مقالات
محمود جديد: ملخّص حول حركة الثامن من آذار
محمود جديد- التاريخ السوري المعاصر
ملخّص حول حركة الثامن من آذار / ١٩٦٣ من الدراسة الأولية لنقد تجربة حزب المنبثقة عن المؤتمر القومي ١١ عام ١٩٨٠.
” إنّ مجمل الظروف الموضوعية والذاتية التي مهدت لحركة الثامن من آذار ورافقتها وحكمت مسيرتها تجعلها ذات طبيعة خاصة متميزة تتسم بمايلي:
أولا- فهي ليست انقلابا عسكريا تقليديا لأنها لم تنفذ من قبل زمرة من الضباط البرجوازيين المغامرين المدفوعين والمدعمين بقوى رجعية محلية أو دولية أجنبية…كما أنها ليست صنع تنظيم عسكري مغلق معزول ومبتور الجذور بالنسبة للحركة السياسية الوطنية التقدمية. رغم كونها اتخذت شكل الانقلاب العسكري من حيث الاداءة المنفذة و أسلوب التنفيذ، لان العسكريين الأساسيين الذين خططوا لها، وساهموا بالدور الأساسي في قيامها، وسيطروا عليها بعد ذلك هم حزبيون أصلا . إن الحركة جاءت ردا على جريمة قومية ارتكبها الانفصاليون بحق الوحدة، وأسقطت حكم طبقة إقطاعية- برجوازية كبيرة، واتخذت اتجاها وحدويا تقدميا معاديا للامبريالية و الصهيونية و الرجعية ، وحققت انجازات وتحولات اقتصادية واجتماعية هامة.
ثانياً : وهي كذلك ليست ثورة شعبية بالمعنى العلمي المعروف رغم جميع المعطيات ايجابيا التي اشرنا إليها لم تأت نتيجة خطة ثورية شاملة وضعت من قبل الحزب، عن طريق جبهة تقدمية ذات برنامج واضح و بمشاركة كافة القطاعات الشعبية الثورية بما في ذلك الجيش، أي لم تكن جزءا من كل …
بل جاءت هي لتنوب عن الكل، وبالتالي لتلحق بها نتيجة ذلك عمل الحزب والجماهير ، مما شكل عقبة كأداء بين المخلصين من الحزبين العسكريين و المدنيين و بين إمكانية تحويلها إلى ثورة حقيقية من خلال استكمال بناء الحزب الطليعي و المنظمات الجماهيرية الكادحة، وإخضاع الجيش و الثورة لقيادة الحزب على أساس المركزية الديمقراطية و القيادة الجماعية، وتجذير التحولات الاقتصادية والاجتماعية بحيث يتم انجاز مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية تمهيدا للسير الجدي في طريق الاشتراكية.
فاقتصار الحركة على القطاع العسكري إذا رغم أهدافها الشعبية التقدمية الوحدوية بقي يخيم على المسيرة بصورة أو أخرى شفافة أو كتيمة، وبقي يشكل نقطة الضعف الأساسية في تلك المسيرة حتى الانقلاب الأخير (عام ١٩٧٠ )
فهي إذن حركة عسكرية ثورية ذات طبيعة برجوانية صغيرة، أو يمكن اعتبارها انقلابا عسكريا ثوريا لأنها رغم شكلها الانقلابي فهي ثورية في جوهرها ومضمونها الطبقي و برنامجها القومي الديمقراطي حيث أسقطت – كما ذكرنا_نظام الانفصال الرجعي الإقطاعي البرجوازي لصالح سلطة برجوازية صغيرة متميزة نوعيا بكوادرها وتعبر في موقفها وبرنامجها عن تطلعات الجماهير الشعبية الكادحة الوحدوية الاشتراكية.
وان هذا الانقلاب الثوري كما هو الحال بالنسبة للعديد من الانقلابات العسكرية التقدمية في العالم الثالث يعبر عن ظاهرة أزمة القيادة السياسية ووسيلة البرجوازية الصغيرة القصيرة النفس، وغير القادرة على تنظيم الجماهير، وغياب الحزب الثوري …فحزبنا الذي علمته القيادات المتعاقبة على القبول بظاهرة الانقلابات العسكرية و التهريب بها منذ حسني الزعيم كما رأينا سرعان ماينسى نضاله الديمقراطي و تبشيره بالثورة الشعبية وكل القرارات المتخذة حول ذلك ، ويقنع بأسلوب الانقلابات العسكرية، ولذلك كان من الطبيعي أن يسرع تبني حركة8 آذار و اعتبارها”ثورة الحزب” .
وبعد ذلك كله هل كانت حركة8 آذار مؤهلة لتجاوز وتجذير مسيرتها وقادرة بالتالي على المساهمة الجدية في حل المهام المطروحة على حركة الثورة العربية باعتبارها جزءا من هذه الثورة، آم كانت محكومة بحكم طبيعتها التي أوضحها بسقف معين لا يمكن أن تتعداه، وأخيرا بهذه النهاية الرجعية الخطيرة و المحزنة؟
إن هذه الحركة بحكم شكلها العسكري و طبيعتها البرجوازية الصغيرة و الظروف التي أحاطت بها كانت تحمل النقيضين..عوامل الانتكاس و التراجع، واحتمالات التطور و الاستمرار و التجذير في الوقت نفسه، ولقد تميز الصراع بين هذه العوامل و الاحتمالات طيلة مسيرتها، وتراوح انتصار هذين الاتجاهين صعودا وهبوطا تبعا للظروف الذاتية و الموضوعية داخل الحزب و السلطة والمناخ العربي والدولي العام.
ولذلك فان انحراف المسيرة و سقوطها بالشكل الذي انتهت إليه لم ت يكن قدرا تاريخيا حتميا كما يتصور بعض المحللين الذين صدموا من جراء الردة التشرينية الأخيرة عام 1970 فوضعوا(كل شيء) في هذه الحركة في كيس واحد،وحكموا بسقوط كل الجوانب هذه المسيرة.”