دراسات وترجمات
الخلافات العشائرية بين العكيدات والدليم ومؤتمر القائم 1923
تأثير الخلافات العشائرية على العلاقات السورية – العراقية ومؤتمر القائم:
انطوت العلاقات العراقية – السورية على العديد من المشاكل أهمها مشكلة الحدود وتجاوزات العشائر العراقية والسورية على الحدود، والتنازع المستمر بينها الذي تزامن مع النزاع العراقي – النجدي، الذي كانت قبيلة شمر من دوافعه المهمة والتي تسببت في الخلاف ذاته بين العراق وسورية بعد ان استقرت بالقرب من الحدود السورية، هذا فضلاً عن التجاء العديد من القبائل النجدية الى سورية عبر الأراضي العراقية، الأمر الذي أدى الى ارباك الوضع على الحدود وعدم استقراره، ولاسيما الحديد بين العراق وسورية عينت بموجب الاتفاق البريطاني – الفرنسي عام 1920، إلا أنه رغم ذلك بقيت هناك نقاط اختلاف حول تعيين خط الحدود وهو ما أخذت السلطات البريطانية على عاتقها مهمة متابعه والتفاوض بشأنه مع السلطات الفرنسية في سورية والتي مثلها المفوض السامي الفرنسي.
أخذت الغزوات والهجمات العشائرية بالازدياد على الحدود العراقية – السورية، والتي سببها عشائر الدليم وشمر العراقية وعشيرة العكيدات السورية، وأن أهم تلك الغزوات ما قامت به قبيلة شمر ومهاجمتها ونهبها قافلتين قادمتين من دمشق وتحملان السلاح، والذي سبب ارباك الوضع على الحدود، فضلاً عن اثارة مسألة تهريب الأسلحة بين العراق وسورية مما دفع السلطات الفرنسية الى التصدي للقوافل المارة من سورية الى العراق وبالعكس، وتفتيشها من أجل الحد من تلك الظاهرة.
مؤتمر القائم:
اقترحت السلطات البريطانية في العراق عقد مؤتمر من أجل وضع حد لمنازعات العشائر يجتمع بموجبه شيوخ العشائر المتنازعة من أجل توطيد الاستقرار على الحدود وفضلت اختيار القائم مكاناً لعقد ذلك المؤتمر، وأخذ مستشار وزارة الداخلية كينهان كورنو اليس يتابع التقارير الواردة الى وزارة الداخلية عن تلك الأحداث وعمل على اتخاذ الاجراءات اللازمة من أجل عقد ذلك المؤتمر، وأصدر بعض الأوامر إلى المفتش الاداري في لواء الدليم من أجل اطلاعه على مجريات الأحداث وجلسات ذلك المؤتمر الذي انعقد في السادس من أيار 1923، وحضره الممثلون البريطانيون والعراقيون وشيوخ الدليم إلا ان شيوخ العكيدات وممثلوا دمشق لم يحضروه في ذلك الوقت فطلبت وزارة الداخلية من المفتش الاداري توضيح أسباب عدم حضور ممثلي دمشق، وأبدت مخاوفها من امتناع شيوخ العكيدات من حضور المؤتمر، وبالتلي عدم التوصل الى تسوية، الا ان اللفتنانت الفرنسي (تي ريه) أرسل كتاباً أوضح فيه سبب عدم حضور ممثلي دمشق وشيوخ العكيدات وأكد على حضورهم في اليوم التالي أي في السابع من أيار 1923م، وفي مثل ذلك اليوم وصل الممثلون الفرنسيون والسوريون إلى القائم، ومن ثم وصل علي السليمان شيخ الدليم يرافقه عفتان الشرجي، ثم افتتح المؤتمر أعماله مما أدى الى ارتياح الحكومة العراقية وازاة الشك الذي انتابها اثر غياب ممثلي دمشق.
أوضح اللفتنانت (تي ريه) خلال المفاوضات ان شيوخ عشائر العكيدات كانوا غير راغبين بالمجئ إلى المؤتمر بسبب عقده في القائم، معللاً سبب ذلك بأنهم سوف يضطرون إلى المرور أمام أعدائهم وطلبوا عقد المؤتمر على الحدود، الا انه لم يقبل بذلك الاقتراح.
