وثائق سوريا
رسالة علي الطنطاوي إلى عبد السلام العجيلي وزير الثقافة عام 1962
عين عبد السلام العجيلي وزيراً للثقافة والإرشاد القومي في حكومة بشير العظمة التي تشكلت في السادس عشر من نيسان 1962– واستمرت حتى السابع عشر من أيلول 1962، وكانت وزارته تشرف على الإذاعة والتلفزيون حينها.
وبسبب فساد بعض البرامج التلفزيونية أرسل علي الطنطاوي رسالة إلى الوزير عبد السلام العجيلي يطلب فيها منه أن يراقب ما يبث على التلفزيون السوري.
نص الرسالة:
سيدي الدكتور
أقدم أطيب تحياتي وأصدق احترامي
رأيت أن أكتب إليك يا سيدي سراً لم أكتب عنه علناً لعلمي بأدبك وخلقك وحسن تقديري.
لقد كدت البارحة والله أكسر جهاز الرائي “التلفزيون” لما ظهر فيه هذا المشهد الفظيع بين نزيهة يونس والآخر الذي لا أعرف اسمه وجري بينهما ما يجري في العادة “من الكلام” بين الرجل وامرأته على السرسر، مع ثقل وغلاظة…
هل ترون ياسيدي هذه البرمج الشامية، برنامج “فكر تربح” و”معي سرّ” وأمثالهما؟ شاهدوها تروا أن ليس فيها متعة، ولا فائدة، بل فيها إفساد الأخلاق وجمع الجنسين.
أيام الوحدة كنا نشكو من فساد البرامج من الجهة الخلفية، أما الآن فنشكو من فسادها ومن سخافتها.
أنظروا في وجه المذيع “المالح” او الآخر”حلاوة” صاحب برنامج “معي سرّ” تروا على وجوههم فرحة الولد الذي أعطي لعبة. إنها برامج “ولدنات” ولكنها لعب تكلف الدولة المال الوفير وتؤذي الناس.
تلاوة القرآن تقتصر على عدة تسجلات تعاد بذاتها. أعيدت كل واحدة منها ثلاثاً وأربعين مرة إلى الآن. لأنهم يضنون على القرآن بتسجيلات جديدة على مثال ” المصحف المتلو” المذاع من مصر وينفق على مثل هذه الولدنات ومثل تهريج دريد لحام الغث المقرف المكرر الخالي من الابتكار آلاف الليرات.
إذا كان الرائي لا يستطيع أن يأتي بمثل برامج الإفرنج، ومثل برنامج “سي جمعة” وأمثالهما المصرية، فاقتصروا على الأفلام والمسلسلات الإفرنجية، فإن فيها مغزى وفيها متعة، وخلصونا ياسيدي من سخافات هؤلاء الصبيان، ومن أراد منهم أن يتسلى، أو أن يستمتع بصحبة البنات فليتسل ولكن على غير حساب الأمة، ومن غير أن يحطم أعصابنا بالنظر إلى سخافاته.
لقد أفلس جماعتنا، وظهر أنهظ لا دين ولا دنيا، ولا ابتكار ولا فن، ولكنهم يأبون أن يعلنوا إفلاسهم.
وهل من الضروري أن يعاد في كل برنامج بأن مخرجه فلان، ومنفذه فلان، وعارضه فلان، والديكور فلان، والذي كنس الغرفة ذلك اليوم الآذن الفلاني، والذي لمّ الأوساخ الكنّاس الفلاني؟ تعاد لا مرة ولا عشرة، ولكن كل يوم، شي يفلق.
ياسيدي أنت أديب أصيل ذواق، ونظرة منك تغني عن شرح ساعات منا، فراقب الرائي ليلتين أو ثلاثاً متتابعات، ثم أفعل ما تراه.
وأكرر رفع تحياتي واحترامي والسلام عليكم ورحمة الله.
دمشق الخميس 16 / 8 / 1962
علي الطنطاوي