمر وعلى رأسهم جبران التويني الذي كتب عدة مقالات في عام 1935 تحدث فيها عن الفرص التي أضاعها الوطنيون في أثناء مفاوضاتهم مع الفرنسيين حول حلّ القضية السورية وقد ردّ عليه لطفي بك الحفار رداً مناسباً لا مجال لذكره. كذلك ردّ عليه سعد الله بك الجابري رداً مناسباً في جريدة القبس السورية.
وفي عام 1935 وفي 21 تشرين الثاني، فجعت البلاد السورية بوفاة الزعيم الكبير والمجاهد الوطني إبراهيم هنانو (حبيب أهل حلب) العضو البارز في الكتلة الوطنية ونائب رئيسها، صاحب الشعار المعروف عنه “لا أعترف بالدولة المنتدبة فرنسا ولا أتعاون معها”، وبكته حلب بدمعة حرّى ومشت الجماهير يتقدمها زعماء الكتلة الوطنية وراء جثمانه بموكب مهيب ودفن في “مقبرة الإسماعيلية”.
ونظم رفاقه في الكتلة الوطنية حفلة تأبين في دمشق بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاته.
يقول وليد المعلم في كتابه “سورية 1916 ـ 1946 الطريق إلى الحرية”: استغرب الناس عدم إقامة أعضاء الكتلة الوطنية في دمشق مأتماً لذكرى إبراهيم هنانو كما جرى في حلب والمدن السورية الأخرى، وكثرت الأقاويل في هذا الصدد، مما دعا الكتلة الوطنية بعد انقضاء أربعين يوماً من وفاته إلى أن تقيم حفل تأبين على مدرج جامعة دمشق تبارى فيه الخطباء والشعراء بتعديد مناقب هنانو الوطنية.