طلبت وزارة الداخلية من المفتش الاداري في لواء الدليم طرح فكرة اجراء التحكيم بين العشائر من أجل حسم النزاع القائم بينها، وقبل الطرفان بعد ذلك بتحكيم عجيل الياور شيخ عشيرة شمر وفهد الهذال شيخ عشيرة عنزة وعلى اثر ذلك قرر المرتمرون قبول ما اتفقت عليه العشائر بجعل عجيل الياور وفهد الهذال محكين على ان يتم حسم الخلافات بموجب قانون العشائر وان تعرض القرارات التي يتوصلان اليها على المؤتمر للمصادقة عليها وحضور متصرفي الدليم العراقي والدير السوري لجلسات المؤتمر بمثابة فاحصين، وبعد مفاوضات متعددة اتفق الطرفات على اتباع قرار محكمي العشائر واجتمع رؤساء الدليم أمام المحكمين، الا ان حدوث طارئ سببه اختلاف شيوخ العكيدات في حسم خلافاتهم الداخلية أدى الى طلب متصرف الدير السوري تأجيل جلسة المؤتمر التحكيمية الى اليوم التالي حتى يتمكن من حسم النزاع القائم بين شيوخ العكيدات، وفي خضم تلك التطورات أوصت وزارة الداخلية المفتش الاداري في لواء الدليم أن يبلغ المتصرف ليعمل على كسب ود شيوخ عشائر الدليم من أجل تفادي ما وصل اليه حال عشيرة العكيدات وللرغبة في عدم توقف أعمال المؤتمر مرة أخرى.
في تلك الأثناء أعيد عقد الجلسة التحكيمية في 11 أيار 1923م، حيث حضرها متصرفا الدليم والدير والشيوخ المحكمون ورؤساء عشائر العكيدات والبوسرايا والبقارة السورية، ورؤساء عشائر الدليم والجغايفة العراقية، وفي تلك الأثناء انتخب علي السليمان شيخ الدليم مع بعض الشيوخ للتفاوض في ما بينهم ثم أخبر علي السليمان المؤتمرين بأنهم يرغبون في حسم خلافاتهم فيما بينهم من دون محكيمن، ومن ثم قرر رؤساء الشيوخ العراقيون والسوريون، الصلح ودفن الماضي من دون تعويض القيمة المنهوبة من هجمات العشائر مما أدى الى امتعاض الحكومة العراقية من جراء ذلك وعقد موافقتها على ذلك الحل بصفته حلاً وقتياً وأن تلك العشائر سوف تقوم بالغزو مجدداً وأنهم سوف يقتتلون من جديد على أبسط الأسباب.
وطلبت وزارة الداخلية من متصرف لواء الدليم والمفتش الاداري هناك عرض ذلك على الفتنانت (تي ريه)، الذي وجد بدوره انه من المستحيل الموافقة على تنظيم صورة نصوص الصلح بين كلا العشيرتين والتي لا تضمن حسم الحقوق المتنازع عليها سابقاً، ولاسيما المنهوبات ومسألة الأرض.
في تلك الأثناء حدث مالم يكن في بالحسبان، حيث ظهرت جماعة كبيرة من الخيالة من عشيرة الدليم يحملون الاعلام والبنادق أمام المكان الذي عقد فيه المؤتمر مما أدى الى مغادرة شيوخ العكيدات تاركين القائم متوجهين الى البوكمال داخل الأراضي السوري الأمر الذي أدى الى فض المؤتمر وانهاء عقد جلساته، فأدت تلك الحادثة الى عدم رضا الحكومة العراقية على تصرف أفراد عشيرة الدليم وطلبت من متصرف الدليم تقديم اعتذار رسمي الى السلطات الفرنسية من أجل عقد المؤتمر مرة أخرى، الا ان الممثلين الفرنسيين رفضوا عقد مؤتمر او اجتماع آخر، بعد الالحاح الشديد، وافقوا على المصادقة على اية مفاوضات يتم التوصل اليها فيما يخص الطرق التجارية.