أعلام وشخصيات
علي الدرويش المصري
ولد علي الدرويش في حلب عام 1884
لقب «الدرويش» لأن والده إبراهيم كان قد انتظم في سلك الطريقة المولوية التي يعتمر دراويشها الكولاه (وهو طربوش طويل من اللباد). واكتسبت العائلة اسم «المصري» لأن جده قدم مع جيش إبراهيم باشا المصري، واستقر في حلب بعد جلاء الجيش المصري عن سورية.
تعلم من أبيه صانع الأنوال اليدوية، الطريقة المولوية وقدمه إلى «الملاّخانة» عامل جلبي شيخ التكية المولوية بحلب. وكانت التكية المولوية مؤسسة دينية لتهذيب الروح والسلوك وتعليم الموسيقى والإنشاد. وهناك تلقى علي الدرويش علومه الموسيقية الأولى، ومهـر بالعـزف على النـاي.
عهد إليه بمهمة الأذان، ثم صار رئيساً لجماعة الموسيقيين والمنشدين.
عام 1912، لبى الدرويش دعوة للعمل في المحمرة (عربستان) من أميرها الشيخ خزعل، فشكل فرقة موسيقية كان من بين أعضائها الموسيقي السوري عمر البطش وظل فيها حتى عام 1914.
دَرَسَ الموسيقى والأغاني الفارسية والهندية، والموسيقى العراقية ومدى تأثرها بالموسيقى الآشورية والفارسية، وحفاظها على تراث الموسيقى العربية في العهد العباسي.
عاد إلى حلب وانتظم ثانية في الفرقة الموسيقية للتكية المولوية عازفاً على الناي.
عمل مدرساً في المدارس السلطانية «الثانوية»، والميتم الإسلامي، ودار المعلمين.
شكل فرقة خشبية ونحاسية نفخية كانت الأولى في المراسم والحفلات.
انتسب إلى معهد دار الألحان في اصطنبول .
بدأ بتأليف كتابه «النظريات الحقيقية في علم القراءة الموسيقية» .
عاد إلى حلب وعكف على جمع التراث الموسيقي وإحيائه، ولحن الكثير من الأغاني والموشحات والأناشيد الوطنية.
كتب البشارف والسماعيات. ودعي للإشراف على القسم الموسيقي في نادي الصنائع النفيسة.
ألّف في عام 1924 فرقة موسيقية دعيت إلى اصطنبول، وقدمت عدداً من الموشحات الحلبية والأندلسية والمقطوعات الموسيقية ومنها : «سماعي عجم عشيران»، وموشح «آه من نار جفاهم والصدود» وهما من ألحانه. وهناك جدد الصلة بأساتذته، والتقى الموسيقي التركي جميل الطنبوري، والملحن المولوي – عازف الناي – عزيز دده. وبعد ستة أشهر عاد مع فرقته إلى حلب لمواصلة تقديم الأعمال الموسيقية.
تلقى الدرويش في عام 1927 دعوة من الملك فؤاد، في مصر، للتدريس في معهد الموسيقى الشرقية بالقاهرة، فلبى الدعوة ووقع عقداً لتدريس كتابه «النظريات الحقيقية في علم القراءة الموسيقية». ودرس على يده كبار الملحنين والموسيقيين المصريين مثل رياض السنباطي، ومحمد عبد الوهاب (الذي تلقى على يده أولى مبادئ التدوين الموسيقي)، وعزيز صادق، كما أخذت عنه أم كلثوم. وبتكليف من المعهد، دوّن عدداً من الموشحات والأدوار الموسيقية.
شارك في أعمال مؤتمر الموسيقى العربية الأول بالقاهرة (عام 1932).
درَّسَ في تونس بالمعهد الرشيدي للموسيقى التونسية التراثية، وتخرج على يده كبار الموسيقيين أمثال صالح المهدي.
