مقالات
تبدلات الحدود السورية – التركية في فترة ما بين الحربين
مهند القاطع – تلفزيون سوريا
تنبع أهمية سورية بالنسبة لتركية من زاوية البعد الجغرافي السياسي، فالحدود الجنوبية لتركيا تشكل الحدود الشمالية لسورية، ويبلغ طول الحدود السورية – التركية حوالي 822 كلم (511 ميلاً). وتمتد من البحر الأبيض المتوسط حتى نقطة التقاء نهر دجلة بفش خابور في المثلث الحدودي. وسنستعرض هنا أهم الاتفاقيات بين فرنسا زمن احتلالها لسورية وبين تركيا في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، والتي أحدثت تبدلات جسيمة على الحدود السورية-التركية.
أولاً- اتفاقية سيفر 1920 (الحدود السورية – التركية)
تعتبر اتفاقية سيفر التي تم توقيعها في 20 آب/ أغسطس 1920 أول اتفاقية يتم توقيعها من الجانب التركي حول مسألة تعيين الحدود مع سورية بعد حل الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى سنة 1918، وقد وضعت الاتفاقية المضائق التركية تحت الحماية الأوروبية، وتم التنازل عن بقية تركيا الأوروبية لليونان، وأعطيت إيطاليا وفرنسا مناطق في جنوب تركيا، وتعهدت الاتفاقية بإقامة حكم ذاتي للأكراد في شمال الخط المار من أورفا وماردين، ومنح أرمينيا الاستقلال، فضلاً عن إقامة مقاطعات عربية تحت سلطة بريطانيا، فرنسا، وإيطاليا. وبموجب المادة 27 (الجزء الثاني) من معاهدة سيفر، فقد ضمنت الحدود الجديدة تبعية كل من الاسكندرونة وكامل كيليكا وكلس وبيره جك وعينتاب واورفا وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر للأراضي السورية، حيث تم تحديد الحدود السورية – التركية على النحو التالي:
“من نقطة يتم اختيارها على الضفة الشرقية لمخرج نهر حسن ديدي حوالي 3 كيلومترات إلى الشمال الغربي من قراتاش بورون Karatash Burun، باتجاه الشمال الشرقي لنقطة يتم اختيارها على نهر جيحون ارماك Djaihun Irmak حوالي 1 كم شمال بابيلي Babeli، هذا الخط يتم تثبيته على أرض مروراً بشمال قاراتاش، ومن ذلك المكان إلى كسيك كاله Kesik Kale، أعلى مجرى نهر جيحون، ومن هناك باتجاه نقطة في الشمال الشرقي يتم تعيينها على نهر جيحون حوالي 15 كلم إلى الجنوب الشرقي من قارسبازار Karsbazar، في خطٍّ سيتم تحديده على أرض مروراً بشمال قره تبه Kara Tepe، ومن هناك ينحني نحو نهر جيحون في غرب دُلدُل داغ Duldul Dagh، أعلى مجرى نهر جيحون، ومن ثم في الاتجاه الجنوبي الشرقي العام إلى نقطةٍ سيتم اختيارها على أمير موسي داغ Emir Musi Dagh، حوالي 15 كلم إلى الجنوب والجنوب الغربي من جياوور غول Giaour Geul، في خطٍّ يتم تثبيته على الأرض على مسافة 18 كلم تقريباً من السكّة الحديدية مع ترك دولدل داغ لسورية، ومن ثم يتجه شرقاً إلى نقطة يتم اختيارها على بعد (5) كم شمال اورفا، على أن يتم تثبيت خطٍّ مستقيمٍ على الأرض يمتدّ بشكلٍ عام من الغرب نحو الشرق، ويمرّ بشمال الطرق التي تربط المدن باخجه Baghche، وعينتاب Aintab، وبيره جيك Biridjik، واورفاUrfa،
على أن تترك المدن الثلاث الأخيرة لسورية. ومن هناك يتجه شرقاً ثم إلى أقصى الجنوب الغربي من مجرى نهر دجلة حوالي 6 كم شمال آزخ ( 27 كم غرب جزيرة ابن عمر) بشكل عام خط مستقيم من الغرب إلى الشرق يتم تثبيته على الأرض بحيث يبقي مدينة ماردين لسورية. ومن ثم إلى نقطة يتم اختيارها على نهر دجلة بين نقطة التقاء فيش خابور مع دجلة والقوس الذي يشكله نهر دجلة والواقع على بعد (10) كم تقريباً إلى شمال تلك النقطة المحاذية لمجرى النهر، على أن تترك الجزيرة التي تقع عليها بلدة جزيرة ابن عمر لسورية”.
