وثائق سوريا
أسباب استقالة شكري القوتلي من وزارتي المالية والدفاع عام 1938
أسباب استقالة شكري القوتلي من وزارتي المالية والدفاع عام 1938
في كانون الأول عام 1936عهد إلى شكري القوتلي بوزارتي المالية والدفاع الوطني في الوزارة الدستورية الوطنية الأولى، وفي التاسع عشر من آذار 1938م، أدلى بالتصريح المذكور أعلاه وبين فيه أسباب استقالته من الوزارة.
(منذ أمد غير قصير والأطباء يلحون عليّ بوجوب التزام الراحة التامة، لما أشعر به من سوء حالتي الصحية، ولكنني بقيت مستمراً في العمل، ولاسيما وأن الوزارة كانت في أكثر الأحايين مضطرة إلى مجابهة مختلف المواقف السياسة وغير السياسية التي عرضت لها، والتي ما برحت في جهد مستمر للعمل على إيصال البلاد إلى ما ترجوه وتؤمله من أمان وآمال.
وعلى أثر عودتي من الديار الحجازية المقدسة، قدمت استقالتي إلى رئيس الجمهورية وإلى رئيس الوزراء لما كنت أشعر به من تأخر صحتي، ولكن الإخوان رأوا أن لا يبتوا في قبول الاستقالة قبل استشارة الأطباء من جديد، لعل القليل من الراحة والمعالجة يكون كافياً للشفاء فأستأنف العمل من جديد.
فقصدت إلى بيروت ودخلت إلى المستشفى الأميركي، ولبثت فيه أياماً فعاد الأطباء يؤكدون علي بضرورة الراحة، لذلك تقدمت قبل أسبوع باستقالتي من جديد، والححت على الرئيس الأول بقبولها وهكذا انتهى الأمر.
ولا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر العظيم إلى الرئيس الأعلى، وإلى رئيس الوزراء، وإلى إخواني في الوزارة، على الجهود الكبرى التي يكرسون لها أوقاتهم وراحتهم، في سبيل إيصال البلاد إلى ما تصبو إليه من الآمال، في الحرية والوحدة والاستقلال.
وفي الحق أن رجال الحكومة لا يحسدون على مناصبهم، ولا على ما يمر بهم من الساعات العصبية.
وإن مواقفهم الشريفة في الدفاع عن حقوق الوطن، والتمسك بأمانيه ترفع رأس كل وطني عالياً. ولا عجب في ذلك، فإن هؤلاء الإخوان، الذين قادوا الأمة في أدوار نضالها خير قيادة، هم الذين يقودون خطوات البلاد اليوم في طريق الحياة.
وإن الواجب ليتقاضى كل مخلص، أن يؤيد هؤلاء الإخوان، بكل ما يستطيعه من قوة، ويذلل في طريقهم كل عقبة إذا كان يود حقاً أن يخدم وطنه، ويغار على كرامة بلاده.
وإن كل ما نلقاه من الجانب الفرنسي من حسن النية في تنفيذ نصوص المعاهدة، وتأمين هذا الدور الانتقالي بشكل يصون حقوق البلاد والمصالح الفرنسية، وفاقاً لما نصت عليه المعاهدة، نقابله بالشكر وبمثل الشعور النبيل الذي بدا من رجالات فرانسة في المناسبات المختلفة، ولاسيما ممثل فرانسة الكونت دومارتيل ومعاونوه الذين يشكرون على ما يبدونه من النيات الطيبة، وروح التعاون في سبيل إيصال البلدين الفرنسي والسوري إلى التحالف الشريف، وتحقيق حرية هذا الوطن الذي لا ينكر الجميل.
أما الذين يقولون بوجوب المعارضة في هذا الدور الانتقالي فإني لم أر رأياً أبعد ما يكون عن الصواب وعن المنطق السليم كهذا الرأي، لأن المعارضة لا معنى لها في هذا الدور، الذي يتم فيه تسلم الصلاحيات، إلا عدم الرغبة في أن تصبح في يد الحكومة الوطنية مقاليد السلطة التي يمارسها الجانب الفرنسي، وإقامة العثرات في طريق بلوغ البلاد إلى الاستقلال الصحيح.
وإن الوطنية الحقيقية في هذا الدور هي في التفاف الأهواء وكبح جماح الشهوات والسير قدماً وإلى الأمام لتحقيق الأهداف الوطنية والقومية، ولذلك فإني أدعو جميع أبناء الأمة إلى الالتفاف حول الحكومة ومؤازرتها ففي ذلك الخير الذي يرجونه للوطن وتحقيق أماني الشهداء الذين فاضت نفوسهم في سبيله.
وإذا كان هنالك أناس يلغطون باتفاقات وملاحق للمعاهدة فإني من الموقنين بأن هذه الحكومة لا يمكن أن تعقد عقداً أو تعاهد عهداً إلا إذا كان كافلاً لحقوق البلاد ضامناً لحرياتها، وإلا إذا كانت ترضى عنه ضمائر رجالها وإيمانهم الوطني الراسخ. ولكن هذه الاتفاقات لا يجوز أن تصبح حديثاً على صفحات الصحف وفي الأندية والشوارع، أو أن تعرض على الرأي العام وهي ما برحت في دور المفاوضة أو قبل طرحها على البرلمان ليقول نواب الأمة كلمتهم فيها، وهم سيقولونها عندما تعرض عليهم، ولاشك في أنها لا تكون إلا متفقة مع كلمة الحكومة التي لا يمكن أن تقدم على عقد أو عهد إلا إذا كان فيه خير الوطن وتأمين المصلحة العامة.
هذه كلمتي، وإني لأرجو أن يوفق الله البلاد ورجالاتها للعمل المثمر والرأي الصحيح حتى لا تفوتنا بادرة يمكن أن نهتبلها، أو فرصة يصعب أن نفوز بها في تحقيق أمانينا القومية كاملة غير منقوصة.
وأنا كما كنت في الحكومة إلى جانب إخواني، فسأكون في خارج الحكومة مؤيداً ونصيراً).
شكري القوتلي
المصدر: مجموعة خطب الرئيس شكري القوتلي خلال عامين من رئاسته أيلول1955-أيلول 1957م، دمشق عام 1957م.