شهادات ومذكرات
محمود جديد: أكاذيب وحقائق عن اللواء صلاح جديد – الحلقة الثانية
محمود جديد – الحوار المتمدن العدد 4418 الثامن من نيسان 2014
قد يظنّ البعض ، أنّ دفاعي عن المرحوم صلاح ينطلق من اعتبارات عائلية ، أو منفعية سابقة كردّ للجميل .. وهنا أوضّح ما يلي : على الرغم من القرابة المركّبة التي تجمعنا والتي أعتزّ وافتخر بها ، إلّا أنّ قرابتي الحقيقية معه هي المبادئ والأهداف التي تجمعنا ، والخط السياسي والفكري الذي آمنّا به ، بغض النظر عن المطبّات والأخطاء التي حدثت أثناء فترة الحكم وإيجاباته وسلبياته …
أمّامن حيث المنافع ، فلم أسعٓ-;—;—–;——-;—- في يوم من الأيام ، ( ولن أسعى ما حييت ) للحصول على منافع خاصة تتجاوز مثقال ذرة حقوقي المشروعة ، سواءفي في فترة حكم الحزب أم بعدها، لا بل كنت في بعض الأحيان لا أنال ما أستحقّه من حقوق ، وأصمت حتى لا يفهمني البعض خطأً ، و أُسِيء للمرحوم عن غير قصد ، وفي الوقت نفسه ، كان بدوره يرفض تأمين مكاسب لأحد مهما كان قريباً أو صديقاً ( وهذا ما سأبرهن عليه لاحقاً) …
الأكاذيب رقم : 4
“يتّهمه العديد من السياسيين ، والكثير من الُمضللين بأنّه هو الذي سرّح عدداً كبيراً من أبناء الطوائف الأخرى لانتمائهم الطائفي ، وجلب عدداً من أبناء طائفته بدلاً عنهم … ”
الحقائق : 4
– لم تبتدئ التسريحات من ( ثورة ) آذار فقط ، بل شهد الجيش السوري موجات عديدة من التسريحات منذ الاستقلال في عام 1946 وحتى قيامها ، وخاصّة في أيّام الوحدة مع مصر ، وفترة الانفصال .. وبالتالي ليست بدعة جديدة بعثّية …
– كان المرحوم صلاح عضواً في مجلس قيادة الثورة ، واللجنة العسكرية ، وعمل نائباً لإدارة شؤون الضبّاط ثمّ مديراً لها لوقت قصير ، ولاحقاً رئيس أركان الجيش لأشهر قليلة وقد تخلّى عن هذا المنصب طواعية ، وهذا قلّما يحدث في العالم الثالث ، لأنّه لم يكُ من اللاهثين وراء التمسّك بالسلطة بل كان يمتلك مشروعاً وطنيّاً قوميّاً تقدّمياً يسارياً حقيقياً، ، وهذا المشروع يحتاج إلى حزب موّهل لتحمّل هذه المسؤولية الجسيمة ، ولم يكن حزب البعث بالمواصفات المطلوبة نتيجة حلّه أيّام الوحدة وتمزّقه والخلل في بنيته التنظيمية من الأساس ، فلذلك تفرًّغ للعمل الحزبي كأمين قطري مساعد بهدف السعي لبناء الأداة الحزبية الثورية المنشودة …
ومن خلال المناصب التي احتلّها لم ينفرد في يوم من الأيّام بقرار التسريحات التي تمّت ، ولم يكن يملك صلاحية ذلك لوحده، بل كان يشاركه في ذلك رفاقه العسكريون على الخصوص داخل اللجنة العسكرية وخارجها ، وكذلك اولئك الضباط القادة والمسؤولون الذين يحتلون مناصب عليا لها علاقة بموضوع التسريح أو الاستدعاء إلى الخدمة مثل المخابرات العسكرية ورئاسة الأركان وقيادة الجيش ورئاسة الدولة .. وعقب سقوط حكم الانفصال كان الفريق لؤي الأتاسي هو رئيس مجلس قيادة الثورة والجيش والدولة ، وخلفه الفريق أمين الحافظ ، وكان اللواء زياد الحريري رئيس الأركان ، وهؤلاء جميعاً شاركوا في اتخاذ القرار بالتسريح والاستدعاء وصدرت النشرات العسكرية بأسمائهم ، وهي موثّقة في الأرشيف العسكري … وهاهو اللواء غسان حدّاد الذي كان رئيس المرحوم صلاح في إدارة شؤون الضباط يروي لنا كيف كانت تتمّ آلية العمل في هذا المجال ( وهو حيّ يُرزق أمدٌ الله بعمره ) ومشهود له بالوطنية والنزاهة والصدق ، حيث يقول في معرض جوابه لسؤال من موقع الحوار الديمقراطي :
