وثائق سوريا
بيان هاشم الأتاسي حول المعاهدة مع فرنسا عام 1936
بيان هاشم الأتاسي رئيس الوفد السوري في المفاوضات في باريس حول المعاهدة مع فرنسا عام 1936م
نص البيان:
أيها السوريون الأبرار.. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار..
لقد جاهدتم أقدس الجهاد، وناضلتم أشرف نضال وحملتم لواء الحرية والاستقلال، فأراد الله أن يتم عليكم نعمته فأدركتم هذا اليوم وهو من أيامكم الغر بل من أيام العرب التاريخية المشهودة.
في هذا اليوم نعلن نصوص المعاهدة، و قد ختمنا بها مرحلة طويلة شاقة من مراحل جهادنا في سبيل الاستقلال الذي طالما جاهدنا لإدراكه فوطدت أسسه بهذه المعاهدة، وهي كما ترون ضامنة لأمانيكم المشروعة وفاتحة أمامكم باب الحرية تلجون منه إلى حياة طليقة لا يسود في جميع نواحيها غير العدل والمساواة.
إن معاهدتنا هذه أقرت علاقاتنا مع دولة فرنسا إقراراً مستنداً إلى الحق والإنصاف، ومستوحى من مبادئ حليفتنا الديمقراطية. وفيها مجال لجلاءء الغوامض عن كفاءات السوريين وساحة فسيحة لإنطلاق مزاياهم وما عرف عن تاريخهم المجيد من مقدرة ونبوغ، وهم في تعاقدهم مع دولة فرنسا الحرة مدعوون منذ اليوم إلى أداء رسالتهم التاريخية في خدمة السلم العام والإنسانية المتمدنة، وسوف يكون لنا جيش وطني يحمي هذه المؤسسات في داخل البلاد وخارجها، ولا يصيرنا في شيئ بقاء بعض القوات الفرنسية في موقعين من البلاد ريثما يتم لنا تأليف هذا الجيش الوطني المقدس في بقاء تلك القوة أي أثر من الآثار الماسة بالسيادة والاستقلال فهي باقية في بلادنا بموافقتنا وضائنا لأجل محدود ولن يكون لها أي تدخل في شؤون البلاد ولا أي اتصال بمجرىى حياة الأمة وأمورها.
وإذا كنا لا نزال في مطلع حياتنا الاستقلالية وكان يعوزنا في بعض النواحي الفنية رجال الاختصاص والفن فسوف نأتي بهؤلاء الخبراء من بلاد فرنسا حليفتنا الحرة، وصديقتنا الكريمة لمساعدتنا في أعمالنا الإنسانية الدقيقة ويتم ذلك بطلب منا ولا يكون لهؤلاء الفنيين إلا مهمة الخبراء الفنية المحضة وقد كان دستورنا الذي وضعته الجمعية التأسيسية عام 1928 نص على أن حقوق الأفراد والجماعات مضمونة ضمن حدود القانون وذلك عهد أخذناه على عهدنا في دستورنا وأيدناه في معاهدتنا.
وهكذا لن يكون في سورية طبقات ممتازة ولا أفراد ينعمون بامتيازات خاصة بل يكون السوريون سواء أمام القانون لا يميز أحدهم عن الآخر إلا من حيث الكفاءة والإخلاص. ومثل ذلك ما نص عليه دستور الجمعية التأسيسية من جهة إدارة بعض المناطق بأنظمة خاصة تتفق مع أحوالنا الإجتماعية والثقافية وما كان ذلك إلا لضمان رفاه السوريين وكفالة سعادتهم ضمن حدود القانون.
ونحن نامل أن يكون من وراء هذا النظام وتطبيقه تشجيع لمن يبقى خارج نطاق الوحدة على الرغبة فيها والإنضمام إليها. أما القضاء فسيكون واحداً في سوريا واللغة العربية هي اللغة التي يتقاضى بها الناس تحت لواء العدل والمساواة مع حفظ حقوق الأجانب واحترامها.
ولا يسعني وأنا ألقى على المعاهدة هذه النظرة السريعة إلا أن أشكر بكثير من الإعجاب والشكر إلى موقف رجال فرنسا الأحرار ذلك الموقف النبيل حين تخلوا عن نفقات الانتداب التي بلغت بضع مليارات. كما أنهم أدركوا موقفنا المالي الحرج فأطلقوا لنا حريتنا الاقتصادية، وهي كما لا يخفى ركن النهضة القومية وأساس الحرية السياسية فسنكون أحراراً في ضباط مكوسنا “جماركنا” وإدارتها لا يسيطر علينا في ذلك إلا المصلحة الاقتصادية السورية.
هذا بعض ما في المعاهدة من مزايا، وهي كما ترون أيها السوريون صك الحرية والسيادة والاستقلال مهرته الأمة بجهودها ودماء شهدائها الأبرار والوفد السوري الطيبة الذي ائتمنتموه على هذا الموقف فخور جداً ومغتبط كثيراً بهذه العاقبة الطيبة وبالنتيجة المباركة وهو يأمل أن تكونوا في المستقبل كما كنتم في الماضي عنوان الصبر والثبات ورمز التضحية والمفاداة.
واذكروا دائماً أن المعاهدة ليست غاية بل واسطة لرفاه الشعب وسعادة البلاد.
أيها السوريون ..
إن العالم أجمع ينظر إليكم في يومكم هذا ونحن لا نرتاب ولا يخامرنا شك أو شبهة في أن هذه الأمة ستثبت في الشرق والغرب أنها جديرة بالاستقلال وقادرة على حمايته وصيانته.. وذلك بالخطة التي تسلكها في العهد القريب ولا نخدع أنفسنا ولا نريد أن يخدع أحد السوريين بحراجة هذا العهد، وخطورته فهو مملوء بالمصاعب محفوف بالمكاره يتطلب أقصى الجهد لكبح جماح الشهوات وكبت النزوات والنزاعات.
أيها السوريون..
اليوم يومكم فقفوا وقفة الرجل الواحد.. وذودوا عن استقلالكم وحريتكم بنضالكم واتحادكم ونبذ حفائظكم وأحقادكم.. فنحن نباهي بكم الأمم، ونعض على الملأ أجمع أنكم نلتم هذه النتيجة الباهرة بصبركم وجهادكم فهو فوز عظيم يزيد الشعب إيماناً ورسوخاً في عقيدته.
أيها السوريون..
تنبهوا واحذوا وكونوا بالمرصاد فالموقف السياسي العالمي في منتهى الخطورة ولن يستقيم لهذه الأمة أمرها إلا إذا تراصت صفوفها في هذا اليوم العصيب.. فإلى التضامن والاتحاد أدعوكم.. وإلى التضحية والمفاداة استفزكم فهو يوم له ما بعده.. والعاقبة للصابرين.
دمشق – الخميس في 6 شعبان سنة 1355 و 22 تشرين أول سنة 1936م
رئيس الوفد السوري
المراجع والهوامش:
(1). العياشي (غالب)، الإيضاحات السياسية وأسرار الانتداب الأفرنسي في سوريا، مطابع أشقر اخوان، بيروت عام 1955م، صـ 410-413