عام (1935م) أسس مع الشاعر الكبير عمر أبو ريشة ومجموعة من الأصدقاء من كبار مشاهير الموسيقى أمثال : أحمد الأوبري وفؤاد حسون وممدوح الجابري ومجدي العقيلي وعبداللطيف النبكي نادياً لتدريس الموسيقى ونشر الوعي الفني والثقافة الموسيقية باسم النادي الموسيقي بحلب. مع الحركة الوطنية.
أسهم الشيخ علي في الحركة الوطنية ضد الانتداب الفرنسي إلى جانب أعضاء (حزب الكتلة الوطنية) حيث دعاه الزعيم الوطني الراحل إبراهيم هنانو للعمل فقام بتلحين مجموعة من الأناشيد الوطنية والقومية كانت تنشد من قبل طلبة المدارس ومن قبل الشبان المتحمسين من أعضاء الكتلة الوطنية أنفسهم.
{{ من أشهر هذه الأناشيد نشيد الزعيم إبراهيم هنانو. العودة إلى حلب}}
تتلمذ على يدية كل من فؤاد محفوظ (عود) ومحمد بوشي (عود) ومحمد عبدو (ناي). وكان يكتب سلسلة من المقالات الموسيقية في صحيفة الدستور الحلبية. كانت هوايته صناعة آلة الناي التي قدم بعضاً منها كهدايا إلى معهد استانبول والمعهد الملكي بالقاهرة والمعهد الموسيقي في تونس ومعهد الفنون الجميلة في بغداد والمعهد الموسيقي في حلب.
عام (1942م) عُين عميداً ومدرساً في القسم الشرقي للمعهد الموسيقي في دمشق.
عام (1944م) دعي الشيخ علي إلى دار الإذاعة الفلسطينية في القدس لتسجيل نخبة من الموشحات الأندلسية الغنائية القديمة وقد صحبة في هذه الرحلة ابنه المرحوم الأستاذ نديم والمطرب الحلبي الشعبي أحمد الفقش للاسهام في فرقة الغناء الجماعي للموشحات في دار الإذاعة .
أدخل الدرويش القوالب الغنائية الشرقية إلى تونس إذ كانت النوبة الأندلسية شائعة فيها.
عندما بدأت نذر الحرب العالمية الثانية عاد إلى حلب عام 1939، وظل حتى عام 1941 يتابع أبحاثه ويكتب مقالات في مجلة الدستور. وكان قد دعي إلى إذاعة القدس، في أوائل الأربعينات، لتسجيل بعض الموشحات الأندلسية. ثم دعاه فخري الباروديإلى دمشق للتدريس في المعهد الموسيقي (التابع لوزارة الدعاية والشباب، وقتئذٍ) وصار عميداً للقسم الشرقي فيه. وبعد إغلاق المعهد عاد إلى حلب عام 1945 ليدرس في المعهد الموسيقي الذي أنشأه فؤاد رجائي آغة القلعة .
عام 1946، سافر الدرويش إلى بغداد ليدرِّس في معهد الفنون الجميلة.
مع افتتاح إذاعة حلب عام 1949، كان أول المشاركين فيها، وترأس فرقتها الموسيقية إلى أن ألح عليه المرض ووافته المنية.
منحه باي تونس وسام الافتخار.
عام 1997، كرمه مهرجان الأغنية السورية المنعقد في حلب، وقدم في الليلة الأولى من أعماله: «سماعي زنجران»، وموشح «مائس الأعطاف»، وموشح «آه من نار جفاهم والصدود»، وموشح «هل لمفتون العيون السود».
تلك هي سيرة العلامة الكبير ورائد الموسيقى الفذ الشيخ علي الدرويش الحافلة بكل مظاهر العظمة والشاهدة على المكانة الرفيعة التي تبوأها شيخنا في عالم الموسيقى العربية.
توفي عام 1952(1) .
(1) باسل عمر حريري، الموسوعة التاريخية لأعلام حلب