ولد الفنان التشكيلي لؤي كيالي في حلب. بدأت ميوله الفنيّة بالظهور وهو في التاسعة من العمر، وبعد أن توضحت موهبته، وتبلورت في مجموعة من الرسوم واللوحات.
أقام معرضه الشخصي الأول في قاعة الثانوية الأولى للبنين في حلب عام 1952، ومعرضه الثاني في القاعة نفسها عام 1953.
أنهى دراسته الثانوية عام 1954، والتحق بكلية الحقوق في جامعة دمشق. في عام 1955 نالت أعماله الجائزة الثانية في معرض جامعة دمشق. وفي العام نفسه فقد والدته.
في عام 1956 حصل على منحة دراسيّة لمصلحة وزارة التربية (المعارف سابقاً). وفي عام 1957 وصل إلى روما؛ ليبدأ دراسة الفن «أكاديمياً».
اختص الفنان كيالي في البداية بالرسم والتصوير الزيتي، ثم انتقل إلى اختصاص العمارة الداخلية (الديكور) في العام 1958. نالت أعماله الفنية خلال وجوده في إيطاليا كثيراً من الجوائز منها: الجائزة الأولى لمسابقة صقلية التي نظمها عام 1958 مركز العلاقات الإيطالية العربية. وفي العام 1959 نال الميدالية الذهبيّة في مسابقة رافينا Ravenna المخصصة للأجانب. وفي العام 1960 نال الجائزة الثالثة في مسابقة مدينة كوبيو Kuopio، والجائزة الثانية في مسابقة مدينة آلاتري. كما مثّل سورية مع زميله الفنان فاتح المدرس في معرض السنتين الدوري في مدينة البندقية Venezia عام 1960.
في عام 1961 حصل على شهادة أكاديمية الفنون الجميلة في روما باختصاص العمارة الداخلية (الديكور)، وعاد إلى سورية؛ ليعيّن مدرساً للتربية الفنيّة في ثانويات حلب، ثم دمشق. وفي عام 1962 انتقل لتدريس الرسم ومبادئ الزخرفة في المعهد العالي للفنون الجميلة بدمشق الذي تحول عام 1963 إلى كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وعكف الفنان لؤي كيالي في الوقت نفسه على مزاولة الرسم والتصوير وإقامة المعارض داخل سورية وخارجها، وبدأت -من ثم- مساهماته الفاعلة في الحياة التشكيلية السورية التي كانت تشهد يومها انطلاقة كبيرة بفضل الفنانين الذين أنهوا دراستهم العلمية (الأكاديمية) في عدد من الدول الأجنبية والعربيّة، وعادوا للتدريس في الثانويات والمعاهد ودور المعلمين، أو في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق التي أسهمت برفد الحياة التشكيلية السورية بالفنانين الأكاديميين المختصين بضروب الفن التشكيلي كافةً بدءاً من العام 1964.
كانت إطلالة الفنان كيالي الأولى الواسعة على جمهور الفن والفنانين في عام 1961 من خلال معرضه الفردي الأول في الوطن عقب انتهاء دراسته في إيطاليـا؛ والذي أقامـه في صالـة الفن العالمي الحديث في دمشق، وضمنه 28 لوحـة زيتيّة و30 رسماًً، وهذه الأعمال أنتجها في كل من إيطاليا وسورية، وقد حظي هذا المعرض باهتمام كبير سواء من قبل المختصين والنقاد، أو من قبل الجمهور. وهكذا أسس الفنان كيالي لانطلاقته الكبيرة والمؤثرة في حركة الفن التشكيلي السوري المعاصر؛ ليتحول فيما بعد إلى رمز من رموزها المهمة والرئيسة؛ سواء بفنه الذي تنقل بين أكثر من موضوع وصيغة، أو بحياته التي شهدت سلسلة من المآسي أودت بحياته محترقاً.
