وثائق سوريا
كلمة جميل مردم بك في تأبين الرئيس الأميركي في البرلمان السوري عام 1945
تأبين الرئيس الأميركي في البرلمان السوري
ألقى جميل مردم بك رئيس الوزراء السوري بالوكالة كلمة في تأبين الرئيس الأميركي روزفلت الذي توفي في الخامس من نيسان عام 1945م، في الجلسة السابعة من الدورة الرابعة العادية لمجلس النواب السوري الذي انعقدت يوم الاثنين 9 نيسان 1945م:
نص الكلمة.
حضرات النواب المحترمين
في هذا الخضم الذي تتطاير فيه الأرواح رخيصة في سبيل المثل الأسمى إذ بنا نسمع بروح ثانية تصعد إلى خالقها فتحدث فزعاً عاماً في نفوس الناس جميعاً هذه الروح هي روح الرئيس روزفلت العظيم رئيس الأمة الأميركية العظيمة في هذه الظروف العظيمة.
إن عظمة روزفلت تأتي عن إرادته الإنسانية وتحكمه في جسمه النحيل فقد خدم الأمة الأميركية وخدم العالم بأسره، وعظمة الأمة الأميركية ليست بعدد سكانها، واتساع ساحاتها ولا بإنتاجها وتصديرها بل بتلك الخاصة التي يخص بها هذا العرق ألا وهي فهم وإدراك مشاكل العالم سواء أكانت بين الدول الكبيرة أو الأمم الصغيرة، والعمل على حلها، أما عظمة الظروف فهي معلومة ولا اعتقد أن التاريخ سجل في صفحاته منذ الأزل ظرفاً كالظرف الذي يمر فيه العالم اليوم، ولم يحدث على الكرة الأرضية ظروف عظيمة خطيرة كالظروف التي تحيط بها اليوم ونحن في هذا المجلس الذي يمثل جزءاً من هذا الشعب العربي المجبول على الاعتراف بالجميل والوفاء وتقدير اليد المحسنة إليه والاعتراف بالعمل الخير لا يستطيع وأنا جازم- واعتقد بأن الرئاسة تعبر عن رأيكم- ألا أن يشارك الأمة العظيمة في أحزانها.
وبعد أن نسمع كلمة الحكومة في هذا الموضوع نرفع الجلسة عنواناً لإشتراكنا في هذا الحزن.
رئيس الوزراء بالوكالة
جميل مردم بك
رئيس الوزراء بالوكالة السيد جميل مردم بك:
أيها النواب الكرام:
يحزنني أن أقف بينكم لأعرب باسم الحكومة السورية عن عميق ألمنا للمصاب الفادح الذي ألم بالأمة الأميركية وبجميع الأمم المتحدة بفقد الرجل العظيم الرئيس فرانكلين روزفلت الذي طواه الموت بالأمس فطوى به علماً ناصعاً من أعلام الدنيا وجهاً جباراً من وجوه العظمة فحينما يكتب تاريخ الإنسانية الحديث سيكون اسم روزفلت من بين الأسماء الأولى التي تحكمت في تغيير مجرى التاريخ ودعامة قوية في بناء العالم الجديد.
لقد كان الرئيس روزفلت وهو العصامي النابه ثمرة طيبة من ثمرات الديمقراطية الصحيحة ومثالاً يحتذى في عظمة الفرد وقوة شخصيته وذكاء عزيمته في سبيل التبشير بما يعتقد حقاً. فقد تمطن الرئيس بما وهبه الله من رباطة الجأش وحزم الإرادة وقوة العقيدة من إخراج الشعب الأميركي من عزلته التقليدية إلى ساحة النضال للاشتراك بتقرير مصير العالم اشتراكاً فعالاً حاسماً أدى إلى تغيير مجرى التاريخ وكلنا يعلم كم كان لغياب أمريكة عن الحياة الدولية بعد الحرب الماضية من أثر في إخفاق المؤسسات الدولية التي قامت عقب تلك الحرب ولم يكن الدور الهام الذي لعبه الرئيس الراحل في السنين الأخيرة التي سير فيها مقدرات أمريكية قاصراً على الشعب الأمريكي وحده بل كان له الأثر كل الأثر في تغيير شؤون العالم أجمع لما لهذا الشعب من مكانة مرموقة في ميزان الحضارة العالمية ولما وهب من ثروة وعلم وعدد.
ولقد شاءت الأقدار أن لا يقطف الرئيس الراحل ثمرات النصر الذي وقف عليه كل جهوده وقواه، وأن يموت في الفترة التي تسبق انعقاد المؤتمر العالمي لتقرير نظام للسلامة والأمن الدولي هذا المؤتمر الذي يعلق عليه العالم أكبر الآمال والذي نرجو أن يصون ثمرات النصر وأن يجعل العالم يتمتع بها. ولكنه مات وهو واثق من المصير مطمئن إلى النهاية التي صارت إليها جهوده.
ولن أنسى أن أعلن بهذه المناسبة خالص شكرنا للخدمات الجلى التي أداها الرئيس العظيم لقضيتنا فهو فضلاً عن أنه أحد واضعي ميثاق الأطلنتيك هذا الميثاق الذي اعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها وكان خطوة كبرى في سبيل التأخي الإنساني وفضلاً عن أنه رفع باسم الشعب الأميركي رايتة الحريات الأربع في العالم كله فقد كان موقفه نحو سورية والبلاد العربية الأخرى موقف التأييد الكامل لأمانينا الاستقلالية وكانت أمريكة في طليعة الدول الكبرى التي اعترفت باستقلالها اعترافاً مطلقاً لا قيد فيه ولا شرط وساعدت على نيل حقنا في الاشتراك في الحياة الدولية ولدينا منه فضلاً عن ذلك ضمانات وتأكيدات تتعلق بمصير بعض البلاد العربية المعلق تحملنا على الوثوق بالمستقبل.
لذلك عز علينا فقده وأعلنا مشاركة سورية للأمة الأميركية في حزنها وحدادها ونكسنا الرايات ثلاثة أيام حداد على نصير الحرية ولا شك أن حضرات النواب الكرام والأمة السورية بأجمعها يشاركونني في تقديم العزاء إلى الأمة الأمريكية العظيمة ونسأل الله أن يعوضها عن خسارتها هذه بالعظماء والنوابغ من أبنائها.
الرئيس- ارفع الجلسة إلى الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم السبت الثاني والعشرين من نيسان 1945.