إلا أن الاتفاقية لم تفعّل، وبدأت المقاومة التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، الأمر الذي غير الموازين والاتفاقيات بشكل كامل واضطرت فرنسا في نهاية المطاف لتوقيع اتفاقية أخرى تتخلى بموجبها سنة 1921 عن مزيد من الأراضي السورية لصالح تركيا مقابل ضمان أكثر لاستقرار الأوضاع في المنطقة و وقف الدعم التركي للثوار السوريين.
ثانياً- اتفاقية فرانكلين – بويلون 1921 (خسارة الألوية الشمالية)
يبدو أن التحديات التي واجهت أنقرة في حربها مع اليونان تزامناً مع التحديات التي واجهها الفرنسيون في الثورات المندلعة في شمال وغرب سورية والمدعومة أيضاً من قبل تركيا، ساهمت في تعزيز رغبة الطرفان بالتعاون بدلاً من المنافسة العسكرية وصولاً لتوقيع الاتفاقية الشهيرة التي عرفت بمعاهدة فرانكلين بويلون (Franklin – Bouillon). تسمى أيضاً معاهدة أنقرة الأولى، وهي اتفاقية وقعت بين فرنسا وتركيا الأتاتوركية في 20 تشرين الأول / اكتوبر عام 1921، وقعها من الجانب الفرنسي الدبلوماسي هنري فرانكلين بويلون ومن الجانب التركي وزير الخارجية يوسف كمال. حيث أوقفت المعاهدة الحرب التركيّة الفرنسية وفق نص المادة الأولى، كما تضمنت المادة السابعة إدارة خاصة للواء الاسكندرونة، وكان أثرها الأكبر تعديل خط الحدود بين سورية وتركيا الذي كانت معاهدة سيفر أقرته، حيث حددت المعاهدة الجديدة وفق المادة الثامنة الحدود على النحو التالي:
“يمتد خط التخوم من نقطة يجري اختيارها في خليج الإسكندرونة في جنوب ناحية بياس Payas مباشرة ويتجه إلى ميدان اكبس Meidan-Ekbes تبقى محطة السكة الحديدية والناحية تابعتين لسورية. ومن هنا ينحني نحو الجنوب الشرقي بحيث يترك لسورية مديرية مرسوفى Marsova ولتركيا موقع كارنبا Karnaba مع مدينة كليس ثم يسير مع السكة الحديدية حتى محطة جوبان بك ويسير مع خط بغداد ويبقى سطحه للأملاك التركية حتى نصيبين.
ومن هناك يتبع الطريق القديم بين نصيبين وجزيرة ابن عمر حتى يبلغ نهر دجلة وتبقى لتركيا نصيبين وجزيرة ابن عمر والطريق بينهما ويكون للبلدين نفس الحقوق في الانتفاع من هذا الطريق. وتكون المحطات في شعبة جوبان بك ونصيبين ملكاً لتركيا كأنها جزء من سطح السكة الحديدية.وتتألف لجنة من مندوبي الفريقين في برهة شهر بعد التوقيع على هذا الوفاق لتحديد الخط المذكور وتبدأ هذه اللجنة بعملها في تلك المدة.” وفي اتفاقية لوزان سنة 1923، تم اعتماد الحدود بين سورية وتركيا بموجب المادة 8 الواردة في اتفاقية فرانكلين – بويلون بدون تعديل أو تغيير.