أقام الفنان لؤي كيالي كثيراً من المعارض الفردية داخل سورية وخارجها، وشارك في معارض جماعيّة كثيرة، وكان أبرز معارضه الفردية وأهمها معرض «في سبيل القضية» الذي أقامه في دمشق عام 1967، ونقله إلى حلب وحماة وحمص واللاذقية. ضم هذا المعرض ثلاثين لوحة تحدثت عن القضية الفلسطينية خصوصاً، والقضايا العربية عموماً، نفذها باللونين الأسود والأبيض، وقد لاقى المعرض التجريح والانتقاد من قبل بعض الفنانين والنقاد والكتاب؛ ما دفعه إلى التأزم وتمزيق أعماله والتوقف عن الرسم.
بعد نكسة حزيران عام 1967 تفاقمت أزمته، فانقطع عن الحياة العامة، واعتكف في بيته. وفي عام 1969 صحبه أهله للمعالجة في بيروت، فتحسنت حالته، واستعاد حياته العامة أواخر ستينيات القرن الماضي ومطالع سبعينياته، إذ عاد للتدريس مرة أخرى في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق. ثم عاودته الأزمة؛ لكنه سرعان ما تعافى منها، وظل كذلك حتى عام 1977 إذ غادر سورية للعيش في بلد دراسته للفن (إيطاليا)؛ غير أنه ما لبث أن عاد إلى حلب عام 1978، ترافقه الأزمة التي تملكته للمرة الثالثة، وفي حلب أدمن على تعاطي الحبوب المهدئة. وليلة 9-10 أيلول 1978 احترق وهو في سريره، وعلى الرغم من محاولة إنقاذه بنقله من حلب إلى دمشق على متن طائرة عمودية؛ إلا أنه فارق الحياة في السادس والعشرين من كانون الأول من العام نفسه.
ظل الفنان لؤي كيالي ملتزماً الواقعيّة التعبيريّة في مراحل حياته الفنيّة التي بدأها برسم متقن وشغوف بالإنسان (والمرأة خاصة)، ثم الوجوه الأنثويّة الصبوحة المعروفة في الوسط الاجتماعي. وبدءاً من معرضه «في سبيل القضية» أعلن التزاماً صريحاً وقوياً وصادقاً بالموضوعات الوطنية والقومية، وعبّر عنها بمجموعة كبيرة من اللوحات التي حملت عواطف صادقة وحميمة بهذه القضايا التي أرقته، وضغطت عليه، وقادته إلى مرض نفسي عاصف، تأرجح صعوداً ونزولاً؛ لكنه لم يفارقه حتى فارقته الحياة.
بعد المرحلة الوطنية والقوميّة هذه انتقل الفنان كيالي لرسم المعذبين والفقراء والمنتجين الصادقين، والبسطاء الطيبين من شعبه. فقد خصص فنه (ولا سيما بعد عام 1970) للأمومة، والباعة المتجولين، والصيادين، وماسحي الأحذية، وبائعي ورق اليانصيب، والمعوّقين، والعاملين في الحقول، وربات البيوت، والمشردين، والبؤساء. كما رسم الأزهار، والطبيعة الصامتة، وبلدة معلولا، وفي هذه الموضوعات كافة كان رقيقاً وصامتاً وهادئاً، قدم موضوعه بلغة فنية واقعيّة مختزلة، قوامها الخطوط الرئيسة، والرسم القوي، والمساحة اللونيّة الشفيفة التي وظف من خلالها أرضية اللوحة (وهي من الخشب المضغوط) ببراعة وفنيّة عالية لخدمة التعبير والتشكيل في أعماله الأخيرة التي قدمته رساماً متمكناً أكثر منه ملوناً، على العكس من أعماله الأولى (الأشخاص والوجوه) التي قدمته ملوناً بارعاً.
