صائب المؤيد العظم أحد روّاد الرياضة السورية |
ولد صائب بن عبد القادر بن احمد مؤيد باشا العظم في قصر أسعد باشا العظم في مدينة حماة عام 1883م.
تلقّى دراسته في مدارس الرشدية ومكتب عنبر والعازرية، وتخرج في ثانوية التجهيز الأولى حاملاً الشهادة الثانوية.
كان قوي البنية يتجاوز طوله المترين ووزنه مئة كيلوغرام. أولع منذ صغره بلعبة المصارعة، وأخذ يمارسها، ويتدرب عليها على الطريقة العربية المستمدة من التركية، واسمها مصارعة التبّان حيث كان المصارعون يدهنون أجسامهم بزيت الزيتون، ويرتدون التبّان؛ وهو سروال من الخصر إلى تحت الركبة، وتتطلب هذه الرياضة قوة هائلة من المصارعين.
سافر صائب المؤيد العظم إلى تركيا عام 1903، واستقر في مدينة بندرما قرب أزمير حيث درس هناك الرياضة والمصارعة تحديداً على يد بطل العالم آنذاك «الكوتش محمد»، واستمر ذلك مدة عام، عاد بعدها مع مدربه إلى دمشق؛ ليتابع دراسته وتدريبه على يديه عاماً آخر.
في عام 1905 سافر إلى باريس؛ ليتابع دراسته وتدريبه هناك، فانتسب إلى معهد ديبونيه Deboneaالمتخصص بالمصارعة؛ والذي يعود اسمه إلى بطل العالم في المصارعة الفرنسي ديبونيه. وتلقّى التدريب هناك على يد المدرب العالمي الشهير آتيلّا Atella الذي كان المساعد الرئيس لأستاذ التربية البدنية السويدي لينغ Leeng والمدرب العالمي للياقة البدنية صَندو Sundo الذي نسب إليه جهاز القوة البدنية الصاندو.
أنهى صائب دراسته في المعهد، وكان يتقن اللغات الفرنسية والإنكليزية والإسبانية والفارسية والتركية إتقاناً جيداً، وزادت ثقافته كثيراً في علوم التشريح والفيزيولوجيا وعلم الصحة وفن التدليك. وكان مؤمناً بأن المصارعة هي أقرب الرياضات إلى طبيعة الإنسان وحياته اليومية.
البدايات مع الرياضة
انتقل صائب المؤيد العظم بعد معهد ديبونيه إلى معهد بول بونس في باريس أيضاً المتخصص في المصارعة بإشراف البطل العالمي بول بونس Paul Pons، وتخرج بعد عام حاصلاً على شهادته. وعندما شعر باكتمال مقدرته وقوته واستعداده طلب منازلة أستاذه الفرنسي بول بونس الذي كان بطلاً للعالم في لقاءٍ شهير انتهى بالتعادل. وعندما سأله الصحفيون بعد اللقاء: لماذا لم يفز رغم مقدرته على ذلك؛ أجاب بتواضع: إنه أستاذي ومن المعيب أن ألقيه أرضاً وأفوز عليه. ثم نازل بعده البطل الفرنسي فرنانديزFernandez، وتغلب عليه، ثم سافر إلى لندن ليلاقي بطل إنكلترا باروبني Barobini وفاز عليه، ثم سافر إلى سويسرا لملاقاة بطلها آلمه Almeh وفاز عليه، ثم سافر إلى ألمانيا ليلاقي بطلها العالمي المخيف شاكمان Schackmann وفاز عليه؛ ليتابع سفره إلى تركيا معقل أبطال المصارعة العالميين، وينازلهم الواحد تلو الآخر حيث فاز على خوجة يوسف ومدرلي أحمد وقره محمد؛ ليحرز بطولة العالم عام 1907، ويعود إلى دمشق بطلاً للعالم.
حافظ على هذه البطولة 12 عاماً حتى عام 1919 حيث كان يسافر في كل عام ستة أشهر إلى كل أرجاء العالم في أمريكا الشمالية واللاتينية خاصة الأرجنتين والبرازيل وأوربا خاصة ألمانيا وفرنسا وإنكلترا والنروج والسويد ورومانيا وبلغاريا واليونان وتركيا، وينازل كل أبطالها، ويفوز عليهم الواحد تلو الآخر، ويحرز بذلك بطولة هذه الدول؛ ومن ثم بطولة العالم، وكرر ذلك 12 عاماً كان يقوم كل عام منها بالعمل نفسه مدة ستة أشهر، وكان يفوز دائماً؛ إذ لم يعرف عنه أبداً أنه هزم مرةً واحدة، وكانت كل لقاءاته تنتهي إلى الفوز، ونادراً إلى التعادل.
كان دائماً يعود إلى دمشق ليلاقي كل الأبطال الذين يزورون سورية حيث لاقى في عام 1907 البطل اليوناني الأسطوري ألكسندر دوبريج Alexander Dubrej الذي لم يخسر أبداً، وجرى لقاء التحدي في حديقة الأفندي في باب توما في حي القصاع حيث خرج أهل دمشق وأعيانها وعلماؤها وتجارها وقائد شرطتها وواليها لتشجيعه، ونصبت المدرجات من أجل المشاهدين.
كان صائب معروفاً بمسكةٍ خاصة به هي القبض على الخصم من عنقه بذراعيه القويتين، ويضغط عليه؛ ليضطره إلى الاستسلام، وهذا ما كان يحدث دائماً إذ لم يتمكن أيّ مصارع من الإفلات من قبضتيه. وعندما احتدم الصراع مع البطل اليوناني نجح صائب بالإمساك بعنقه، فحاول اليوناني الهرب من الحلقة، وأمسك بأحد الأعمدة الخشبية الداعمة للمدرجات، فقام صائب بسحبه من عنقه إلى داخل الحلقة مما أدى إلى كسر العمود الخشبي وسقوط بعض المشاهدين، ثم قام برفعه في الهواء وألقاه في الأرض، فانكسر عموده الفقري وأصيب بالشلل، وفاز صائب.
عرف عن صائب أنه لم يتقاض مالاً من انتصاراته، وكان يموّل أسفاره العالمية من ماله الخاص. ولذلك طرائف يرويها أبناء دمشق حيث كان والده عبد القادر يرفض إعطاءه المال؛ كي يثنيه عن السفر خوفاً عليه. وكان صائب يجبره دائماً على الإذعان لرغبته باستعراض قوته لإحراجه حيث أوقف عربته التي كان يجرها الحصان بقوة ذراعه، ولم يتركها إلا بعد أن دفع له والده ما يريد.
وبذكر طارق المؤيد العظم أن صائب في سفرة أخرى ونتيجة رفض والده الدفع قام بحمل حصانه، وصعد به إلى غرفة نومه، وأكد له أنه لن ينزله حتى يدفع له. فلجأ الوالد إلى الاستعانة بخمسة حمالين من سوق العتيق أخفقوا في إنزال الحصان مما اضطر الوالد إلى الإذعان والدفع مجدداً لقاء قيام صائب بإنزال الحصان، وهذا ما كان. ورويت عن صائب حكايات كثيرة من أبناء دمشق كلها تروي قوته الخارقة.
في عام 1911 زار باريس، ونازل بطلها العالمي وصاحب المعهد الذي درس فيه ديبونيه، وفاز عليه مؤكداً أنه ما من أحد في فرنسا قادر على هزيمته. وفي عام 1913 نازل بطل العالم الألماني القوي هنكشيمد الذي لم يخسر مباراة في حياته، وفاز صائب، وحصل على لقب بطل أبطال العالم.
وذاع اسم صائب في كل أنحاء العالم إذ توجد صوره حتى اليوم في أعظم معاهد المصارعة في البرازيل والأرجنتين والولايات المتحدة في المسرح الدائم لأبطال العالم وفرنسا وألمانيا وسويسرا وإنكلترا وإيطاليا واليابان. وأكد ذلك المصارع المصري الشهير محمود حسن في رسالة لآل العظم بدمشق، قال فيها: إنه شاهد صور صائب العظم في كل الأمكنة التي زارها، وكانوا يتحدثون عنه بكثير من التقدير، واتفق ذلك مع ما رواه بطل العالم اليوناني ألكسندر والبطل السوري يوسف ميرزا.
سافر صائب العظم إلى القاهرة عام 1924؛ ليقوم بتدريب نخبة من مصارعيها حيث لا زالوا يثنون على دوره الرائد في تطوير المصارعة المصرية. ثم عاد إلى دمشق حيث استقر فيها نهائياً، وأسّس النادي الأولمبي السوري في الرابع والعشرين من نيسان 1939؛ وبعده نادي النهضة السوري عام 1938، وأصبح رئيساً فخرياً له بقرار مجلس إدارة النادي الصادر في الثالث من شباط 1944م.
تتلمذ على يده نخبة من أبطال المصارعة السورية الرواد أمثال ابنه فؤاد والمحامي فوزي المفتي وواصل حلواني وشفيق البغدادي وزكريا الداغستاني وإلياس سلوم ومحمد النجار ونور الدين زنبركجي، وأصبح هؤلاء جميعاً من أبرز المصارعين السوريين الذين أسهموا في نشر المصارعة في سورية.
انتقل صائب مؤيد العظم من بيته في نوري باشا في حي الصالحية بدمشق إلى منطقة كيوان قرب الربوة حيث اعتكف هناك بعد اعتزاله المصارعة، وقام بتدريب تلامذته صيفاً شتاءً. وكان يحكي لهم كل شيء عن فنون اللعبة، ويشجع الجميع على التأليف والكتابة، وقدّم العديد من الكتب الرياضية. ومارس إضافة إلى المصارعة الملاكمة ـ وكان أحد أبرز أبطالها ـ والتربية البدنية ومبارزة السيف والمصارعة اليابانية والهندية التي كان معجباً بأبطالها.
التكريم:
ال عدّة أوسمة من بعض الدول العالمية تقديراً لإنجازاته
وفي عام 1953م أقيم حفل لتكريم الأبطال السوريين في المرج الأخضر بدمشق برعاية وزير الداخلية علي بوظو. وكان صائب المؤيد العظم أول المكرمين حيث قدّم له وزير الداخلية العلم السوري مخاطباً إياه: «إنه أغلى ما يملكه الوطن لتكريم أحد أبنائه تقديراً لما قدّمه لوطنه في كل أنحاء العالم، فلك الشكر والتقدير على مرّ الأيام».
وأطلق اسمه على أحد شوارع حماة عام 1971، وقُدّم لذلك من قبل وزير التربية آنذاك عدنان بغجاتي.
كما أُطلق اسمه أيضاً على شارع في مدينة حمص إلا أنه ولأسباب مجهولة ألغيت تسمية شارع حماة، واستبدل بها اسم جديد في حين لايزال اسمه على أحد شوارع حمص.
وفاته:
تُوفِّي صائب العظم في دمشق، وخسرت سورية والعالم العربي والرياضة العالمية أحد أبرز رموزها. وتداعى أبناء سورية إلى الكتابة في جريدة الأيام الدمشقية مطالبين بتكريم ذكراه بعد وفاته.