الحكومات السورية
حكومة الأمير سعيد الجزائري
حكومة الأمير سعيد الجزائري
الأمير سعيد الجزائري حفيد الأمير عبد القادر الجزائري، شكل أول حكومة بعد انسحاب القوات التركية والألمانية من دمشق في السابع والعشرين من أيلول 1918م.
عين سعيد الجزائري مجلساً للشورى من وجهاء دمشق هم: الشيخ طاهر الجزائري، بديع المؤيد، عطا الأيوبي، شاكر الحنبلي وفارس الخوري.
وأسند رئاسة البلدية إلى عبد القادر الخطيب من شيوخ دمشق، وعين أخاه عبد القادر قائداً (للفرسان العرب) وهم قوات المغاربة حينها، وكانوا بمثابة القوة العسكرية لسعيد. كما يذكر سعيد أنه عين شكري الأيوبي مديراً للسجن في دمشق.
حكومة الأمير سعيد الجزائري استمرت حتى الثلاثين من أيلول 1918.
ظروف تشكيل الحكومة أو الإدارة المحلية:
يذكر الأمير سعيد الجزائري في مذكراته، بأنه عرض خدماته على جمال باشا الصغير “المرسيني” قائد القوات التركية في سورية، للمحافظة على الأمن من خلال انسحاب القوات التركية- وكان وثيق الصلة بهم- واتفقا على جمع زعماء الأحياء ليحافظوا على أحيائهم، ولكن ذلك لم يجد نفعاً، فعاد الجزائري إلى جمال باشا، وأخذ على عاتقه حماية دمشق بواسطة المغاربة حتى يحمي انسحاب الجيش التركي، فقبل جمال باشا(1).
ومن ثم ذهب سعيد الجزائري إلى دار الحكومة، ورفع العلم العربي الذي كان قد أتى به أخوه عبد القادر من عند الحسين في مكة سابقاً، على دار الحكومة، وسط تهليل الشعب الذي احتشد معبراً عن بهجته بخلاصه من حكم الأتراك.
في هذه الأثناء وصل كثير من علية القوم، وفي طليعتهم شكري الأيوبي. وتابع الجزائري عمله في حفظ الأمن، وتأسيس الحكومة، فعين مجلساً للشورى من وجهاء دمشق، وهم: (الشيخ طاهر الجزائري، بديع المؤيد، عطا الأيوبي، شاكر النابلسي، فارس الخوري). وأسند رئاسة البلدية إلى عبد القادر الخطيب من شيوخ دمشق، وعين أخاه عبد القادر قائداً للفرسان المغاربة، وكانوا بمثابة القوة العسكرية لسعيد. ويذكر الجزائري أنه عين شكري الأيوبي مديراً للسجون في دمشق، فأطلق سراح المساجين(1).
ويذكر يوسف الحكيم الذي عين وزيراً في حكومة الركابي التي تلت حكومة الجزائري فيقول في مذكراته وفي مقابلة خاصة معه: (إن الوجهاء الدمشقيين، اجتمعوا في بهو المجلس البلدي في ساحة المرجة، وقرروا إقامة حكومة تحول دون الفوضى، ريثما تصل جيوش الحلفاء، واجتمعت كلمتهم على انتخاب الجزائري رئيساً للحكومة فأقسم يمين الولاء والإخلاص بجلالة الحسين في 27 أيلول، وبعدها رفع العلم. وتزيل هذه الرواية الكثير مما أعطاه الجزائري لنفسه عن مبادرته الشخصية والفورية لاستلام الحكم، وتعطى لحكمه معنى آخر، إذ تأسس بإرادة مجموعة وجهاء ومفكري دمشق، وليس بإرادته وحده)(2).
