وثائق سوريا
كلمة شكري القوتلي بمناسبة انتخابه رئيساً عام 1943م
بعد وفاة الرئيس تاج الدين الحسيني تم انتخاب شكري القوتلي لرئاسة الجمهورية في أول جلسة للبرلمان السوري الجديد والتي عقدت في السابع عشر من آب عام 1943م.
بعد انتخاب شكري القوتلي رئيساً ألقى خطاباً بمناسبة انتخابه.
نص الخطاب:
أيها النواب الكرام:
علي أن أوجه إليكم قبل كل شيء أجمل عبارات الشكر على دعوتكم إياي لتسلم مقاليد البلاد في هذه الأيام التي تمر بها أحداث خطيرة تملأ صحائف التاريخ. وإني لا أجهل ما في هذه المهمة من شرف رفيع، وتبعات جسام، فأسأل الله أن يمدني بالحكمة والسداد حتى أكون عند حسن ظنكم، قادراً على أداء المهمة التي أوجدتموني أعباءه بكل تجرد وإخلاص، وأن أعمل جاهداً في خدمة هذه الأمة، لا أفرق بين أحد من أبناءها، ولا أعرف فضلاً إلا بالحق والمزية والكفاية، فنحن نستقبل قضايا مختلفة متعددة يتوقف النجاح فيها على ثقة الشعب وتأييده، واتحاد رجال البلاد، وتضامنهم في سبيل الغاية التي نريد إدراكها، والتي تجد فيها رغائبنا القومية الصحيحة كل ما يرضيها ويطمئنها، وإني لا أشك طرفة عين الشمس التي طالما ترقبنا إشراقها تدنو إلين رويداً رويداً، وأن بلادنا التي لم تقصر في بذل أي جهد يأخذ مكانها الذي تطمح إليه بين الشعوب، فعلينا أن نعد أنفسنا للعمل العظيم الذي سيكون شعاراً لنا في كل يوم يتجدد وأن نسير في طريق واضحة نيرة تقوم فيها بواجباتنا، كما ندافع عن حقوقنا، لأن الواجب هو العنصر الأول للحق الذي يطالب فيه كل فرد كما تطالب فيه كل أمة وليس في طاقة شعب صغيراً كان أم كبيراً أن يعيش في عزلة وانفصال بعد أن تشابكت في هذا مصالح الشعوب ومنافعها، وامتزجت غاياتها ومقاصدها اقتربت ساعة العالم الجديد الذي تؤسس فيه قواعد الحياة على قواعد جديدة، وتعفى فيها آثار الحروب وتصان الحريات ويؤلف بين المصالح، وها أن الأمم الحرة، تردد في هذه ذكرى ميثاق الأطلنطيات الذي تعاقد فيه القائدان العظيمان روزفلت وتشرشل، وتابعتهما عليه دول كثيرة من الشرق والغرب، هذا الميثاق الذي اعترف بحقوق الأمم وأثر ضمان أمنها وحريتها ورغدها، فلا يكره شعباً على الخضوع لسلطان لا يريده أو نظام لا يرغبه وإذا كنا لا نتمتع بما نصت عليه قواعد هذا الميثاق، فيجب أن نذكر ذلك الوعود الصريحة التي تتعلق بمصرينا، ولاسيما ممثلوا فرنسا الحرة، وفي مقدمتهم الجنرال ديغول، ومن قبل ومن بعد رجال الدولة البريطانية من استقلالها التام وسيادتها الكاملة، وذلك ايضاً متفق مع المبادئ التي تدعو إليها جمهورية الولايات المتحدة في معاملة البلاد لتوطيد حريتها واستقلالها، وما إعادة الأوضاع الدستورية هذه البلاد إلا مقدمة لتنفيذ شروط هذا الاستقلال بمزاياه.
والشعب السوري المقيم على الوفاء لأصدقائه وعلى عرفان الجميل وحفظ اليد التي تسدى إليه، لن يبرح هذه الأقوال والأعمال التي سيبقى أثرها في نفوس أبناء هذه الأمة.
وإني لأعرب عن عواطف هذا الشعب إذ أحيي الأمم المتحدة التي تناضل مستبسلة في سبيل حرية الشعوب وأتوجه إلى الشعب الفرنسي الكريم بأصدق الأماني في قضيته العادلة.
وأبعث كذلك من صميم قلبي بتحية الإخاء الذي لا تنفصم عراه إلى الأمة العربية في مختلف الأقطار الشقيقة التي نشاطرها جميع آمالها، والتي تربطنا بها وشائج الأرحام وذكريات التاريخ وحقائق الحياة.
ولابد لي قبل ختام هذه الكلمة أن أبعث بتحية الإخلاص والوفاء إلى الرئيس الجليل هاشم الأتاسي الذي كان يمثل في سدة الرئاسة شرف هذه البلاد وكرامتها والمحافظة على حقوقها والذي أجمعت القلوب المختلفة على محبيه وتقدير مزاياه العظيمة ولا يزال قريباً منا في آرائه ونصائحه التي أمنتها التجارب وهذبتها الحوادث.
أيها النواب الكرام
لقد لاحت تباشير العهد الجديد في أفق الأمل والرجاء فلنعمل جميعاً على خدمة هذا الوطن الذي نكرمه ونجله ونحيا في ظلاله وأفياءه، والذي هو ميراثنا المشترك ورمز اتحادنا وعنوان سلطاننا ولنعمل جميعاً لكل فرد كن أبناءه وجزء من أجزاءه حتى تصبح حكومة الشعب التي نرجو تأسيسها على أفضل القواعد بحق للشعب وبالشعب.
أخذ الله بيدنا وهدانا إلى سب الخير والسلام عليكم.
رئيس الجمهورية السورية
شكري القوتلي
انظر: