عام
لوحة .. الأرض للفنان أحمد مادون (1)
لوحة .. الأرض للفنان أحمد مادون
اللوحة بعنوان الارض وهي موجودة في متحف دمر للفن الحديث – زيت على قماش – الأبعاد 90سم*115سم – عام 1980
استعراض الصورة بالحجم الكاملالأهم في لوحة مادون هو الغوص في نبض الحياة والذاكرة، وكأنه أقام هذا الجسر لنعبر عليه إلى تدمر وتلك الروح التي تسكننا وإلى نبض الآني نبض اللحظة الحالية، فلوحته وأكثر ما تمور به هو هذا الإحساس بالأشياء وجعلها تبدو وكأنها الآن.
في لوحته التي أسميها غفوة زنوبيا، نشهد أربع نساء يلبسن تلك الأثواب الشفافة وكأن مادون يستلهمها من النحت التدمري، ثم يشعرنا أن هولاء النسوة في نزهة على أطراف أحد أحياء تدمر القديمة، حيث اخضرار الربيع وتلونه في عمق هذه الصحراء، وإن كانت الإشارة هنا إلى مجد مدينة تدمر أكثر منها إشارة إلى الربيع المادي، إلا أن الصورة ليس بعيدة عن هذا الاخضرار في ذاك الزمان بأكثر من معنى، ونرى النسوة الأربع يحضرن في مقدمة اللوحة دون الاهتمام كثيراً بالأبعاد التشريحية فنشعر مع أحمد أن حضورهن عفوياً حول تلك الأميرة النائمة في غمرة شعورها بالأمان بين تلك الأعشاب، تبدو الأميرة هذه أكبر بالمقارنة مع بقية النسوة وأكثر ظهوراً وهي تستلقي على الأرض حتى تغيب بقية أطرافها السفلية بلون الأرض، نشعر للحظة بأن زنوبيا لا تزال هنا بكل ما يحتويه حلم اليقظة من قوة.
مادون يجمع بين قوة الاخضرار وغبار الصحراء، فتبدو اللوحة وكأنها تمتلك روح المكان بالمعنى الحسي، وهو هنا يجمع بين الحسي المادي والمعنوي كدلالة على التاريخ العظيم الذي عاشته هذه المدينة وإن كان مادون يشعر أنه لازال مستمراً وتلك هي تأويل هذه الإغفاءة، إنه نوع من الانتماء إلى المكان والحضارة بروح الحلم، الذي يتحول إلى صورة متحركة نابضة بيقظة الآن، إنه حلم يقظة له كل مبرراته.
من المهم بصرياً وتشكيلياً في هذه اللوحة الإشارة إلى فضاء اللوحة بالمعنى الدلالي وهو هنا المدينة كمكان وزمان، يتحدان في بعديهما المادي والمعنوي وهو الأرض والمدينة، والإنسان بمعنى الفعل والتجذر والتسامي من هذا المكان، فزنوبيا التاريخ الأم النائمة بسلام قد بعثت العديد من النساء اللائي يقدرن على بعث المجد من جديد وهو ما نراها تفعله إحدى تلك النسوة التي تغيب قدماها في الأرض، في حين يدها تتحول إلى شجرة باسقة تعانق السماء، إنها شجرة الحياة -الرمز التدمري- المستمرة في هذه الحضارة عبر المرأة والأم السورية، مادون لم يكن يرسم المدينة والإنسان والتاريخ، كان يبحث عن تلك الروح النابضة، ووجدها وهي من أبقت لوحته وكأنها مرسومة الآن.
جريدة النهضة
الكاتب : عمار حسن / رقم العدد : 582