شهادات ومذكرات
محمود جديد: أكاذيب وحقائق عن صلاح جديد -الحلقة الرابعة
محمود جديد – الحوار المتمدن العدد 4428 تاريخ 18 نيسان 2014
اتّخذ الكثير من القوى والأحزاب والأفراد من اللجنة العسكرية قاعدة انطلاق لهجوم طائفي مركّز على محمد عمران وصلاح جديد وحافظ أسد، وقد نال المرحوم صلاح قسطاً كبيرا من ذلك ، حيث اعتبروها أسّ البلاء والكوارث التي عاشتها وتعيشها سورية منذ أكثر من خمسين عاماً ..
حقائق : 8
كان صلاح جديد عضواً مهمّاً في اللجنة العسكرية منذ إعادة تأسيسها عام 1960 وحتى حلّها ، ولذلك سأستعين بالحقائق الدامغة التي تقوم على الأسماء والتواريخ والمراحل ، وليس بالدحض النظري الإنشائي كما فعل خصومها :
– في ظلّ سوء إدارة حكم نظام الوحدة في سوريّة، والأجواء البوليسيّة التي كانت قائمة ، وتهميش قاعدة وكوادر حزب البعث المدنيّين والعسكريّين ، وخوفهم على مستقبل الوحدة ، واعتماد عبد الحكيم عامر على ضبّاط سوريين غير وحدويّين ، أو انتهازيين ، وضباط مصريّين محترفين ، التقى عدد من الضباط البعثيّين من ذوي الرتب الأعلى المتواجدين في القاهرة وشكّلوا اللجنة العسكريّة الأولى ، بهدف تنظيم الضبّاط البعثيّين وحمايتهم من الاحتواء والابتلاع من قبل مخابرات الوحدة ، وخاصّة بعد أن تمّ حلّ حزب البعث في سورية ، وقد ضمّت كلّاً من الضباط : العقيد بشير صادق رئيساً ، وعضويّة مزيد هنيدي ، وممدوح شاغوري ، وعبد الغني عيّاش ، ومحمد عمران الأصغر رتبة …
وبعد فترة قصيرة نُقِلَ أربعة منهم إلى السلك الدبلوماسي ، وبقي عمران وحيداً ، ممّا دفعه لإيجاد اللجنة الثانية البديلة من النسق الثاني من الضبّاط البعثيين ، وتشكّلت بناءً على أسس الأقدمية والتواجد في القاهرة ، والاختصاص العسكري ، وجاءت على الشكل التالي :
المقدّم محمدعمران رئيساً ، وضمّت صلاح جديد ، عثمان كنعان ، عبد الكريم الجندي ، أحمد المير ، منير الجيرودي ، حافظ الأسد ( مدرعات ، مدفعية ، مشاة ، طيران ) ..
وشاءت الصدف أن حضرت لقاءات بعضهم مع المرحوم صلاح جديد في منزله لأنّني كنت أسكن معه في بناية واحدة ، وطابق واحد ، ولم أسمع من أحدهم كلمة أو عبارة يُشتمّ منها أيّ نفس طائفي على الإطلاق ، وكان همّهم الوطني ، وغيرتهم وحرصهم على الوحدة هو هاجسهم الطاغي على كلّ نقاشاتهم …
اللجنة العسكرية رقم 3 :
بعد جريمة الانفصال في أيلول عام 1961 عاد الضباط السوريّون الى دمشق ، وبعد فترة قصيرة قامت سلطة الانفصال بتسريح 63 ضابطاً معظمهم من البعثيّين ، وشملت جميع أعضاء اللجنة العسكرية رقم 2 ، ولكنّهم بقوا داخل سوريّة ، غير أنّ الظروف الجديدة والضرورة فسحت المجال لتوسيع دائرة اللجنة من رفاق آخرين نجوا من التسريح فأُضِيف إلى تشكيلة اللجنة السابقة كلّ من : الرائد حمد عبيد ( جبل العرب ) ، الرائد موسى الزعبي ( درعا ) ، النقيب محمد رباح الطويل ( مدينة اللاذقية ) ، والنقيب المسرّح حسين ملحم ( إدلب ) ..