يرى الفنان كيالي أن مهمة الفنان تنتهي حين يقدم إنتاجه للجمهور، ولا يحق لأي كان طلب شرح الإنتاج الفني من الفنان، وإنما من شخص آخر يدعى بالناقد الفني، له من المؤهلات الحسية والجمالية ما يقربه من إنتاج الفنان، ويدفعه إلى تذوق العمل الفني الخالص، كما له من المؤهلات الثقافية والفنية ما يدفعه إلى تفهم الإنتاج نفسه، ومن ثم يعمد إلى تحليله وشرحه، ثم إلى نقده وتقييمه، وهذا ليس بالعمل السهل أبداً؛ إذ له من المسؤولية المعنوية والمادية ما على الفنان نفسه حينما يقدم إنتاجه.
ويرى الفنان كيالي أن الإنسان لا يطالب بالصدق ما دام صادقاً، وأنه من العبث أن يطالب الإنسان بالصدق ما دام كاذباً، وعليه فالفنان لا يُطالب بالالتزام في إنتاجه؛ لأن الالتزام نابع من أعماق ذاته، وهذا هو الالتزام الحقيقي في الفن؛ لأن الفن عطاء من دون إلزام، لكن يحق للآخرين أن يطالبوا الفنان بالالتزام إنساناً له مواقفه الحياتية في القول والتصرف؛ لأن إنتاجه لابد أن يكون صورة حقيقية لمواقفه الحياتية تلك.
ويؤكد الفنان لؤي كيالي أنه حينما يتخذ الفن مضموناً جديداً في الرصيد الفكري؛ يصير شكلاً من أشكال الوعي الاجتماعي؛ ليكتسب طابعاً نضالياً، وهذا -في جوهره- يعني تمرداً على الواقع، ورفضاً له، أي رغبة مستمرة في تغيير جذري قاطع وبدء حركة نضالية هادفة نحو الأفضل.
ويرى أن إدراك الإنسان لأبعاده الحقيقية يفرض عليه أن ينظر إلى الواقع نظرة جديدة، يزداد عمق مضمونها الإنساني حسب عمق التجربة الحياتية، وكلما ازدادت شمولية إدراك هذه الأبعاد الحقيقية لوجود الإنسان كلاً، ازدادت نظرته إلى الواقع موضوعيةً؛ ليصل بهذه الموضوعية إلى عين الحقيقة في الكشف عن أبعاد الواقع الحقيقية، وكلما ازدادت الموضوعية في نظرته إلى الواقع؛ ازداد ثورة عالمية ورغبة في تغيير جذوره وكفاحاً في سبيل واقع أفضل.
أعماله تغرق النفس البشريّة المملوءة بشتى الأحاسيس؛ ليطل منها إحساس مرهف متماوج مع كل خط فيها. أما شخوصه الإنسانية فتحيا ضمن إطار متناغم واضح ومدروس؛ حاملة ثقة بمقدرته الفنية لا حدود لها، تمس الأشياء كلها، وتغوص في أعماقها؛ لغة جديدة تفرض نفسها على المتلقي، وتشده إليها لحظات طويلة.
ويرى الفنان غازي الخالدي أن الإنسان عند لؤي يعيش حياة غير الحياة المؤهل لها. إنه يتمثل الحزن في أعماق وجدان أبطاله؛ الحزن المبني على الرفض للواقع الذي يعيشه هو من خلال نماذجه؛ الطفل الذي لا يعيش طفولته، والمرأة التي حرمت من أنوثتها… والطفلة التي لا تضحك؛ لأنها نسيت الضحك وهي تبحث عن لقمة خبز مغموسة بالدم! إن البحث التشكيلي عنده بسيط بساطة الطفولة. إن «الواقعية» عنده تحمل رأياً صريحاً يقوله لؤي في كل لوحة، رفض مطلق… وصراخ صامت.
انظر:
الأديب والروائي فاضل السباعي في معرض الفنان لؤي كيالي عام 1976