ويذكر نصوح بابيل أن مهمة الحكومة كانت المحافظة على أرواج الجنود الاتراك، فكتب في مذكراته: (تعرض الجنود الأتراك قبل أن ينسحبوا من دمشق لهجمات من قبل بعض الأهلين، فقام العلامة الشيخ طاهر الجزائري بالاشتراك مع الأمير سعيد الجزائري حفيد الأمير عبد القادر الكبير بتأليف فريق من الدمشقيين والمغاربة المقيمين في دمشق أخذت لهم ألف بندقية من الثكنة التركية، وكانت مهمة هؤلاء المحافظة على أرواح الجنود الأتراك المنسحبين، وتولى الأمير سعيد يومئذ الإشراف على الأمن في دمشق، وتمكن من حماية الأتراك، وعدم تعرضهم للمذابح، فكان هذا الموقف مشرفاً يسجل بالثناء لهذا الرجل الكبير الذي كان بالتالي أول رئيس للحكومة المؤقتة التي تألفت قبل دخول الأمير فيصل لدمشق).
حادثة رفع العلم:
تحتلف روايات رفع العلم في السابع والعشرين من أيلول كما يقول يوسف الحكيم بينما يذكر الجزائري وقدري ولورنس على أنها جرت في الثلاثين من أيلول.
وتظهر رواية أحمد قدري أن الجزائري قد استغل طيبة الأيوبي حتى يتسلم السلطة منه، إذا اعتبرنا أن لجمعية الفتاة الحق والسلطة في تعيين الحكام(3).
رواية لورنس:
يؤكد لورانس رواية قدري بأن (لجنة فيصل) و(يقصد بها جمعية الفتاة)، قد هيأت نفسها في دمشق لاستلام السلطة من الأتراك، وأن الشريف ناصر قد أرسل يتصل بـ علي رضا الركابي، ورئيس اللجنة أو مساعده شكري الأيوبي بوجوب تشكيل حكومة مؤقتة بعد الخلاص القريب لكن الركابي كان متغيباً، ووجد الأيوبي مساعدة غير منتظرة من سعيد الجزائري وأخيه عبد القادر، فرفع العلم بمساعدتمها وأعوانهما، ويضيف لورانس أن الأيوبي أبلغه بعد دخوله دمشق، أن الجزائريين بقيا إلى جانب الأتراك حتى رأوهم يفرون، ثم هاجما (لجنة فيصل) المتجمعة سراً بوحشية وقبضا على السلطة، والظاهر هنا أن لورانس يناقض نفسه، فكيف وجد الأيوبي مساعدة من الجزائريين، وكيف تتفق المساعدة بالهجوم الوحشي واغتصاب السلطة(4).
رواية جمال باشا المرسيني:
وتأتي رواية جمال باشا الصغير “المرسيني” لتنفي إدعاء الجزائري بأنه قد سلمه مقاليد الحكم في دمشق، لأنه في الحقيقة، قد كلف رضا باشا الركابي وشكري العسلي بذلك، فقد جاء في مذكراته بأنه “قبل مغادرته دمشق، كلف رضا الركابي وشكري الأيوبي بالدفاع عنها، لكنه أخطأ بذلك لأنهما سلماها إلى العصاة بدون مقاومة”.
ولم يذكر أنه سلم الحكم إلى سعيد الجزائري، حتى ولا كلفه بالدفاع عنها، ولا يحفظ الأمن فيها، ولذا تبقى رواية اعتماده على الركابي والأيوبي أصح، إن كان في الدفاع عن دمشق أو المسؤولية عنها، فالدفاع يعني المسؤولية في الحرب، كما يعني التفاوض في الاستسلام، حيث كان الركابي هو أعلى سلطة بعد مغادرة الأتراك وجمال باشا لدمشق(5).
رواية بيهم:
يؤكد جميل بيهم الذي عاصر الحدث أن جمال باشا الصغير لم يكلف سعيد الجزائري باستلام الحكم، لأن سعيداً لم يذكر في رسالته محمد جميل بيهم ذلك، لكنه يذكر أن فيصلاً أرسل له وربما رسالة مع فائز الغصين بوجوب استلام الحكم، ورفع الأعلام العربية، إلا أن فائزاً لم يتمكن من إيصال الرسالة له، ويذكر أيضاً أن فيصلاً أرسل قبل أيام من دخوله دمشق، رسالة إلى جمال باشا يطلب فيها تسليم دمشق، وعدم إراقة الدماء لأن المسؤولية تقع على عاتق الأتراك(6).