وكانت اللجنة حتى ذلك التاريخ بعيدة عن الاتهامات الطائفية ، أو استقطاب الأجنحة داخل حزب البعث الذي تبعثر نتيجة حلّ نفسه كمهر للوحدة … وبعد المحاولة الانقلابية الوحدوية بقيادة العقيد جاسم علوان في 28آذار / مارس / عام 1962 ، والتي شارك فيها الضبّاط البعثيّون بفعاليّة تمّ اعتقال معظم أعضاء اللجنة ، وبقي رئيسها محمد عمران في السجن حتى قبيل قيام حركة 8 آذار ، وخلال فترة اعتقاله استلم صلاح جديد رئاستها حسب تسلسل الأقدمية ، واستمرّت في التعاون مع الضباط الوحدويين الآخرين لإسقاط حكم الانفصال ، وهذا ما تمّ في 8 آذار / 1963 ..
اللجنة العسكرية رقم 4 ( في مرحلة السلطة ) :
استعرضنا حتى الآن تشكيل اللجان العسكرية قبل وصول حزب البعث إلى السلطة ، وحتى هذا التاريخ لم ينطق اي مخلوق حرفا واحدا يمس نزاهة ووطنية هذه اللجنة وبعدها عن الطائفية وسواها من الأمراض الاجتماعية ، علماً أنّ عدد أعضائها الذين وُلِدوا في الطائفة العلوية لم يتجاوز الثلاثة في كلّ مراحل تشكيلها ، وتقلّص هذا العدد لاحقاً ، وكان جميع أعضائها ضبّاطاً وطنيّين مخلصين وأكفّٰ-;—;–اء ، ولم يكونوا نكرات أو أمعات ، سواء اختلفنا أو اتفقنا سياسيّاً مع هذا أو ذاك فيما بعد …
بعد أن وصل البعث إلى السلطة عام 1963 أُعِيْدَ تشكيل اللجنة العسكرية من خلال إضافة الضباط :
العميد أمين الحافظ ، أحمد سويداني ، سليم حاطوم ، مصطفى الحاج علي ، توفيق بركات ، وبذلك صار عددها 16ضابطاً ، وبرئاسة العميد أمين الحافظ الأقدم بينهم .. وبقي من ضمنها ثلاثة ضبّاط وُلِدوا في الطائفة العلوية ، ولم يُتَّهم أحد منهم حتى تاريخ تشكيلتها الجديدة بالطائفيّة ، وكانت الاعتبارات الحزبية والنضالية والعسكرية هي السائدة فيما بين أعضائها … وفي عام 1964 تمّ إبعاد محمد عمران كما أشرت في حلقات سابقة .
بقيت اللجنة العسكرية متكاتفة متضامنة عندما كان الحزب يخوض صراعاً مع الآخرين داخليّاً وخارجيّاً ، وبعد أن استكمل انفراده بالسلطة ، وتربّع أمين الحافظ على عروش السلطات التنفيذية والعسكرية والأمنية والحزبية من خلال جمعه رئاسة الدولة ، ورئاسة الوزراء ، والقائد الأعلى للجيش للقوات المسلّحة ، ورئيس اللجنة العسكرية ، والأمين القطري لحزب البعث .. ونعتبر تمركز السلطات بيد شخص كان خطأً ، و سيوصل إلى الدكتاتورية كما علّمتنا دروس وعبر التاريخ …
وفي آذار عام 1965 حلّ المؤتمر القومي الثامن لحزب البعث اللجنة العسكرية رسميّاً واستُبدِلَت بمكتب عسكري تابع للقيادة القطرية ، وتمّ تشكيله من سبعة ضبّاط منتخبين من مؤتمر عسكري هم : المقدّم موسى الزعبي ، المقدّم مصطفى طلاس ، المقدّم حسين ملحم ، الرائد محمد رباح الطويل ، الرائد جمال جبر ، الرائد طالب خلف ، الرائد عبدو الديري .. ومن سبعة بحكم المنصب العسكري : قائد الجيش ، رئيس الأركان ، وقائد القوى الجويّة ، وقائد القوى البحريّة ، وقائد الجبهة ، ومدير إدارة المخابرات العسكرية ، ومدير إدارة شؤون الضباط ، وأصبح هذا المكتب بشقّيه يشكّل لجنة شؤون الضبّاط في قيادة الجيش المسؤول عن ترفيع ونقل الضباط وأيّة مسائل أخرى تتعلّق بأمورهم … وهكذا يبدو بوضوح موثّق أنّ صلاح جديد لم يكن منفرداً بسلطة عسكرية مطلقة في الجيش كما يطرح المغرضون والمُضٓ-;—;–لّلون …