” الحوار الديمقراطي” : السيّد اللواء : عندما كنت مديراً لإدارة شؤون الضباط ، وكان المرحوم صلاح جديد برتبة مقدم ونائباً لك والمقدم رمزي الأوربلي معاوناً لمدير الإدارة ، كيف كانت آلية تحركات الضباط من ترفيع أو نقل أو استدعاء الضباط الاحتياط إلى الجيش أو إحالتهم إلى التقاعد …الى غير ذلك ؟هل كانت إدارة شؤون الضباط تملك الصلاحيات العسكرية لاستدعاء ضباط احتياط بمفردها ؟ أم أنّها بحاجة إلى موافقة أو قرار الجهات العسكرية العليا ؟
الأستاذ غسان حداد :بعد نجاح حركة الثامن من آذار وتشكيل مجلس قيادة الثورة ، والقيادة العامة الجديدة للجيش والقوات المسلحة ،قامت القيادة بتشكيل عدد من اللجان التي أنيط بها مهام شؤون الضباط ، فكانت هناك لجنة للترقيات وأخرى للتنقلات وثالثة للاستدعاء ورابعة للإحالة على التقاعد …الخ .وقد قامت هذه اللجان بمهامها وفق توجيهات القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة ،وتسليم محاضرها أولاً بأول إلى المقدم رمزي الأوربلي معاون مدير الإدارة ، المخول بتنسيقها وتقديمها الى الفريق الركن لؤي الاتاسي القائد العام للقوات المسلحة لاتخاذ القرار المناسب بشأنها ، بعد التداول مع المختصين حسب أهمية الموضوع .وقد استمرت هذه الصيغة في حدود علمي حتى استقالة الفريق الأتاسي من منصبه ، علما بأن فترة إدارتي لمديرية شؤون الضباط استمرت شهرين ،حيث قدمت استقالتي عند استلامي وزارة التخطيط في 12 أيار 1963 .كما أن المرحوم صلاح جديد تولاها لبضعة أشهر فقط ، انتهت عندما تسلم رئاسة الأركان العامة”
هذا كلام إنسان مسؤول والمعروف عنه أنّه لا يجامل أحدا في قول كلمة الحق ، وقد عرّضته هذه الصفات الطيّبة لكثير من المتاعب في سورية والعراق …
إضافة إلى أهميّة ماذُكِر ، فإنّي أرغب بأن أكون شفّافاً ولا أخفي شيئاً أعرفه ، فإنّ الحزب قرّر تعويض الضباط المسرّحين بضباط احتياط حزبيين سابقين من جميع محافظات القطر ، وتناسب العدد طرداً مع الوجود الحزبي في تلك المحافظات آنذاك والنقص في الجيش ، وشارك رفاقنا العسكريون خارج اللجنة العسكرية وداخلها بفعاليّة في ترشيحهم ، كما ساهم الرفاق المدنيون أيضاً في هذا المجال .. وهنا أودّ التوضيح أنّ جميع هؤلاء المرشّحين كانوا قد تخرّجوا من كليّة ضبّاط الاحتياط ، وبعضم كان معبّأً في وحدات عسكرية احتياطية ، كما أعيد تأهيلهم في دورات عسكرية خاصة لاحقاً . وقد تعرّفت على بعض منهم في الكتيبة التي خدمت فيها في معسكرات قطنا والذين كانوا من مختلف الطوائف والمناطق ، ولا أزال أتذكّر أسماء البعض ، منهم : عطيّة سرحان من درعا ، وقاسم القاضي من بلدة الضمير (ريف دمشق ) ، وأحمد عقيل من يبرود ، وجودت بطرس سلّوم ( من ريف حماه ) ، ومجيد نيّوف من (ريف بانياس الساحل ) .. الخ وكانوا ضبّاطاً جيّدين ، وربّما بعضهم كان أكثر عطاءً وحماساً من الضباط العاملين … ولا أظنّ أنّي نسيت أحداً .. وما الوضع في كتيبتي إلّا نموذجاً لبقية الكتائب مع اختلافات طفيفة ..
وأستطيع الجزم بأنّ المرحوم صلاح لم يقترح أحداً من تلقاء نفسه ، بل اعتمد على ترشيحات رفاقه العسكريين من كافّة محافظات القطر ، وكذلك على ترشيحات فروع الحزب في المحافظات .. ووقتها كان الحماس طاغياً على الجميع ، ولكن لا يعني هذا عدم تسلّل عدد قليل عن طريق المحسوبيات الشخصية خارج الأسس الحزبية المعتمدة ..
