أعلام من القرن العشرين لن تنساهم حماة..
ولد المهندس صادق البارودي عام 1906 والده القاضي عبد الحميد البارودي ، ووالدته شركسية الأصل من القفقاس .
تلقى علومه الابتدائية في مدينة حماة وعندما بلغ الحادية عشرة من العمر توجه إلى الجامعة الأمريكية في بيروت وحصل على الشهادة الثانوية وبعدها توجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية بحراً ليدرس فيها الهندسة في بوسطن ويتخصص في الهندسة الصحية وقضايا الري والمياه من أعلى وأصعب جامعة للهندسة في العالم وهي MIT ، وكانت مدة الدراسة فيها أربع سنوات إلا أنه نالها بثلاث سنوات لما يتمتع به من ذكاء ومثابرة ليختصر الوقت ويعود بأسرع مدة ممكنة إلى الوطن الأم سورية التي احبها وأخلص لها وأعطاها بعد عودته كل ما يملك من علم وجهد وخبرة .
كان من أوائل المهندسين في البلاد إن لم نقل من أولهم وعين فور عودته مديراً لمصلحة الري في بيروت ، ولما تجاوز الثالثة والعشرين من العمر ،( وكانت لبنان في حينها جزءاً من سورية ) وتحت أمرته العديد من المهندسين .
أثناء دراسته في الجامعة بأمريكا عرض عليه العمل مديراً لشركة أرامكو في السعودية وشركة فيجين في شنغهاي بالصين للتنقيب عن البترول إلا أنه رفض لإصراره على العودة إلى وطنه .
استخدم الطائرة الحربية القديمة ذات المقعدين للكشف عن مصادر المياه ومجاري الأنهار في سورية كي يختار المواقع الملائمة لإقامة المشاريع وبناء السدود .
قام بدراسة وتنفيذ الكثير من مشاريع الري والمياه منها على سبيل المثال لا الحصر ، مشروع مياه طرابلس ، ومشروع مياه بيروت ، ومشروع مياه درعا، مشروع مياه حلب ، مشروع مياه اللاذقية ، مشروع مياه جبلة ، وتجفيف مستنقع الغاب ، وري طار العلا ، وآبار البادية السورية وأكثر مشاريع الري في سورية إن لم نقل جميعها ، كما شارك في بناء مطار دمشق الدولي .
لكن مشروع جر المياه إلى حماة من نهر العاصي في لبنان يبقى له نكهة مميزة ، فالمهندس صادق البارودي وضع مشروع جر المياه من لحظة خروج نهر العاصي من منبعه ودخوله الحدود السورية إلى مدينة حماة على الراحة أي بدون محركات كهربائية تقوم بسحب الماء ودفعه لما في ذلك من توفير للطاقة وتوفير لاستهلاك الآلات .
وفعلاً وبعبقرية منقطعة النظير، قام المهندس بارودي منذ أوائل الخمسينات بوضع مخططات ودراسة المشروع لجر مياه العاصي من الحدود اللبنانية السورية إلى مدينة حماة على الراحة ولمسافة تتجاوز المئة وثلاثين كيلومتراً وظل المشروع بمخططاته ودراساته قابعاً في أدراج المهندس البارودي ، ذلك أنه بمجرد عرضه على الجهات الرسمية لتنفيذه ، فإن تلك الجهات تتذرع بعدم وجود اعتمادات لتنفيذ المشروع .
إن مياه حماة في السابق كانت تأتي من بحيرة قطينة عن طريق ساقية الري ، ليتم تصفيتها في المصافي ، وغالباً ماكانت تأتي ملوثة وكثير من الأحيان كانت تنقطع ، وفي عام 1971 تأتي الموافقة من الجهات الرسمية بعد ماتبين لها جاهزية الدراسة والمخططات سيما وأن المشروع لن يروي حماة فقط ،، وإنما جميع القرى التي سيمر من جانبها إضافة إلى سلمية وتلبيسة وغيرهم ورصدت الاعتمادات اللازمة والتي قاربت في حينها الأربعمئة مليون ليرة سورية حيث بوشر على الفور بتنفيذ المشروع وجرت وتيرة العمل فيه بسرعة لينجز خلال ثلاث سنوات .
وفي الثامن من آذار عام 1975 تم تدشين المشروع ومن يومها أصبحت حماة وكافة القرى والمدن التي تقع على مسار خط المياه وغيرها تنعم بالمياه النقية ويعود الفضل بذلك للمرحوم المهندس صادق البارودي ، وقد كان للمرحوم البارودي مقولة شهيرة هي : كل ماأتمناه بعد وفاتي أن يذكرني كل من يشرب من مياه حماة ويقرأ لي الفاتحة ، وفعلاً هذا ما حدث فكل منا يذكر بالخير هذا المهندس العبقري .
من أعماله أيضاً إنجاز معمل البورسلان والتنقيب عن الخامات في الأراضي السورية ، وبقي المختصون يرجعون إليه في استشاراته حتى بعد تقاعده .
وافته المنية في 15 آذار 1995 في مدينة حماة ودفن فيها ، وللأسف فإنه لم يتم تسمية أي شارع أو مدرسة باسمه(1).
(1) أرشيف مجموعة محبي الاديب وليد قنباز