مقالات
د. عادل عبدالسلام (لاش) : بدايات كرة القدم في مرج السلطان
د. عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
يرجع عهدي بكرة القدم إلى أيام لم يكن فيها في قريتي مرج السلطان سوى كرة قدم واحدة مصنوعة من الجلد لجسمها الخارجي (البراني) تبطنها كرة المطاط الداخلية (الجواني) التي كثيراَ ما كنا نسد ثقوبها برقع نلصقها بالـ (السيليسيون) (الشعلة اليوم)، وننفخها بمنفاخ الدراجات الهوائية. وكانت كرة يملكها ويحتكرها أحد أبناء أسرة ميسورة، ولا يسمح لنا اللعب بها إلا بشروط أقلها أن يستأثر مالكها بركلها أكثرمع بقية اللاعبين، فإن شعر بالغبن حرمنا من اللعب بكرته. وكان الحذاء النظامي مجهولاً يقوم الحذاء العالي الرقبة المعروف بـ (بوتين) يقوم مقامه. وكانت ساحة المدرسة الواقعة بين منزلنا والمدرسة القديمة في القرية مسرح مبارياتنا. لكنني وفي أواخر الحرب العالمية الثانية وأثناء إقامتنا في مدينة قطنا في محافظة دمشق حيث كان والدي رئيساً لمخفر دركها، انتسبت لفريق الأشبال في نادي (الحرمون) لكرة القدم فيها، وارتأى حارس مرمى النادي (شاهر..؟)، اختياري (كولارا) لفريق الأشبال فيه. حينها تحسن إلمامي بقواعد اللعبة وقوانينها، وكنا نستعمل المصطلحات الإنكليزية، خاصة وأن نادينا كان يتنافس مع فرق أخرى وعلى رأسها فريق القوات البريطانية التي كانت متمركزة في معسكرات كانت تعرف بـ (الصوجة)، شمال مدينة قطنا. وهي تسمية محرفة عن صولدجر Soldiers وتعني (الجنود). تحولت بعد الاستقلال إلى معسكرات للجيش السوري.
ولقد كان لتأسيس المكتبة العامة في مرج السلطان على يد المرحوم الأستاذ يوسف صلاح الدين تاموخ سنة 1955 كأول مكتبة من نوعها في قرية لا يتعدى عدد سكانها 350 نسمة في الريف الدمشقي صدى حسناً، ودافعاً قوياً للتفكير في إنشاء فريق لكرة القدم في القرية أسوة بفرق أهلنا في بعض القرى الشركسية في الجولان، تمخض عنه إنشاء ناد رياضي حصل على رخصة رسمية سنة 1958 تحت اسم (نادي المرج الرياضي)، وكانت باكورة نشاطاته جولة فريقه لكرة القدم في الجولان، في ربيع سنة 1959 لملاقاة فرق الجولان المقابلة (فريق السلمنية/ الصرمان/ العدنانية) بنتيجة 1-1، و(فريق الخشنية) بنتيجة 1-0 لصالح المرجيين، و (فريق عين زيوان) بنتيجة 0-1 لصالح عين زيوان.
وأذكر في هذا السياق محاولاتي التقرب من فريق (هيرتا برلين) أيام دراستي في برلين الغربية، التي لم تتجاوز انضمامي إلى فريق مشجعي مبارياته مقابل 5 ماركات غربية عن مباراة أحضرها.
حفزتني أحداث مباريات كأس العالم لسنة 2018، للحديث عن تلك البدايات المتواضعة لهذه الرياضة المحببة التي انتشرت اليوم في كافة أنحاء العالم. والتي أصبحت كورقة عباد الشمس تكشف مستوى الرقي الحضاري، والتقدم الفكري والاجتماعي والاقتصادي-المادي، بل والأخلاقي والسياسي للشعوب. وودفعتني للتركيز على فشل الفرق العربية والإسلامية في بلوغ الأدوار المتقدمة للفرق المشاركة في المنافسات، والوصول إلى مراتب مشرفة للعرب والإسلام…فشل يمكن القول أنه أمر قد نجد له أسباباً ومبررات منطقية وواقعية مقبولة….لكن ما لا يمكن تبريره وقبوله هو استغفال واستجهال عقول الشعوب بقلب الهزائم النكراء التي منيت بها الفرق إلى انتصارات وإنجازات تاريخية نتبجح بها كطواحين سرفانتس، والضحك على اللحى بالقول أن صمود فريق عربي أمام فريق مشهور 90 دقيقة هو بطولات خارقة غير مسبوقة…. كما أجد صعوبة كبيرة في تبرير خسائرنا بإتهام الحكام بالتحيز،وبالتجني على المدربين، وبتغير الأجواء والطقس على اللاعبين وغير ذلك من أسباب وحجج واهية تفرزها نظرية المؤامرة…. وهذا يذكرني باتهام خسارة فريق كرة قدم عربي في منافسة سابقة لاأذكر مناسبتها وتاريخها، إتهام أرض الملعب وأعشابه بتسببها في الخسارة……؟؟؟ حبذا لو فكر من وراء كل هذا الزخم الإعلامي الهزيل المندد بخسارة فريق عربي أمام فريق اجنبي قوي، مقارنتها بفوز كرواتيا عل الأرجنتين القوية، كي يدرك أن الأمر ليس بالـ (القبان).
أما نسبة كل الفشل أو النجاح وإرجاعه إلى صاحبة الجلالة ( الحظ، أوالنصيب) ، فحجة لاينادي بها إلا الفاشلون النرجسيون المحبطون. وهي حجة يلغي بها أصحابها إرجاع الفشل والنجاح في أي أمر، إلى الجهود والأعمال المؤدية للنجاح…. (اضرب وصيب وقول هذا نصيب؟؟؟).,, لتغطية إخطائهم وفشلهم.
لكننا يبدو أننا استمرأنا السباحة في مياه الهوان والمكابرة بالمحسوس، والتبجح، وأصبحت سلوكيات الظهور والمظاهر والتظاهر كذباً ونفاقاً، أمراضاً مستوطنة في مجتمعاتنا. كما يبدو أن الأمر ليس بجديد علينا إذ سبق وعبر شاعرنا أبو الطيّب المتنبي 915- 965م. عن ذلك قبل أكثر من عشرة قرون بقوله:
من يهن يسهل الهوان عليه مالجــــرح بميت إيلام
فودع العرب الأولمبياد بفضيحة خماسية مذلة، تماماً بمثل ما استقبلوا به، حفاظاً على روح الأخوة والوحدة والتضامن العربي في السراء والضراء.ثم جاء معروف الرصافي – 1945 1875 ليرسم لهذه الأمة خريطتها بقوله:
ياقوم ، لا تتكلموا *** إن الكلام محرم
ناموا ، ولا تستيقظوا *** ما فاز إلا النـوٌم
فإلى متى يا قوم ؟؟؟؟؟؟.
23 تموز 2018