وثمّ تتالت التسريحات عقب الانقلابات الفاشلة والناجحة ، وفي هذا الإطار تمّ تسريح الناصريين بعد المحاولة الانقلابية الدموية في العاصمة دمشق ، وقد جرت في منتصف نهار 18تموز / 1963 عندما سيطروا على سريّة الإشارة ، وهاجموا مبنى الأركان العامّة ، ومبني قيادة القوى الجويّة … ، وكذلك تسريح البعثيين المحسوبين على أمين الحافظ والقيادة القومية عقب قيام حركة 23 شباط ، وعقب حركة سليم حاطوم الفاشلة بعد أن اعتقل رئيس الدولة والأمين العام للحزب المرحوم الدكتور نور الدين الأتاسي ، والأمين العام المساعد صلاح جديد في مدينة السويداء وطالبهما تحت تهديد السلاح بالحصول على وعد منهم بتسليمه اللواء سبعين ( الكسوة ) ، وثمّ فرّ إلى الأردن وأجرى مؤتمراً صحفياً في عمّان وهاجم فيه قيادة الحزب ..
وكخلاصة لموضوع التسريح والاستدعاء أقول أنّها جرت لأسباب سياسية وأمنية ، ولم يكن الانتماء الطائفي هو السبب على الاطلاق كما يقول الحاقدون والمُضٓ-;-للون ..
أكاذيب – 5 –
– ” يحمّله البعض ظلماً مسؤولية قمع تحرّك مروان حديد في حماه عام 1964 ”
حقائق – 5 – بعد أن انفجرت الأحداث في حماة عام 1964 على شكل حراك مسلّح بزعامة السلفي مروان حديد وهو شقيق الرائد كنعان حديد(البعثي ) ، وقد احتلّ المسلّحون المساجد وتمترسوا بها ، واستخدموا مآذنها لرصد وقنص الوحدات العسكرية التي وصلت إلى المدينة للتعامل مع التمرّدالمسلّح ، والمساهمة في فرض الأمن فيها ، ( وكان محافظ المدينة آنذاك عبد الحليم خدّام ) وكان المسلّحون قد هاجموا مقرّات الحرس القومي ، وقتلوا شقيق البعثي نصر الشمالي وابن المدينة ، وقد اتخذوا ” جامع السلطان ” مقرّاً لقيادتهم وفتحوا النار من مئذنته على وحدات الجيش ، وقد أصيب الجامع بأضرار نتيجة ردّ الجيش على مصادر النيران التي انطلقت منه ، ونتيجة لتفاقم الوضع في حماة توجّه الفريق أمين الحافظ رئيس الدولة إلى المدينة ، واصطحب معه وزير الدفاع اللواء حمد عبيد ، وقرّرا قصف المتمرّدين بالمدفعية إذا لم يتوقّف التمرّد .. وقد حذّرهم اللواء صلاح جديد من مغبّة تنفيذ هذا القرار ممّا اضطّره للسفر إلى حماة والالتحاق بهم للمشاركة المباشرة بمعالجة الأوضاع المتأزمة هناك ، وفور وصوله طلب الإجتماع إلى وجهاء وشيوخ حماة وعقلائها ،للتحاور والتفاعل المباشر حول حلّ يحقن الدماء ، وتمّ الاتفاق معهم على ضرورة تسليم المتمرّدين أسلحتهم كشرط لإنهاء الأزمة وفرض الأمن ، وتسهيلاً لتنفيذ الاتفاق تمّ الاكتفاء بتسليم ثلاثة بنادق فقط كمخرج يحفظ ماء وجه الجميع ، كما اتخذت القيادة قرارات خاصّة مستعجلة حول تنمية حماة ، وفتح المحلّات المغلقة من قبل السلطات المحلية … هذا وقد اعترف أمين الحافظ في شهادته على العصر على قناة الجزيرة ، بالدور الإيجابي الذي لعبه صلاح جديد في معالجة العصيان المسلّح في حماة ، على الرغم من هجومه الحاد والظالم عليه والمبني على أحقاد ثأرية نتيجة إزاحته من السلطة في 23 شباط / 1966 … علماً أنّهما كانا يعرفان بعضهما منذ أيام الوحدة ، وأنّ صلاح ساهم بقرار استدعائه من الأرجنتين وترشيحه رئيس الدولة ، وكان الكثيرون من رفاقنا العسكريين معجبين بعفويته وحماسه ( وكدعنته ) ووطنيّته ، ولكنّهم فوجئوا بمحدوديّة قدراته في تسييرأمور دولة …
