بدأ جميل بك الحياة السياسية منذ وصوله إلى باريز في مطلع القرن العشرين فانتسب إلى كلية العلوم الزراعية، وانتسب في الوقت نفسه إلى معهد العلوم السياسية في باريز.
في عام 1911 أسس بالاشتراك مع مجموعة من الشباب المثقف جمعية سرية سميت “جمعية العربية الفتاة” في مدينة باريز وذلك لتحرير الأرض العربية من الهيمنة العثمانية والأجنبية، حيث ورد اسمه عضواً مؤسساً برقم 103 ورمز “N, R” 13 [13]، ولعبت هذه الجمعية الدور الأساسي والمحرك للحياة السياسية السورية حتى سقوط حكم المغفور له الملك فيصل الأول ابن الحسين الهاشمي عام 1920 م. وكان جميل بك يشغل وظيفة أمين السر المساعد، وكانت مهمته تنسيق الجهود وتصنيف المطالب الوطنية.
في عام 1913 وبدافع من “جمعية العربية الفتاة” بادر جميل مردم بك عن دمشق مع زملائه: عبد الغني العريسي عن بيروت، عوني عبد الهادي عن نابلس، محمد المحمصاني عن بيروت، توفيق فائد عن بيروت، للتحضير والدعوة إلى مؤتمر باريز المعروف “بالمؤتمر العربي الأول”، فعمل كمنسق عام لأعمال المؤتمر. وورد في كتاب “المؤتمر العربي الأول قضايا وحوارات النهضة العربية” منشورات وزارة الثقافة 1996 دمشق ط 2 محمد كامل الخطيب:
المؤتمر العربي الأول
انعقد المؤتمر في القاعة الكبرى للجمعية الجغرافية الفرنسية بشارع سان جيرمان (Rue St Germain).
وأراد أصحاب فكرة المؤتمر أن يعلموا مكان هذه الفكرة من الأهمية في نفوس الأمة العربية ففاوضوا في ذلك الأديب الكبير شكري غانم وندرة مطران وغيرهما، ثم دعوا أقرب الناس إليهم من أبناء هذه الأمة وهم الجالية العربية في باريز، وكاشفوهم في ذلك فوجدوا منهم استحساناً وتنشيطاً.
وبالفعل جرى انتخاب لجنة من هذه الجالية لمخابرة زعماء النهضة العربية في الأقطار، وقد تم انتخاب أعضاء اللجنة من الجالية العربية في باريز:
شكري غانم ـ عبد الغني العريسي ـ ندرة مطران ـ عوني عبد الهادي(1) ـ جميل مردم بك ـ شارل دباس ـ محمد المحمصاني ـ جميل معلوف وكان من أهم أعمال اللجنة التحضيرية مراسلة الجماعات العربية الكبرى في كل جهة ومفاوضتهم في هذا الأمر. وفي 11 آذار تقرر ربط هذه اللجنة بحزب اللا مركزية في مصر بصفة رسمية.
وتم وضع خطة المؤتمر وما سيجري فيه من المباحث على مشهد من أبناء الوطن وبعض كبار السياسيين الأوروبيين وممثلي الصحف الأوروبية، وهذه هي المسائل التي كانت أساس المذكرات:
1 ـ الحياة الوطنية ومناهضة الاحتلال التركي.
2 ـ ضرورة الإصلاح على قاعدة اللا مركزية.
3 ـ المهاجرة من وإلى سورية.
على أن تكون المراسلات باسم كاتب اللجنة عبد الغني العريسي وهذا عنوانه:
Abdul – Gani Araissi, 17 Rue Claude Bernard Paris
نجحت فكرة المؤتمر نجاحاً بيّناً ولم يخرج المؤتمر عن الخطة التي رسمت له. ومع أنه أول مؤتمر قام به العرب العثمانيون فقد كان له مسحة من الجمال والكمال والتنسيق أعجب الغريب والقريب وقد ذكر ذلك محب الدين الخطيب(1) السكرتير الثاني للجنة العليا لحزب اللا مركزية.
لم تكن خطورة المؤتمر في عدد الأعضاء، إنما في قوتهم التمثيلية، كما في نوعية بعضهم وقوتهم السياسية، وفي الآراء التي طرحها والمواضيع التي عالجها.
حظي المؤتمر بتأييد عربي واسع وشامل، وذكرت الكتب التاريخية حول هذا المؤتمر بأن الجالية العربية في باريس هي التي شكلت لجنة تحضيرية ودعت إليه، أو أن مجموعة من الشبان العرب الذين يدرسون في باريس دعوا أبناء الجالية إلى تشكيل لجنة لعقد المؤتمر، ونوهت بعض المصادر فقط إلى دور «الفتاة» وأهميتها في اللجنة التحضيرية.
وقد وردت إلى المؤتمر برقيات ورسائل تأييد ومؤازرة، وردت من دمشق تحمل تواقيع عدد كبير من الوجهاء أذكر بعضهم:
صلاح الدين القاسمي ـ عبد الرحمن الشهبندر ـ محمد كرد علي ـ عثمان مردم بك ـ عبد الوهاب الإنكليزي ـ لطفي الحفار ـ رشدي الحكيم ـ أديب مردم بك ـ منيف العائدي ـ توفيق الحلبي.
تحمل تاريخ 20 أيار سنة 1913.
كذلك ورد من بيروت رسالة بتاريخ 6 أيار سنة 1913 تحمل العنوان التالي:
” مِن فتى نبيل”لجناب لجنة المؤتمر العربي.
تلقينا بملء الارتياح تلك النشرة الشريفة بل الدرّة الثمينة التي ترصع بها عقد الأمة العربية وتحلي جيدها.
أجل أيها الكرام، إن لذة الإصلاح لأكبر من كل لذة، وإن تلك لهي الغاية التي تطمئن إليها كل نفس عربية، خصوصاً نفوس السوريين الذين ظلوا يتحملون نتائج تفرقهم حتى قامت لجنتكم تدعو كل الجمعيات والجماعات العربية إلى التضافر والتقدم معاً نحو الإصلاح. وها أنتم ترون وطنكم الآن يزحف كله إليكم بأفئدته طامح للإصلاح والمجد، ولا غرو فنفس العربي طمّاحة إلى العلاء لأنها تغذت بسير رجالها الكثيرين وبأخبار أبطالها العديدين، وحسبها فخراً حكم الراشدين وعدل ابن عبد العزيز ومدنية عصر الرشيد وعلوم عهد المأمون. وإن أمة تعرف من رجالها مثل هؤلاء جدير بها أن تكون أبيّة الضيم مبغضة للجهل والفوضى.
على أننا مع ما اتصّفنا من هذا القبيل كنا محتاجين إلى الاتحاد فجاءت دعوتكم مذكرة جمعياتنا بهذا الواجب المحتم، فما أجملها برهة حققت تلك الأحلام، وما أكرمها ساعة أوحى فيها الله لِشُم الأنوف كبار النفوس أن يهبّوا من مكامنهم ويجردوا من عزيمتهم صمصامة بيضاء كفلق الصبح تكشف الظلام عن عيون هذه الأمة.
لذلك نحن نشكركم ونحييكم ونهتف لكم بلسان كل ناطق بالضاد وكل من تجول في رأسه نخوة عربية.
فليحيى الإصلاح، ولتحيى الحرية، وليحيى مجد العرب
أخوكم في الوطنية
علي حيدر مردم بك .