وبذلك تم عزل حلب عن ألويتها الشمالية، وأمست تحت السيادة التركية المدن والسناجق التالية (من الغرب إلى الشرق): أضنة وعثمانية ومرعش وعينتاب وكلس واورفا وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر، ولم تنسَ المادة الأخيرة (المادة 13) أن تضمن حقوق القبائل والعشائر الرحل في الرعي على جانبي الحدود في مناطق رعيها التقليدية. ومقابل الانسحاب الفرنسي باتجاه الجنوب، توقفت تركيا عن دعمها الذي كانت تقدمه للثوار في الفرات وريف حلب الشمالي للثوار في سورية، كما انعكس ذلك سلباً على هجرة الأرمن في كيليكا الذين بدؤوا يفرون منها باتجاه سورية أو باتجاه اليونان، وقد أرسل اليونانيون ثلاثة مراكب إلى مرسين استجابة لنداء بطريارك الأرمن هناك الذي قال بأن حياة الأرمن ستكون في خطر بعد انسحاب الفرنسيين الوشيك منها.
إلا أن الأحداث والاضطرابات التي شهدتها تركيا بعد الانتفاضة الكردية التي قادها الشيخ سعيد بيران سنة 1925م، أعادت مسألة الحدود إلى الواجهة، وأوضحت أهمية الاتفاقات التي وقعتها أنقرة حول احترام الحدود في مسألة تمكّن الأكراد من الاحتماء من القمع التركي باللجوء إلى سورية.
ثالثاً – اتفاقيات الحدود 1926 – 1939 خسارة الإسكندرونة
وبموجب الاتفاق المبرم في أنقرة بتاريخ 30 أيار/ مايو عام 1926 بين هنري دي جوفينيل والمفوض السامي الفرنسي في سوريا والحكومة التركية، التي عرفت باتفاقية (أنقرة الثانية)، تم تعيين الحدود السورية – التركية في ثلاثة قطاعات:
- من البحر الأبيض المتوسط إلى محطة ﭽوبان بي
- من محطة ﭽوبان بي إلى نصيبين
- من نصيبين إلى جزيرة ابن عمر.
هذا وقد تم بموجب ملحق آخر، بتاريخ 22 حزيران/ يونيو عام 1929 ترسيم الحدود التركية- السورية وفق اتفاقية أنقرة بين تركيا وفرنسا سنة 1926، حيث تم ترسيم القطاع الثالث من الحدود الممتد بين نصيبين والتقاء فش خابور بدجلة في المثلث الحدودي. أما التقرير المقدم إلى عصبة الأمم بتاريخ 3 أيار/مايو عام 1930، (الملحق (1) – المعاهدة النهائية لترسيم الحدود)، فقد نصّ على أن يكون مجرى دجلة هو الحدّ الفاصل.
وبتاريخ 9 أيلول عام 1936، تم التوقيع على معاهدة التحالف بين سورية وفرنسا، حيث ضمنت المعاهدة استقلال وسيادة سورية في غضون ثلاث سنوات. و بتاريخ 3 تموز/ يوليو عام 1938 تم تشكيل لجنة مشتركة تحت البند 14 من الاتفاقيات الفرنسية – التركية العامة، للقيام بتعيين الحدود بين سورية وسنجق إسكندرونة. وفي 1 تشرين الثاني / نوفمبر من عام 1938، أفادت اللجنة في تقرير لها بأنها قد تولّت مسؤولية تعيين الحدود وفقاً للفقرات الواردة في البند 4 المتعلق بوضع السنجق مع رسم خارطة بقياس 1/100,000. وفي بروتوكول تم التوقيع عليه في أنطاكية بتاريخ 19 أيار/ مايو عام 1939، تم ذكر أن عدداً إضافياً من الأعمدة قد نصبت إضافة إلى 448 عاموداً حدودياً كان قد تم تنصيبها من قبل وفقاً للتسلسل الرقمي. وبموجب اتفاقية في 23 حزيران/ يونيو عام 1939، أجريت بعض التغييرات على خط الحدود الممتد بين العامود 230 والعامود 419. وبترتيب من فرنسا بوصفها القوة المنتدبة على سورية بقرار من عصبة الأمم تم تحويل ملكية سنجق إسكندرونة (مقاطعة هاتاي Hatay التركية الحالية) إلى تركيا بتاريخ 23 تموز/ يوليو عام 1939.
المصادر:
- نص معاهدة سيفر كاملاً: http://www.hri.org/docs/sevres
- جميل إبراهيم باشا، نضال الأحرار من اجل الاستقلال
- برقيات رويترز، جريدة العراق البغدادية، العدد 456، الإثنين 21 تشرين الثاني / نوفمبر 1921
- Syria- Turkey Boundary, International Boundary Study, No.163