مقالات
زهير ناجي: أحمد عبد القادر صلاحية .. من أعلام سورية
زهير ناجي- التاريخ السوري المعاصر
أحمد عبد القادر صلاحية
تجمعك المصادفات السعيدة أحياناً بأشخاص – من رجال أو نساء – تعجب بهم وتحبهم وتتمنى لو أنك عرفتهم وعاشرتهم طوال حياتك. وفي مثل سنك – في شيخوختك – تتمنى لو كانوا قطعة منك – ابناً او ابنة – وتتنهد في سرك متمتعاً: هنيئاً لآبائهم وأمهاتهم بهم وليحفظهم الله ذخراً لهم.
من هؤلاء الصديق – على الفارق الكبير في السن بيني وبينه – الدكتور أحمد عبد القادر صلاحيه ( أبو شراع) الذي عرفته خلال عملنا معاً في معجم العماد لمدة سنتين كاملتين وأشهر (1990-1191) حيث عمل فيه باحثاً ومؤلفاً ومحرراً ومدققاً لغوياً في مجالي الأدب والتراث.
وهو جلي الأصل دمشقي في 8 / 9 / 1965 في أسرة كريمة عالية الثقافة، أديب وباحث وكاتب ومحقق وشاعر وقبل كل ذلك إنسان صافي الشمائل، حييي، وتقي ومؤمن كما ينبغي أن يكون التقى والإيمان، عذب الحديث، حلو المعشر وأخيراً حجة في مجال تخصصه وهو الأدب الأندلسي.
كان فتى عض الأهاب حين انتقلت الأسرة إلى القطر العربي الليبي الشقيق حين أعير والده الموظف في مصرف سورية المركزي للعمل في مصرف الجماهيرية /الإدارة العامة عام 1974 في مدينة طرابلس الغرب وفيها تلقى جزءاً من دراسته الابتدائية في مدرسة الظهرة وتابعها في مدرسة زاوية الدهماني الإعدادية. وقد تركت ليبيا في نفسه أثراً عميقاً فهناك شعريين طلاب وأساتذة من مختلف الأقطار العربية يحملون جنسيات أقطارهم المختلفة من ليبيا وسورية ومصريين ولبنانيين وفلسطينيين وعراقيين الخ.. انه ينتمي إلى أمة واحدة وان كل هذه الجنسيات لم تستطع ان تخفي انتماءهم الى جنيسة كبيرة واحدة هي جنسية العروبة.
عادت الأسرة إلى دمشق أواخر عام 1979م، وهنا التحق بثانوية ابن الأثير وأنهى دراسته فيها حاملاً شهادة ثانوية العامة الفرع العلمي دورة عام 1982 ولا يزال يذكر بالخير اساتذته الذين كان لهم اثراً في تكوينه الفكري والذين غرسوا في نفسه عشق اللغة العربية منهم وهم كثر على سبيل المثال لا الحصر الأستاذان المرحوم محمد خالد حبيب وحسن شربجي.
كان بإمكانه أن يحلق بأي فرع جامعي علمي من فروع جامعة دمشق ولكن ميوله الأدبية التي نمتها قراءاته الواسعة في كتب التراث العربي الأدبي دفعته إلى الالتحاق بقسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة دمشق حيث أمضى فيها سنوات أربعاً بين عامي 82/ 83 – 85/1986 وتخرج فيها في دورة عام 1986م حاملاً وبتفوق الإجازة في اللغة العربية وآدابها. في فرع اللغة العربية هذا تعمقت جذوره الأدبية وتسامقت فروعه على أيدي اساتذة كرام لا يزال يذكرهم بالفضل ويعترف بجميلهم عليه وعلى أجيال عديدة من خريجي هذا الفرع. ولا يزال يذكر الأستاذ عاصم البيطار والدكتور محمد علي سلطاني والاستاذ المرحوم سليمان الخش والدكتور مازن المبارك والدكتور أسعد علي والدكتود مسعود بوبو والدكتور عبد الكريم اليافي وغيرهم..
وبعد سنته الجامعية الأولى كان قد بلغ الثامنة عشر من عمره فعمل موظفاً في دائرة الحاسب الآلي في المؤسسة العامة للتأمين والمعاشات جامعاً بين العمل والدراسة وبعد نيله الإجازة تابع خلال العام الدراسي 1986 /1987 في قسم الدراسات العليا من فروع اللغة العربية في كلية الآداب وحصل في نهايته على دبلوم الدراسات العليا القسم الأدبي وبعدها تقدم لمسابقة تعيين معيدين لصالح جامعة البعث في حمص فعين في (15 / 9 / 1978) وأوفد إلى قسم اللغة العربية بجامعة دمشق للحصول على الماجستير وكان موضوع رسالته التي عكف على إعدادها بين عامي 1978 / 1988 و 1989/1990 تحت إسراف الأستاذ الدكتور محمد رضوان الداية والأستاذ الدكتور علي دياب (البحر في الشعر الأندلسي) وقد توقشت الرسالة في 31 /3/ 1990.
وقد اختار هذا الموضوع نظراً لفقر المكتبة العربية إلى الدراسات الفنية إضافة الى أن موضوع البحر في الشعر الأندلسي لم يعالج من قبل في أية دراسة.
كما قام بتحقيق كتاب (كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار) لابن غانم بالمشاركة، وتم طبعة في مطبعة الكاتب العربي عام 1989م.
وقدم مبحثاً مكثفاً في فن المناظرات والمفاخرات في التراث العربي وحشد فيه عدداً هائلاً منها ثم ذكر مصادر الحيوان والنبات في التراث العربي وأخيراً استعرض كتاب كشف الأسرار نفسه وحلل مقدمته ونقده ذاكراً منهجه في التحقيق في كتابة دليلاً على تمكنه من معرفة التراث العربي إضافة الى امتلاكه ناحية فن تحقيق الكتاب.
كما قام بإعداد كتاب لطيف في الأدب الأندلسي، صدر عن دار ابن القيم بدمشق عام 1992 هو (شعر ابن شخيص الأندلسي)، وابن شخيص الأندلسي محمد بن مطرف شاعر قرطبي فحل شهر في عصره مجهول مغمور في عصرنا شأن الكثيرين من أعلام الأدب والتاريخ الذين يحتاجون إلى جهود مكثفة لإحياء ذكراهم فقام بجمع شعره من بطون الكتب المخطوطة والمطبوعة وهو عمل شاق بذل في إعداده جهوداً طائلة فعرف به لأول مرة تعريفاً دقيقاً مطولاً حسب ما سمحت به المصادر التي تحدثت عنه فأحيا ذكره وبعث شعره نافضاً عنه غبار النسيان فجاء ديواناً لطيفاً مرتباً حسب حروف الهجاء.
أما كتابه المهم الذي حققه ودرسه دراسة مستفيضة فهو كتاب (غريب القرآن على حروف المعجم لابن عزيز السجستاني) في مجلدين كبيرين تمت طباعته في دار طلاس للنشر عام 1993، فجاء آية متكاملة من آيات التحقيق مع عمق في الدراسة وتبخر فيها وقد كان هذا الكتاب أول معجم للمفردات القرآنية الغريبة في التراث العربي قاطبة ومن أشهر ما ألف في هذا الموضوع وأنفس ما صنفت فيه وأجوده.
أما رسالته الجامعية لنيل درجة الدكتوراه فكان عنوانها : ( صورة الخيال في الشعر الأندلسي)، ونوقشت في جامعة دمشق في الرابع والعشرين من عام 1995م.