من الصحافة
وصال فرحة بكداش : رفضنا حل الحزب الشيوعي فحطمت استخبارات عبد الناصر منزلنا
أجرى الصحفي والإعلامي إبراهيم حميدي حواراً صحفيا مطولاً مع وصال فرحة بكداش في عام 2002م، تناول الحوار العديد من القضايا التي تتعلق بحياتها الشخصية وكان القسم الأكبر من الحوار حول الحزب الشيوعي السوري وتطوره في سورية. الحوار نشر على جزئين في صحيفة الحياة. وهذا الجزء الأول الذي نشر في التاسع والعشرين من تموز 2002م.
نص الحوار:
عايشت وصال فرحة بكداش تاريخ سورية الحديث، وشاركت فيه. تظاهرت ضد اول انقلاب عسكري قام به حسني الزعيم العام 1949، فاعتقلت في سجن المزة العسكري لتكون من اوائل النساء اللواتي اعتقلن لاسباب سياسية.
من أسرة سياسية ووطنية. نفى الاتراك أباها، وحين تقدمت أمها من الجنرال الفرنسي غور ولدى دخوله الى سورية العام 1920، أوقفت لساعات “فقامت دمشق ولم تقعد بسبب اعتقال امرأة”.
زواجها من “شيخ الشيوعيين العرب” خالد بكداش وضعها في خضم العمل السياسي والعمل السري، فوزعت المنشورات السرية ضد الحكم العسكري الذي توالى سنوات عدة على سورية. لكنها كانت “محظوظة” في ان تعايش عن قرب مراحل مفصلية من تاريخ سورية: الانقلابات العسكرية، الوحدة مع مصر، الانفصال، و”الحركة التصحيحية”، وصولا الى تسلم الدكتور بشار الاسد الحكم.
وبعد رحيل زوجها العام 1995، انتخبت امينا عاما للحزب الشيوعي في مرحلة يبدو فيها الحزب أكثر حاجة الى “وقفة مع الذات”، ما عرضها لانتقادات شديدة، خصوصاً ان ابنها عمار انتخب في المكتب السياسي.
عن ذكرياتها وعلاقتها مع خالد بكداش وعن تجربتها كاول زعيمة لحزب شيوعي، تتحدث وصال فرحة.
< كنت اول معتقلة او سجينة سياسية، كيف حصل ذلك؟
– بعد انقلاب حسني الزعيم العام 1949 تم اعتقال عدد كبير من الشيوعيين وغير الشيوعيين، مثل ميشال عفلق من “البعث”. كان هناك حوالي 300 شيوعي بينهم أخي، فصرنا نحن أهل المعتقلين نأخذ وفودا الى وزارة الداخلية ورئيس الوزراء محسن برازي. وعندما أضرب السجناء عن الطعام وعرفنا ان حالتهم صارت سيئة نظمنا تظاهرة نسائية. نزلنا اولا الى السرايا في المرجة. خافت منا الحكومة وطلبت ان نوفد ثلاث نساء عنا لمقابلة المسؤولين فتوجهت انا وعفاف ملا رسول وليندا نعنع.
< كم كان عمرك؟
– كان عمري عشرين سنة. عندما وصلنا الى غرفة رئيس الوزراء محسن برازي لم يفتح الباب. خاف واغلق على نفسه الباب، فوضعت فمي في الباب وقلت له تختبئون وراء الابواب، لكن الشارع مفتوح امامنا وخرجنا.
< لم يرد؟
– لم يفتح الباب. ثم سرنا في تظاهرة الى ساحة عرنوس. الشيء الغريب الذي لفت نظرنا ان بعض الضباط خرجوا من نادي الضباط القديم وصفقوا لنا. نحن استغربنا هذه التظاهرة. وعندما وصلنا الى البرلمان وقفت والقيت كلمة، قلت فيها “ان شعبنا حارب فرنسا وقدم الشهداء ليس ليمشي من استعمار الى استعمار”.
< الاستعمار الجديد كان حسني الزعيم برأيكم؟
– لقد قام حسني الزعيم بأمرين: وقع اتفاقية التابلاين مع الاميركيين وتنازل عن الحقوق السورية في مفاوضات الهدنة مع الاسرائيليين. في الوقت نفسه كانت له ارتباطات بالاحلاف. هم جلبوه ليفرضوا الاحلاف الاجنبية لأن شكري القوتلي كان وطنيا، ليس فقط وطنياً بل كان ديمقراطياً وكان هناك رأي عام يرفض الاحلاف. اي الاستعمار الذي خرج من الباب يعود من النافذة.
< وتوقفت المسيرة امام البرلمان؟
– أكملنا المسيرة. كانت حدثا. عندما وصلنا الى عرنوس جاؤوا واعتقلوا حوالي اربعين امرأة من المتظاهرات. اخذونا الى شرطة الجيش قرب الجامعة وبدأ التحقيق معنا. حققوا معنا ولا ادري كيف قرروا ان زعماء التظاهرة هم أنا ورفيقتاي عفاف ملا رسول وليندا نعنع التي ليست شيوعية ولا سياسية، لكنها قالت لجارتها :الى اين متوجهة؟ فقالت الى تظاهرة، لأن ابني محبوس، قالت لها اذهب معك.
< وعفاف؟
– شيوعية مكلفة، كانت من جيلي. اخذونا على المزة. جاء ابراهيم الحسيني بذاته رئيس الشرطة العسكرية وقاد السيارة واخذنا الى سجن المزة. وعندما ارتفعنا قليلا بالمزة قالت عفاف: شوفي الشام شو حلوة. فجاوبتها بدنا نحافظ على جمالها. فالتفت الينا وقال : “كنتم عم تنشدوا حماة الديار ما بتعرفوا شو معنى الجيش؟” فقلت له: الجيش الشريف من اولادنا.
المهم وصلنا الى السجن. اخذوني الى القاووش الذي فيه رفاقنا وندهوا على أخي قالوا له الآنسة وصال جاءت لتزورك. فنظر الي وقال لي: “حبسوك، هذا شرف لنا. شوفي قلعوا لي اظافري”.
أخذونا الى زنزانة في الطابق الارضي. ففرحت عندما قالوا لنا اننا ذاهبون الى سجن المزة، لأن سجن القلعة كان اسوأ بكثير.
في منتصف الليل قامت ليندا وبدأت بايقاظي، وقالت: “وصال وصال قومي قتلوا الزعيم”. قلت لها اقعدي ونامي، كيف قتلوا الزعيم.
مر اليوم الاول ونحن مضربات عن الطعام. في اليوم الثاني، مر فيصل العسلي مرتدياً عباءة سوداء. تحدث معنا بالفرنسية قائلاً: “انتم نساء”. قلنا: لا، نحن رجال. قال: “لماذا لا تأكلون”، فقلنا له اننا متضامنات مع رفاقنا، فقال حرفيا: “الكلب فطس وليش مضربين”. قلت: اي كلب؟ قال: “حسني الزعيم قتل البارحة”. فصار همنا ان نخبر رفاقنا.
كانت المغاسل في الطابق الارضي حيث ينزل السجناء صباحا. نظرت من ثقب الباب وصرت أنادي يا احمد يا جميل قتل حسني الزعيم. احمد محفل وجميل أسمر. قتل الكلب قتل حسني الزعيم. وفي اليوم الثالث أفرج عنا.
< شاركت في التظاهرة بأمر من الحزب الشيوعي، متى دخلت في الحزب الشيوعي؟
– انتسبت في 1946.
< لم تكوني اول شيوعية؟
– كانت قبلي نخبة من السيدات المثقفات مثل فلك طرزي، مقبولة شلق، امينة عارف وهي من الجيل الوسيط، بدرية عيسى، ورفيقة عراقية اسمها فكتوريا نعمان.
< من نظمك في الحزب؟
– أثرت في كثيراً معلمتي. سيدة شركسية اسمها شهيمة خريجة مدرسة “لاييك” علمانية وعقلها ليبرالي كثيراً. شجعتني اولا على الدراسة في مدرسة “التجهيز” على رغم كوني من عائلة محافظة دينيا، حيث كان وقتذاك تعليم البنت حتى “السرتفيكا” الشهادة الابتدائية فقط.
< الوحيدة المحجبة بين اخواتك؟
– أبي كان ثوريا وشارك في الثورة السورية ضد الفرنسيين 1925 وكانت أمي تنقل القنابل والرسائل للثوار. وكان ابي نفي الى الاناضول في الحرب العالمية الاولى. وعندما عاد اعتقله الفرنسيون العام 1920. وهناك حادثة مشهورة، حيث قدمت أمي عريضة للجنرال غورو من اجل الافراج عنه، لكنها اوقفت اربع ساعات في المخفر، مما احدث ضجة كبرى إذ نزلت الوفود تحتج في السرايا.
< كيف كانت القصة؟
-عندما دخل غورو الى دمشق في سيارة مكشوفة، نزل أهل المعتقلين في تظاهرة للنساء، على رأسهم امرأة مثقفة من بيت العابد. اما امي فكانت شعبية. وأرادت أمي تقديم العريضة فركضت الى سيارته وقدمتها. ظنوها انها تريد اغتياله فقاموا باعتقالها. وكان اعتقال المرأة يومها اكبر مصيبة مخالفة للعرف.
< هل اعتقلت ثانية؟
– في زمن الانقلاب الثاني بقيادة سامي الحناوي عندما كنت أوزع مناشير للحزب الشيوعي.
< ماذا كان فيها؟
– ضد الديكتاتورية ومع الحرية.
< متى انخرطت في الحزب الشيوعي؟
– اثرت معلمتي في كثيرا. قالت لي ذات مرة : “شوفي الآن الاتحاد السوفياتي وصل الى هنا”. واشارت الى مساحة في الخريطة وقالت لي: “شوفي هناك اسلام في روسيا ولا تصدقي الحكي الكذب الذي يحكونه”. كما كانت عندي حساسية ضد الفقر كثيراً، ما ساهم في اقتناعي بأفكار الحزب.
< هل ساهم خالد بكداش في ذلك؟
– لا، كان غائباً. الدور الاول كان لمعلمتي حيث كانت هناك حلقة من الشيوعيات من آل البني من حمص، فتنظمت معهم بالتجهيز وصرنا نقود التظاهرات ضد فرنسا في المدرسة.
< متى كان اول لقاء مع الراحل بكداش؟
– كان غائباً فترة طويلة. ذات مرة بينما كنت خارجة من المدرسة شاهدت لافتة مكتوب عليها: مرحبا بك يا خالد، لمناسبة عودته من مؤتمر الحزب الشيوعي البريطاني. واستقبلوه استقبالا كبيرا العام 1947.
< متى التقيتما؟
– ذات مرة ذهبنا الى بيت عمتي ام خالد لمعايدتهم. كنا ثلاث اخوات. عندما جلسنا عرّف خالد الضيوف علينا، قائلا: “بنات خالي. هذه اكبرهم”، وعني قال: “هذه اذكاهم”. وعن اختي الصغيرة قال: “هذه احلاهم”. فصرت افكر أذكاهم أحسن أم أحلاهم.
< متى تزوجتما؟
– بعد فترة قرر الحزب الشيوعي اللبناني ان يزوج قياداته في نهاية 1948. اي ان فرج الله الحلو ونقولا شاوي وخالد بكداش قرروا ان يتزوجوا. فالكل بمن فيهم فرج الله الحلو قالوا له: “بنت خالك احسن واحدة يعني تناسبك، تتحمل هذا العذاب والحياة الصعبة التي تعيشها”. خطبونا وصار عرسنا في المطبخ في العام 1949.
< اين؟
– كان خالد يعيش حياة سرية. لم يطلب يدي من اهلي مباشرة. كان في لبنان وانا في الشام، جاء فرج الله الحلو وخطبني من اهلي، ثم سافرت مع فوزي الشلق الى لبنان حيث بقي هناك الى ان صار نائبا.
< في 1954؟
– في 1954، كنا في لبنان نعيش في سرية. لكن الصلة كانت سهلة بين سورية ولبنان. ابو عمار يبعث رسائل للرفاق ومن هناك كان التنقل سهلاً كثيرا. فأعلنوا ان الانتخابات ستجري في سورية. فجئنا انا وابو عمار الى دمشق.
< عدتما قبل الانتخابات؟
– جئنا بعد سقوط اديب الشيشكلي واعلنت الانتخابات. كانت الحكومة الموقتة التي ستنظم الانتخابات برئاسة سعيد الغزي وهو شخص ممتاز. وبدأت المعركة الانتخابية مع ان خالد بكداش لم يظهر في العلن عامي 1947 و1954.
< يعني عملياً خالد بكداش كان متواريا وغير موجود في دمشق من 1947 حتى 1954 ؟
– كان يذهب ويأتي. كان العمل سرياً. لذلك مركزه الاساسي كان في بيروت لكنه كان يأتي سراً الى دمشق.
< الناس كانت تعرفه باسم مهدي او خالد؟
– لا، خالد بكداش. كل الناس تعرف خالد بكداش، لكن في المراسلات الحزبية كان اسمه الرفيق “مهدي”. وله اسماء سرية: “بشير”، “هادي” ، “مهدي”. وفي أواخر حياته صاروا يسمونه بالمراسلات غير الرسمية بين الرفاق بـ”المعلم”.
< متى عاد ؟
– سقط الشيشكلي في شباط فبراير وجاء في اذار مارس، وكان مقررا ان تجرى الانتخابات في نهاية اذار ثم أرجئت الى بداية ايلول سبتمبر، وفاز في شكل كاسح مع خالد العظم. لقد هزت الانتخابات الخارج وكان هناك حقد على سورية. وبدأ الصحافيون الاميركيون يأتون الى سورية لمقابلة خالد بكداش. وقدموه كأنه اسطورة.
ان الحياة الديمقراطية بين 1954 و 1958 لا يعرفها الكثيرون على حقيقتها. كان الناس يشعرون انهم يتنفسون هواء نقيا.
< من كان وراء هذا الجو؟
– اليسار السوري، اي الحزب الشيوعي و”الاشتراكيون”، وخالد العظم كان ليبراليا جدا ويؤمن بالانتخابات والحرية مع انه من عائلة ارستقراطية.
< متى انتهى الجو الديموقراطي؟
– في 1958 مع مجيء ما يسمى بالوحدة السورية -المصرية.
< حلت الاحزاب؟
– حتى في عهد حسني الزعيم وفي عهود كل هذه الانظمة العسكرية كانت هناك محاكمات، لكن في عهد الوحدة الغيت المحاكم والجرائد وكل شيء. ولدى التصويت على الوحدة لم يحضر “ابو عمار” وهو لم يكن ضد الوحدة، بل كانت للحزب تحفظات على الاسلوب الذي تمت به الوحدة. وقد قدم ملاحظاته تلك الى عبد الناصر.
قبل الوحدة كانت ستجري انتخابات بلدية او الانتخايات المحلية، فبعث ورائي خالد العظم، وقال لي: “عايزك بشغلة ضرورية. اخبري خالد ان الوضع سيء جدا”. سألته: “لماذا؟”، فاجاب :”البارحة سهر عندي اكرم الحوراني حتى الثالثة صباحا وهو يخوفني من الخطر الشيوعي اذا حصلت الانتخابات ويطلب الغاء الانتخابات البلدية. فمن خوّفهم؟ الاستعمار بالحقيقة بالغ كثيرا في تصوير قوة الشيوعيين مثل القول انهم سيكتسحون الانتخابات، مع ان هناك نائباً واحداً شيوعياً. الاخوان المسلمون لديهم تنظيمهم. اليسار لديه تنظيمه. “حزب الشعب” يمثل الاقطاع. “الحزب الوطني” يمثل البورجوازية.
< ماذا قال العظم؟
– يريدون تفريق صفوف التجمع القومي البرلماني وتمزيق الوحدة الوطنية. وقبل ان تقوم الانتخابات البلدية كانت لدى الحوراني دعوة من أنور السادات لزيارة مصر بصفته رئيسا لمجلس الامة، فذهب الى جمال عبدالناصر وطلب منه الوحدة للتخلص من النفوذ اليساري المزعوم حيث كانت الصحف الغربية تقول “سورية الحمراء” و”المليونير الاحمر”.
< بعد الوحدة حلت الاحزاب؟
-الغيت الاحزاب والصحافة في مصر. لقد وافق حزب “البعث” على ان يحل نفسه او بالاحرى ميشال عفلق وصلاح البيطار وافقا. نحن رفضنا ان نحل حزبنا. فماذا فعل عبدالناصر؟ بعث اشخاصا ليفاوضوا حزبنا. اجتمعوا في بيتنا، جاء محمود رياض السفير المصري في سورية والملحق العسكري عبدالمحسن ابو النور وكمال رفعت من قيادة الثورة. وكان من طرفنا خالد بكداش وفرج الله الحلو واحمد محفل. استعملوا سياسة العصا والجزرة. وقالوا : لانريد منكم غير الاعلان الرسمي الشكلي لحل الحزب وسيادة الرئيس يشوف للاستاذ خالد اعلى مناصب في هذه الجمهورية ونحن كل توجهنا ضد “حزب البعث العربي الاشتراكي”.
< ماذا كان جواب بكداش؟
– قال: الديموقراطية لا تتجزأ، نحن لا نوافق ان تضربوا حزب “البعث” ولا اي حزب آخر. اما بالنسبة الى طلب الحل الشكلي، فأجاب: ليست لدينا سياسة مزدوجة ولا يوجد انسان ممكن يملك حق حل الحزب.
< ماذا حصل لاحقا؟
– حصلت اجتماعات عدة من دون فائدة. وابلغني بعدها بكداش بضرورة تغيير باب منزلنا الخشبي لانه يتوقع مداهمة من المخابرات. استغربت ذلك لأن منزلنا لم يفتش سوى في زمن الانتداب الفرنسي. حتى في زمن الديكتاتوريات لم يفتش.
< غيرت الباب؟
– لم استطع تنفيذ ذلك. كانت هناك حملة شرسة في الصحافة المصرية ضد بكداش، إذ صورته بأنه يعيش في قلعة محاطة بأشخاص ملثمين يسكنون بيوتا محفورة في الصخر يفصلهم عن دمشق نهر كبير.
< هل دهم المنزل؟
– نعم دهم منزلنا ليلة رأس السنة حيث ان الرئيس عبدالناصر استبق ذلك بانتقادات علنية حادة للشيوعيين وابو عمار. كان ابو عمار نائما. ايقظته لاخباره بما قاله عبدالناصر، فلبس ثيابه وقال: خليك شجاعة وغادر البيت من دون ان اعرف الى اين.
< داهموا بيتك؟
– نعم داهموا بيتنا وحطموا الباب مثلما توقع ابو عمار، وصوبوا الرشاشات الى صدر ابنتي سلام التي كانت في الرابعة من عمرها. كنت تساءلت: كيف سيداهمون بيتنا وكلهم اصدقاؤنا، بيت اكرم الحوراني اصدقاؤنا وبيت البزرة كذلك، فقال : سيسمحون بذلك لانهم قادمون بعادات غير عاداتنا ومشوا في طريق يصعب الرجوع عنه. وكان هناك صحافيون ومصورون مصريون اثناء المداهمة في الفجر.
< متى عاد بكداش؟
– كان متوارياً. يذهب الى لبنان ويأتي. وذهب في العام 1959 الى موسكو لحضور المؤتمر الـ21 للحزب الشيوعي السوفياتي وحدثت ضجة اعلامية كبيرة. وضعوا صوره في الصحافة السوفياتية: بكداش هنا وبكداش هنا.لم تكن المخابرات تعرف انه سافر الى هناك. كان يتنقل في شكل سري. وبعد اشتداد الحملة قرر الحزب ان يطلع خارج سورية ولبنان. يسافر في بادئ الأمر الى تشيكوسلوفاكيا ثم نلحقه الى هناك، نقضي سنة ونصف السنة في تشيكوسلوفاكيا، ثم ننتقل بسبب دراستي الجامعية الى موسكو الى ان جاءنا نبأ الانفصال في 28 ايلول.
< وبقيتم هناك؟
– قال وزير الدفاع آنذاك عبدالكريم زهر الدين في مقابلة صحافية: “اذا جاء خالد بكداش فان حبل المشنقة ينتظره في المرجة”. وعندما سمع بكداش ذلك قرر ان يتحدى ويأتي علنا الى سورية. وعلى رغم ان الحزب كان خارجاً للتو من ضربة تنظيمية قوية بسبب الاعتقالات، فان حشداً كبيراً خرج الى المطار لانتظار بكداش.
< هل جاء؟
– لقد جاء مع قياديين شيوعيين بارزين من براغ. عندما نزلوا في مطار دمشق احيطت الطائرة بالشرطة العسكرية. وسمح للدكتور مصطفى امين بالنزول للتفاوض ولم يسمح لبكداش سوى بان يرى اخته قبل أن تقلع الطائرة الى بغداد.
< كنت معه؟
– لا، توجهت الى بغداد. أوفد الرئيس عبدالكريم قاسم اليه مدير مكتبه لاستضافته لكن بكداش رفض بسبب اعتقال قاسم عدد من الشيوعيين.
وعندما عادت الطائرة الى الشام منع من النزول، فعاد الى براغ ثم الى موسكو حيث بقينا كل فترة الانفصال وبعد عمليات التأميم في العام 1964 التقى في الكرملين السفير السوري في موسكو والذي عرض عليه بطاقة هوية وجواز سفر.
< من كان السفير؟
– الدكتور صلاح طرزي. فجاء خالد الى السفارة واخذ جواز السفر. وفي 21 نيسان ابريل 1965 عدت مع ابني عمار الى سورية وكانت السلطات السورية على علم مسبق، فاستقبلونا بالمطار بشكل عادي.
< الم يعد خالد؟
– كان ممنوعاً، اعطوه جواز سفر لكنه ممنوع من العودة. بعدها، حدثت حركة 23 شباط. ولئلا يحدث اي احراج عاد سرا في آذار مارس 1966. وعندما صار في بيته في ركن الدين طلب الرفيق يوسف فيصل مقابلة رئيس الوزراء الدكتور يوسف زعين، وعندما قابله قال له: “والله الرفيق خالد قاعد في بيته ويسلم عليك”. فقال زعين: “اين مخابراتنا واين شرطتنا”>