وهنا ، سأروي ماحدث معي له علاقة بموضوع حماة ، ففي إحدى زياراتي العائلية لمنزل المرحوم صلاح ( زوجتي أخته ) وكان يوم جمعة ، وجلست في غرفة الضيوف مع رجلين يرتديان اللباس الحموي العربي الأصيل ، وعرفت من سياق حديثهما مع المرحوم صلاح بأنّهما من مدينة حماة وقد جاءا ليشكراه على معالجته الحكيمة لتمرّد مروان حديد وإنقاذ حماة من كارثة …
أكاذيب – 6 – ” اتّهام صلاح جديد بترفيع حافظ الأسد لرتبة لواء وتسليمه القوات الجوّية ”
حقائق – 6 – إنّ ترفيع حافظ الأسد كان انعكاساً لحساسية شخصيّية بين أمين الحافظ ، ومحمد عمران ، فكان الأوّل لا ( يستسيغ ) الثاني ، ويعود ذلك لغيرة الحافظ من الأدوار البارزة التي لعبها عمران بدءاً من انقلاب مصطفى حمدون على الشيشكلي عام 1954 ، حيث كان عمران ذراع حمدون الأيمن في الانقلاب ، فهو الضابط الذي احتلّ إذاعة حلب بسريّة الدبّابات التي كان قائدها ، وأصبح فيما بعد رئيساً للجنة العسكرية ، ومشاركاً بارزاً في التخطيط لحركة آذار / 1963 وتنفيذها ، كما أنّه يتمتّع بثقافة حزبية وسياسية أكثر عمقاً واتساعاً ، ويُضاف إلى ذلك دوره الهام في إعادة الحافظ من الأرجنتين وتسليمه المسؤولية البارزة في سلطة ( ثورة ) آذار وربّما الحافظ كان يشعر بالنقص الممزوج بالغيرة والكبرياء من تبؤّ عمران هذا الدور .. وكان الرجلان يتناكفان في الاجتمعات الحزبية والرسمية ، ولهذه الحساسية المفرطة قرّر الحافظ إبعاده عن سورية إلى إسبانيا على الرغم من كونه عضو قيادة قومية ، وكان ذلك مخالفة صريحة للأسس الحزبية شاركه فيها القياديّون الحزبيّون الذين وافقوه … ومن منظار الحسابات الطائفية أراد الحافظ البرهنة على أنّ تصرّفه هذا لم يكن لدوافع طائفية ( وهو في الحقيقة لم يكن كذلك حسب تقديري ) في ذلك الوقت ، ولذلك قام بترفيع حافظ الأسد الذي كان برتبة مقدّم وقائداً لقاعدة الضمير الجوية إلى رتبة لواء وتسليمه قيادة القوات الجويّة .. ولم يكن صلاح جديد مرتاحاً لذلك ، وسمعت منه مباشرة قوله :” لم يكن من مبرّر لهذا الترفيع … “ومن مفارقات القدر بعد أنْ اشتدّ الصراع في عام 1965 بين تيّار القيادة القومية المتحالفة مع أمين الحافظ ، وتيّار القيادة القطرية قام الحافظ والقيادة القومية باستدعاء محمد عمران ، وعيّنوه وزيراً للدفاع بعد أن كان مغضوباً عليه في عام 1964 من الحافظ نفسه …
– أمّا موضوع تسليمه وزارة الدفاع بعد قيام حركة 23 شباط ، فالقيادة القطرية هي التي اتخذت بشكل جماعي هذا القرار ومن ضمنها صلاح جديد .. وقد سمعت من الرفيق المرحوم : الدكتور إبراهيم ماخوس بأنّ اللجنة المصغّرة من القيادة القطرية ، و التي كانت مكلّفة بالتخطيط لحركة 23 شباط ، والإشراف على تنفيذها كانت متّفقة أن يكون صلاح جديد هو وزير الدفاع .. وفي الاجتماع الموسّع للقيادة القطرية طرح أحدأعضائها ترشيح حافظ الأسد لوزارة الدفاع ، ولم يبدِ أي عضو منها اعتراضاً على ذلك ، أو يقدّم اقتراحاً بديلاً وهكذا مرّ الأمر .. بينما كان من المفروض أن تعبّر اللجنة عن رأيها بشكل صريح ومسبق لباقي أعضاء القيادة القطرية في الاجتماع الذي عقدته لتشكيل الوزارة … هذا ما أعرفه وبكلّ صدق وشفافيّة عن هذا الموضوع …
في : 8 / 4 / 2014. – يتبع في حلقة ثالثة –