يتناول كتاب ” حكواتي من الفرات.. عبد السلام العجيلي “، لمؤلفه نبيل سليمان، قصة حياة المبدع السوري الراحل عبد السلام العجيلي، الكاتب والإنسان، إذ ولد هذا الأديب في مدينة الرقَّة السورية عام 1918، لمزارع ووجيه في عشيرته، هو ويس العجيلي، الذي ينتمي إلى أسرة مرموقة هي فرع من عشيرة ” البوبدران ” العراقية في بادية الموصل، والتي تنتشر فروعها في بادية دير الزور .
ويحكي سليمان كيف تربى العجيلي على يد جده تربية صارمة، وتلقى تعليمه في الرّقة، وحمل الشهادة الابتدائية عام 1929، ثم مضى إلى حلب، وفاز بالمرتبة الأولى على مستوى سورية في الثانوية . وانتهى به المطاف إلى دراسة الطب في الجامعة السورية، ليعود إثر تخرجه إلى الرّقة، ويشرع باب عيادته منذ ذلك الحين حتى نيّف على الثمانين .
ويحكي الكاتب أنه تأخر زواج العجيلي حتى عام 1958، حين اقترن بسيدة دمشقية، وأنجب منها أربعة أولاد، وفجع ببكره بشر بعد ما بلغ الشباب، وبعيد ذلك كان طلاق العجيلي من زوجته . وبدأ كتابة القصة البوليسية مدفوعاً بهذا اللون من القصص، ثم تابع بكتابة “مذكراته الشخصية ” بتأثير من قراءته ” آلام فرتر “، وبكتابة قصائد مقفاة يغنيها على ألحان بعض القصائد الدينية مما يحفظ، كي يستقيم وزنها .
ويؤكد سليمان أنه ظلت الكتابة واحداً من أسرار العجيلي حتى حمل الثانوية العامة، وقد نشر عام 1926 قصته الأولى ” نومان ” بتوقيع ” ع. ع. ” في مجلة الرسالة المصرية، كما نشر بأسماء مستعارة قصصاً وقصائد وتعليقات في مجلة “المكشوف ” اللبنانية .
ويبدو أنّ حياة العجيلي الدمشقية، طالباً ومن بعد نائباً، كانت بالغة الثراء، ففي عام 1943 فازت قصته “حفنة من الدماء ” بجائزة مسابقة مجلة الصباح، وفي عام 1945 شارك في رحلة إلى مصر حيث حضر حفلة أم كلثوم والتقى بالشاعر أحمد رامي، وفي دمشق أيضاً نظم مع عدد من الظرفاء والكتاب ” عصبة الساخرين “.
وفي عام 1948 تطوّع نائب شاب في البرلمان السوري في جيش الإنقاذ.. إنه الدكتور عبد السلام العجيلي. وتخرج قبل ثلاث سنوات من المعهد الطبي العربي في دمشق، ودخل البرلمان نائباً عن المحافظة التي ينتمي إليها. ووسمت روح العجيلي تلك الشهور القليلة التي قضاها في فوج اليرموك الثاني تحت قيادة أديب الشيشكلي، خيبة مريرة ودائمة . ومن الكثير الذي كتبه عبد السلام العجيلي عن تجربته الفلسطينية مقالات أصدرتها مديرية الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية تحت عنوان “فلسطينيات عبد السلام العجيلي 1994″.
وطالما ردّد العجيلي جملته محددة، كثيراً من المرات، وهي : ” إنّ الأدب بالنسبة له متعة وهواية “. وهو بالكاد يبقي من وقته القليل الذي يفضل عن مّا تقتضيه مهنة الطب والرحلات والأسرة وإدارة إرث أبيه، وكذلك السياسة والشأن العام الاجتماعي، غير أن العجيلي، بعد ذلك كلّه، كتب القصة القصيرة والمقالة والرواية، وهو الذي كتب في بداياته الشعر والمسرحية، كما كان لأدب الرحلات والمحاضرات منه نصيب كبير، كل ذلك والكاتب هاوٍ، فكيف لو كان محترفاً ؟
ولم ينشر الكاتب إلا ديواناً واحداً ضمّ ثماني وعشرين قصيدة ونشيداً. كما كتب العجيلي لفرقة الفنون الشعبية في الرّقة، عدداً من الأعمال، مغفلاً اسمه، ومنها : ” برج عليا “. وفي عام 1937 نشرت مجلة الحديث مسرحية ” أبو العلاء المعري ” ، وقد حملت هذه المسرحية التي فازت بمسابقة المجلة، توقيع ” المقنع “، أي عبد السلام العجيلي. وكذلك جرّب العجيلي من تقنيات القصّ : الرسائل والمذكرات والأحلام والمنولوج والتفريع، وكتب العجيلي من أدب الرحلات ومن المقالة، حيث قدم في عشرات الصحف والمجلات :
الحكاية والمحاضرة والمذكرّات والحديث والرسالة والخاطرة والاعترافات، كل ذلك نشره في كتاب ” من كل وادٍ عصا ” حيث يتحدث عن صديق سرعان ما نكتشف أنه هو العجيلي نفسه . وكذلك تميز في كتابة المقالة، إذ بدأها على مقاعد الدرس في تجهيز حلب، ولم يكن يعلم من فن المقامة إلا قليل لكن الأمر راق لـه، فعاد إليه حين صار طالباً في جامعة دمشق .
وقد كانت فاتحة ذلك ” المقالة الطبية الأولى والثانية “. وفي السنة التالية كتب العجيلي المقامة البرازيلية، نسبة إلى مقهى البرازيل، وفيها يسخر من أدعياء الثقافة والأدب على لسان راوية المقامة عبد السلام بن محبّ . وقد أرسل نزار قباني من أنقرة إلى العجيلي، مقامة بهدية يصف اللقاء بإحدى الفاتنات، فرد عليه العجيلي في المقامة القنصلية ( لأن نزار كان يعمل في السفارة )، مقامة جوابية، وفي الحديث أنه انشغل عن البعثة والسفارة بصبايا الحارة، وعشق الجارة وبنت الجارة.
الكتاب: عبد السلام العجيلي حكواتي من الفرات
تأليف: نبيل سليمان الناشر: الأمانة العامّة دمشق 2011 الصفحات: 116 صفحة القطع: المتوسط |