من الصحافة
حدث في سورية .. اجتماع لمجلس الوزراء .. لالغاء التلفزيون .. !!
لنتخيل بان جلسة لمجلس الوزراء تعقد لمناقشة موضوع “الغاء التلفزيون” بدعوى ان تكاليف تشغيله عالية ومن المجدي توفيرها لدعم قطاعات اخرى مثل التعليم او الكهرباء .. الخ ، انها واقعة حقيقية حدثت في جلسة مجلس الوزراء السوري قبل اكثر من نصف قرن..
كانت حقبة الانفصال في ذاك الوقت ، ففي أيلول 1961، قام عدد من الضباط العسكريين بقيادة عبد الكريم النحلاوي، بأكبر انقلاب عرفته سورية في تلك الحقبة، وهو الانفصال عن الوحدة التي كانت قائمة بين سورية ومصر منذ العام 1958 تحت مسمى الجمهورية العربية المتحدة.
سمي هؤلاء الضباط بالانفصاليين، وسمي عهدهم بعهد الانفصال، أما مبرراتهم، التي أيدها طيف واسع وكبير جداً من السوريين، وعلى رأسهم شكري القوتلي وفارس الخوري وفخري البارودي، هي سوء المعاملة التي انتهجها السياسيون والعسكريون والاقتصاديون المصريون بحق سوريا والسوريين، ولعل أكبر هذه المشكلات، كانت خطة إفلاس سوريا، التي فضحها الدكتور عزت الطرابلسي حاكم مصرف سوريا المركزي، وخليل الكلاس وزير الاقتصاد في عهد الوحدة، حيث تم نشر العديد من المقالات التي تحدثت عن سوء الإدارة الاقتصادية في سوريا، والانفاق على الأمور الثانوية مقابل الأمور الضرورية.
ولعل الوزير الكلاس، ظل متمسك، بأن ميزانية التلفزيون السوري الذي تأسس في العام نهاية 1959 بداية العام 1960، هي أكبر بكثير من ميزانية بعض المرافق الحيوية فيها، ومنها مرفق التعليم، وربما أن حداثة التلفزيون السوري، وعدم وصوله لعدد كبير من السورين، هو الذي دفع الأستاذ الكلاس لهذا الكلام.
ويبدو انه مثل أي تكنولوجيا جديدة تدخل الى المجتمع وتحدث التغيير لا يتم تقبلها بسهولة ويكون هناك اعداء لها لاسباب كثيرة تتصل بعوامل نفسية واجتماعية واقتصادية.
المضحك المبكي، وبأسلوبها الساخر كالمعتاد تناولت وقائع تلك الجلسة التي بين فيها خليل الكلاس وهو أصبح وزيراً للمالية في عهد الانفصال اسباب اقتراحه بالغاء التلفزيون ، ونشرت هذا الملخص في عددها رقم 1011 – الصادر في 2 كانون الاول 1962
التلفزيون مشكلة: بقاؤه مشكلة والغاؤه مشكلة!!
مجلس الوزراء يدرس فكرة الالغاء وبعض الوزراء يتحمس لها!!
10 ملايين دولار سنويا
لقد جاء في كلمة الكلاس في مجلس الوزراء “ان التلفزيون في يقيني، يستنزف في السنوات العشر الاولى حوالي 35 مليون ليرة سورية بالقطع النادر – أي 10 ملايين دولار سنويا – اضافة الى ما يكلف خزينة الدولة من اعباء”
ما قاله للوزراء
وقال للوزراء “ان ميزانية التلفزيون في عام واحد تكفي لتعيين عشرة آلاف معلم، وبالتالي لافتتاح أكثر من ألف مدرسة جديدة، واذا انفقت هذه المبالغ الطائلة على مشاريع مياه الشرب مثلا، فالمبالغ التي تخصص في السنة في الميزانية تكفي لايصال وتأمين ماء الشرب لمائتي الف مواطن”.
الغاء التلفزيون
وقيل ان هذه الكلمة التي القاها الاستاذ الكلاس في مجلس الوزراء – وقد ضمها بيانه الذي نشر في الصحف بعد ذلك – قد تركت عند الوزراء وجوما كبيرا، فكثير من الوزراء لم يكن يعلم ان التلفزيون يكلف مثل هذه المبالغ الطائلة وقد نتج عن هذا الوجوم اقتراح الاستاذ كلاس بالغاء التلفزيون انقاذا للميزانية.
الالغاء غير عملي
وهنا قال بعض الوزراء: ان الغاء التلفزيون غير عملي، ولايمكن الرجوع عن شيء بت بشأنه. واقترح بعض الوزراء ان تكثف ساعات البث، وان “تلملم” هيئة التلفزيون نفسها، وتقتصر على الموظفين الذين يعملون فعلا، والذين لم يعينوا “تنفيعة”، وتسرح الباقي، خاصة وان موظفي التلفزيون كلهم بعقود.
الوزير.. مؤيد
قال وزير من الوزراء: أؤيد هذا الاجراء ولااريد الالغاء، ويقال ان قسما من الوزراء قد تحمس لفكرة الغاء التلفزيون، وعلى راس هذا القسم وزير المالية: السيد خليل كلاس.
تلفزيون الدول الأخرى
وعلى كل حال. ماتزال المسألة مطروحة على بساط البحث في مجلس الوزراء، والتلفزيون أداة ضرورية ولكن هذه “البحبحة” في ساعات البث، وهذه “البحبحة” في عدد الموظفين. هما سبب الاشكال. ولأخذ فكرة واضحة عن ساعات البث في تلفزيونات الدول الأخرى نقول: ان بعض الدول الأوروبية ما تزال تبث ساعتين في اليوم الواحد وبعضها كان الى وقت قريب يبث ساعة واحدة، وبعضها الثالث يبث ثلاث مرات اسبوعيا!..
والآن.. ما هو مصير التلفزيون؟ هل يبقى؟ هل يلغى؟ هل تكثف ساعات البث، هل يقلل عدد الموظفين؟ وماذا يفعلون بالاجهزة التي بيعت للمواطنين؟ واكثر من هذا. ماذا يفعلون بالناس الذي اعتادوا على سهرات التلفزيون رغم فشلها وبواختها؟
واكثر واكثر.. ان التلفزيون مشكلة كما قال وزير المالية، والمشكلة فيه ان بقاءه مشكلة والغاءه مشكلة، وكل شيء فيه مشكلة بمشكلة!!