تعد الجمعية العربية الفتاة السريّة من أهم الجمعيات العربية التي ظهرت ونمت وتطورت في البلاد العربية قبل الحرب العالمية الأولى.
هي جمعية سرية اختلفت الروايات حول تاريخ تأسيسها ونشوئها حتى في أقوال وكتابات بعض أعضائها المؤسسين.
يقول الدكتور أحمد قدري وهو من الأعضاء المؤسسين لهذه الجمعية في مذكراته عن الثورة العربية الكبرى: “إننا بدأنا في تكوين جمعية العربية الفتاة بعد إعلان دستور 1908 بأربعة أيام لا أكثر”.
ويقول عزت دروزة والأمير مصطفى الشهابي وهما من الأعضاء المؤسسين أيضاً: أن الجمعية تشكلت عام 1911. أما أحمد عزت الأعظمي فيقول: تأسست عام 1909 م.
أما الأستاذ عوني عبد الهادي وهو عضو بارز في هذه الجمعية فيقول: كنت وزملائي محمد رستم حيدر والدكتور أحمد قدري نلتقي في الأستانة عند إعلان الدستور عام 1908 م وقد هالنا تعصب أعضاء (تركيا الفتاة) الذي أصبح فيما بعد (حزب الاتحاد والترقي) وتحديهم للعرب والتهجم على القومية العربية، وعلى هذا الأساس تداولنا حول مشروع تشكيل جمعية سرية عربية قومية في مواجهة (تركيا الفتاة ـ الاتحاد والترقي) وتهدف إلى استقلال أمتنا العربية عن الأمة التركية. فصممنا على تشكيل هذه الجمعية بشكل سري. ولم يكن للجمعية قانون ولا رئيس في الأستانة بل كانت فكرة يتداولها (عوني عبد الهادي ـ ومحمد رستم حيدر ـ والدكتور أحمد قدري)، وعندما توجهوا إلى أوروبا عام 1909 تعاهدوا في باريز على تحقيق فكرتهم وانضم إليهم جميل مردم بك وغيره من الشباب العرب في باريز وتنادوا إلى عقد المؤتمر العربي الأول الذي انعقد عام 1913 م.
مارست جمعية العربية الفتاة نشاطها السري، وكان الاتصال فيما بين الأعضاء عن طريق (معتمد) وهو المسؤول عن الاتصال بين الأعضاء، وكان الاتصال بين المركز والمعتمدين والأعضاء الآخرين يجري بسرية تامة حتى أن أكثر الأعضاء لم يكونوا يعرفون أعضاء المركز ولا المعتمدين شخصياً بالرغم من كثرة عددهم حتى قيل بأنهم كانوا أكثر من مئتي عضو إضافة إلى الأمير فيصل ابن الحسين الهاشمي.
كان معظم أعضاء الجمعية من الشباب المثقف الذين يحملون أفكاراً ثورية وينتسبون إلى الطبقة الوسطى بصورة عامة.
يشير محب الدين الخطيب في مذكراته: «كنا نفضل استقطاب أبناء الذوات بدلاً من أن يستقطبهم غيرنا وكان من نصيبي الشهابيون وقد انتسب أكثرهم بجمعية الفتاة عن طريقي»، كما أن جميل مردم بك تساءل مرة أمام خير الدين الزركلي (وهو من الأعضاء المؤسسين للجمعية) قائلاً:
«لا أعلم والله حتى الآن هل أراد محب الدين الخطيب لنا الخير أم أراد لنا الشر بإدخالنا مجال العمل السياسي، إن المال متوفر والحمد لله والجاه موجود وكل ما جنيناه هو التعب»
تقسيم أعضاء جمعية العربية الفتاة:
تم تقسيم أعضاء الجمعية إلى أعضاء مؤسسين وأعضاء غير مؤسسين وذلك بسبب كثرة الأعضاء، وأصبح أكثر المتربعين في الوظائف الكبرى الرئيسية في الحكومة من أعضائها لذا رُؤي تقسيم الأعضاء إلى قسمين:
آ ـ من دخل الجمعية قبل دخول الجيش العربي (الفيصلي) إلى دمشق اعتبر عضواً مؤسساً وله الحق بمعرفة جميع الأعضاء، وأن ينتخب الهيئة الإدارية في كل سنة.
ب ـ من دخل الجمعية بعد دخول الجيش العربي دمشق، اعتبر عضواً عادياً مع جواز تحويله إلى عضو مؤسس بطريق الاستثناء، وبقرار من لجنة خاصة.
وقد عقدت هذه اللجنة جلسة خاصة في 13/05/1920 استثنت فيها الأعضاء العاديين واعتبرتهم أعضاء مؤسسين فكان بين هؤلاء الأعضاء:
محمد النحاس ـ سعيد المنلا ـ عادل أرسلان ـ عارف نكد ـ يوسف العظمة ـ صالح قمباز ـ عبد الحميد كرامة ـ عبد الرحمن الشهبندر ـ محمد رضا بك مردم بك . ولم تأخذ الجمعية إطلاقاً بما يسمى “عضوية الشرف” فكل أعضائها كانوا أعضاء عاملين.
وقد أنشأت الجمعية لجان على المستويات كافة جرى تحديد مسؤولياتها والعلاقة بينها، وقد تم انتخاب أعضاء هذه اللجان وتم تحديد أمين سر وأمين صندوق لكل واحدة منها.
كما تشكلت لجنة وطنية عليا منبثقة عن “جمعية العربية الفتاة” ومن أقطاب هذه اللجنة. رئيسها الأستاذ كامل قصاب والأستاذ محب الدين الخطيب الكاتب العام، أما أعضاء الهيئة منهم:
سامي باشا مردم بك ـ نسيب حمزة (الحمزاوي) ـ عبد القادر الخطيب ـ عوني القضماني ـ الشيخ عيد الحلبي ـ أسعد المالكي ـ شكري طباع ـ عبد القادر سكر ـ أسعد المهايني ـ محمد النحاس ـ جميل مردم بك.
ومما قاله جمال باشا عن هذه الجمعية وخطورتها على الدولة العثمانية:
«إذا استطاعت هذه الجمعية بأعضائها العسكريين أن تحدث تمرداً في صفوف الجيش لما كانت لديّ وسيلة لمنع الثورة وتسكينها!!…»
ومما قاله أيضاً بهذا الموضوع:
«يجب علينا أن لا نتهاون بهذه البوادر التعصبية للفكرة العربية، علينا ألا ندع الضباط العرب يستريحون من العناء، ويتحتم دائماً إبقاؤهم خارج البلاد».