ملاحظات واستنتاجات حول اللجنة العسكرية ، وتوظيفها سياسيّاً :
1 – كان عمر اللجنة العسكرية في ظلّ السلطة عام ونصف العام فقط ، ولم تستمرّ متماسكة سوى أشهر قليلة ، واستلم أمين الحافظ رئاستها منذ بداية حكم الحزب ، وبالتالي ، فإن إضفاء الطابع الطائفي عليها يعتبر باطلاً وظالماً ، وتوظيفاً خبيثاً في أمور خارجة عن هدف تشكيلها ، والمسار الذي أخذته …
2 – ساهمت اللجنة العسكرية بفعالية للوصول إلى السلطة ، وسُرِّحتْ ، وسُجِنَتْ ، وعلى الرغم من ذلك قدّمت الحكم على طبق من فضّة للقيادة القومية ( عفلق – البيطار ..) والذي كان تنظيمها لا يتعدّى خمسمائة عضو في سوريّة .. وكان بإمكنها الاستئثار بها ، مع العلم أنّ اللجنة العسكرية كانت تمتلك في جعبتها الكثير من الملاحظات على تلك القيادة ، ولكنّها فضّلت اتّباع أفضل الطرق الحزبية …
3 – لم تصل مجموعة عسكرية للسلطة في أيّ بلد في العالم إلّا وكان لها دور مثل دور هذه اللجنة وأكبر في الحياة السياسية ( في مصر – العراق – الجزائر – اليمن – دول العالم الثالث قاطبة ) ، واللجنة العسكرية لم تكن محصّنة من الخطأ ، وكان السماح بتمركز السلطات بيد شخص واحد أيّ كان من أكبر أخطائها ، وسابقة لا مبرّر لها .
4 – إنّ السبب الرئيسي لاستهداف اللجنة العسكرية ودورها في تاريخ سوريّة كان الإساءة إلى المرحوم صلاح جديد ورفاقه في حركة 23شباط ، وقطع الطريق على مشروعهم الاستراتيجي لبناء تجربة جديدة متميّزة في الحكم وقادرة على الإشعاع والاستقطاب والجذب في الوطن العربي تقود الأمّة العربية على طريق توحيد أقطارها ، وتحرير أراضيها المحتلّة في فلسطين وخارجها ، وإنصاف الجماهير الشعبية الفقيرة والكادحة.
5 – عملت القوى المعادية لأمّتنا وحلفاؤها وأتباعها ، وعملاؤها على شيطنة اللجنة العسكرية ، وتصويرها لجنة سريّة يحرّكها صلاح جديد بإصبعه تنفيذاً لمخطّط طائفي ، لصالح المخططات الأجنبية .. هذا مع العلم ، أنّ المرحوم صلاح جديد كان قد اكتشف مخاطر الطائفية مبكّراً ، وعمل جاهداً على محاربتها ، ولكنّ نقص الوعي السياسي عند بعض الرفاق ، ومجمل الظروف الذاتية والموضوعية الأخرى كانت الأقوى .. وقد استشعر بالأزمة الراهنة في سورية منذ ارتداد حافظ الأسد عن الخط اليساري للحزب ، ومراهناته السياسية والاقتصادية على الأنظمة الرجعية العربية والغرب واعترافه بقرار مجلس الأمن رقم 242، وتدخّله في لبنان عام 1976 …وكان المرحوم صلاح في كلّ زيارة له في السجن عندما تخبره أسرته عن تردّي الأحوال في القطر يقول لها : ” القادم هو الأصعب والأدهى “..