إن شرعية استلام الحكم كانت للركابي والأيوبي سواء أكانت ذلك من السلطة التركية السابقة أم اللاحقة، وأن سعيد الجزائري استطاع أن يؤثر على الأيوبي بماله من قوة (المغاربة)، ويتسلم السلطة وإن الأيوبي رضى وأقتنع بذلك.
نهاية الحكومة:
استمرت حكومة سعيد الجزائري حتى الأول من تشرين الأول عام 1918م، ما بين الساعة العاشرة والظهر، ورغم وصول القوات البريطانية بقيادة “الميجر أولدن” في الساعة السادسة صباحاً، ووصول الشريف ناصر في نفس الساعة، واستمرت حكومته لأن الأول تابع فلول الأتراك والثاني أقنع الثاني الذي كان يجهل الموقف السياسي بأنه سوف يحكم باسم الشريف حسين.
لكن ما أن وصل لورانس الذي دخل مع جيش الشريف ناصر، وسمع بترأس الجزائري للحكم حتى أسرع إلى دار الحكومة، وكان معه قدري ونوري السعيد. وأخذت الأمور تتطور لغير صالح الجزائري، إذ كان يعتقد لورانس وكذلك قدري أن شكري باشا الأيوبي هو المتولي للحكم فعلاً.
وطلب لورانس من الجزائري مغادرة دار الحكومة، وإنهاء حكمه حسب أوامر فيصل، كما يدعى لورانس- لأنه كان يعتقد أن الجزائري موال للترك وللفرنسيين معاً- كما أن العداء القديم بينه وبين عبد القادر أخي سعيد، قد يكون له أثر في موقف لورانس. وأن الفرنسيين ينوون احتلال سورية، ويهمهم أن يجدوا رئيساً موالياً لهم كالجزائري فيها. ولم يذعن سعيد الجزائري، وأخذ أخوه عبد القادر يهدد لورانس ويشتمه. وعندئذ هددهما لورانس بإخراجهما بقوة الجيش البريطاني، وآزره أيضاً نوري الشعلان شيخ عشيرة الرولا، وتطوع لاستخدام قوته، وعندها خرج الجزائريان وأتباعهما، وبذلك كانت نهاية الحكومة المحلية الأولى في دمشق، وسلم الحكم فيها إلى رضا الركابي، الذي ناب عنه شكري الأيوبي(7).
(1) مذكرات الأمير الجزائري، صـ 97.
(2) مقابلة مع يوسف الحكيم في صيف 1969م. يوسف الحكيم، سورية والعهد الفيصلي، بيروت عام 1966م، صـ 38، سلطان (علي)، صـ22 .
(3) قدري (أحمد)، صـ 73.
(4) علي سلطان ، صـ 20
(5) علي سلطان، حكم فيصل بن الحسين، دار طلاس، دمشق 1987م، صـ 21.
جمال باشا الصغير، صـ 142.
(6) محمد جميل بيهم، العهد المخضرم، صـ 73- 75
(7) علي سلطان ، صـ 25
انظر:
برقية سعيد الجزائري إلى رئيس بلدية بيروت حول تأسيس الحكومة المؤقتة في دمشق عام 1918
صحيفة 1918- الجيش الوطني السوري الذي شكله عبد القادر الجزائري
المراجع والهوامش:
(1). بابيل (نصوح)، صحافة وسياسية، دار رياض الريس، الطبعة الثانية، لندن عام 2001م، صـ 17
المراجع والهوامش:
(1). بابيل (نصوح)، صحافة وسياسية، دار رياض الريس، الطبعة الثانية، لندن عام 2001م، صـ 17