مقالات
جمانة طه : الدكتور عدنان البني والقلوب التي ما تزال تنبض
جمانة طه – التاريخ السوري المعاصر
مؤرخ وباحث وعالم آثار كبير. ارتبط اسمه بمدينة تدمر وما فيها من اكتشافات، إلى جانب مناطق أخرى من سورية مثل: تل سيانو في جبلة ورأس ابن هانئ في اللاذقية وتل كزل في طرطوس.
إنه الدكتور الراحل عدنان البني المولود في حمص”1926″ والمتوفى في العام “2008”. كان د.عدنان يحمل دكتوراه دولة في الآثار من جامعة السوربون في باريس، ودكتوراه دولة في التاريخ من الجامعة اليسوعية في لبنان، ودكتوراه فخرية في الآداب من جامعة سانت إتيين في فرنسا.
أتقن اللغتين الفرنسية والإنكليزية كتابة وقراءة، وحاضر بهما في محافل دولية، إلى جانب شغفه باللغة العربية وآدابها.
أصدر أكثر من عشرين كتابًا في الآثار والتاريخ، وكتابه ” تدمر أثريًا وتاريخيًا الذي وضعه مشاركة مع المرحوم العلامة خالد الأسعد تحت عنوان “، نال شهرة عالمية وطُبع بالفرنسية والإنكليزية والألمانية واليابانية. تمّ تكريم د.عدنان أكثر من مرة من أكثر من جهة، ونال عددًا من الأوسمة والميداليات منها وسام “أوناج تاساو” الهولندي برتبة كومادور، ووسام جوقة الشرف الفرنسية برتبة ضابط، ووسام الاستحقاق الإيطالي برتبة ضابط، ووسام ” دانبروغ” الدانمركي برتبة فارس، وميدالية الكوليج دو فرانس، وميدالية “شليمان من أكاديمية العلوم في برلين. وبعد وفاته في العام 2009 كرمته السفارة اليابانية بتكليف من الإمبراطور الياباني، ومنحت أسرته وسامًا رفيعًا.
وفي العام 1999كرمته جمعية البحوث والدراسات باتحاد الكتاب العرب، وكان لي شرف المشاركة بكلمة في هذا التكريم٠ ومما قلته:” بعد أن اطلعت على بعض الأبحاث التي كتبها د.عدنان توصلت إلى قناعة بأن بينه وبين الحجر علاقة متينة، منحته تواضعًا بهيّا وهدوءًا صاخبًا يسمان مظهره ومضمونه”.
“في العام 1954ابتدأ حياته العملية في مجال التنقيب عن الآثار، وبعد فترة ليست طويلة برز على الساحتين السورية والعالمية كمنقب مجتهد وباحث مميز ومؤرخ صادق. وهو القائل: من واجب الآثاري المؤرخ أن يعيد الموقع حيًا في بهائه، وأن يروي الحديث المهموس وراء كل حجر والقصة الكامنة وراء كل جدار. وأن يستعيد أيام السعد وأيام النحس في هذه الحاضرة أو تلك، ويرسم صور ما هو الحقيقة أو أقرب إلى الحقيقة”.
“لقد أنهض البني وزملاؤه الشواهد على عظمة حضارة أوغاريت، ولا يخفى أن الرقم الأوغاريتية قدمت للعالم باللغة المسمارية، الأبجدية الأولى، ومعارف على سوية عالية من الأهمية.”
” في رحاب القصر الذي عثروا عليه في رأس ابن هانئ، عاشت فيه الملكة ” أحت ملكو” وهي من أصل أموري، تزوجت في نهايات القرن الرابع عشر ق.م. من “نقمبا” ملك أوغاريت، وكانت دوطتها كما جاء في أحد النصوص الأوغاريتية،مجوهرات وفضيات وأسلحة وملابس وفيرة وأواني من البرونز. وقد غدت بعد وفاة زوجها وصية على العرش لأن ابنها البكر “عمشتمرو” كان حدثًا. ولإيثارها له على أخوته نفت اثنين من أبنائها إلى قبرص لكي لا ينازعاه وأبناءه من بعده”.
“وأدى التنقيب الذي قام به د.ميشيل مقدسي وبعض الطلاب في تل سيانو إلى اكتشاف مدينة، كانت من الممالك التابعة لأوغاريت. ومن خلال سوية آثارية تعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، اتضح لهم أن سيانو كانت على صلات وثيقة مع مصر تصدر إليها الزيت والمنتجات السورية”.
رحل عدنان البني وبقيت آثاره شاهدة على عمله، خالدة خلود الأماكن التي نقّب فيها. فمن يظن أن الموت فناء، تبرهن له أعمال د. البني أن الموت ليس سوى حياة جديدة لقلوب ما تزال تنبض في عمق التراب.
رحم الله الدكتور عدنان البني وأكرم مثواه بما يوافي علمه وعمله.