أكاذيب : 9
مسؤولية صلاح جديد وباقي القيادة السياسية عن إعلان سقوط القنيطرة في حزيران 1967.
حقائق : 9
تخلّى صلاح جديد عن رئاسة الأركان في خريف عام 1964 ، وتفرّغ للعمل الحزبي كأمين قطري مساعد للحزب ، ولم يكن له علاقة مباشرة يومية بتسيير أمور الجيش على الإطلاق .. وبعد حوالي ثلاث سنوات حدث العدوان وأصدر حافظ الأسد بلاغ سقوط القنيطرة دون استشارة أحد من القيادة السياسية .. وعندما علم صلاح جديد لاحقاً بالخرق اقترح إغلاقه والتصدّي له بالمجموعة القتالية المكوّنة من اللواء 70 المدرّع وكتيبة مشاة ميكانيكية مفرزة له من اللواء 25 ( اللواء نفسه الذي كنت أخدم فيه قائد كتيبة آنذاك والمتمركز في معسكرات قطنا ) وكتائب مدفعية ووحدات هندسة .. الخ ، وكان المرحوم العقيد عزّت جديد قائداً لهذه المجموعة ، ومشهوداً له بشجاعته وكفاءته العسكرية ، ويُعتبٓ-;—;–ر اللواء الذي كان يقوده أفضل ألوية الجيش تدريباً وتسليحاً آنذاك ، وهذه المجموعة القتالية كانت تشكّل احتياط الجبهة مهمتها القيام بالهجمات المعاكسة على العدو المخترق لدفاعات الجبهة ، وقد تمركزت في منطقة الصرمان الواقعة شمال شرق القنيطرة وعلى مقربة منها .. وهنا ، أقول للذين كانوا يتّهمون قيادة الحزب بأنّها احتفظت باللواء 70 المدرّع في دمشق للدفاع عن نفسها آنذاك أنّكم تفترون على الحقيقة والتاريخ … كما أشهد بأنّ هذا اللواء قد انسحب انسحاباً منظّماً تنفيذاً لأوامر قيادة الجيش ، ولم يترك شيئاً من عتاده سوى بعض المركبات التي دمّرها الطيران الإسرائيلي ، وعاد جنوده وضبّاطه باستثناء الشهداء نتيجة القصف الجوّي ( أعيدت جثثهم ) ، وقد سلك طريق القنيطرة – سعسع – دمشق وعٓ-;—;–بٓ-;—;–ر الموضع الدفاعي التي كانت كتيبتي متمركزة فيه على هذا الطريق ، وشاهدت الانسحاب بأمّ عينيّٰ-;—;– ..
وكخلاصة لما تقدّم عرضه ، لم تكن القيادة السياسية ومن ضمنها صلاح جديد لها علاقة ببلاغ سقوط القنيطرة على الإطلاق ، ولكنّها مسؤولة معنوياً وسياسيّاً عن الهزيمة العسكرية لكونها تُعتبر السلطة العليا الحاكمة في القطر السوري …
وأخيراً ، نستطيع القول : إنّه جرى توظيف سياسي وطائفي لموضوع اللجنة العسكرية ، ومبالغة في دورها ومداه الزمني ، وتشويه لتكوينها والهدف منه الإساءة لصلاح جديد لشيطنته ظلماً وللحزب الذي ساهم في قيادته ، وطمس مناقبيته العالية والأهداف التي سعى لتحقيقها مع رفاقه في ظلّ قيادة جماعية حقيقية قبل ازدواجية السلطة من خلال بروز ظاهرة حافظ الأسد بوضوح في عام 1968وصولاً إلى ردّته التشرينية عن الخط اليساري للحزب عام 1970 ..
في : 18 / 4 / 2.14