أعلام من القرن العشرين لن تنساهم حماة
المطران أغناطيوس حريكة ..
هو نجيب بن عبد الله حنا حريكة, والدته فوتين ابراهيم جورج, ولد في قرية بترومين ( شمال لبنان) في 6 آب 1894 , تلقى علومه الابتدائية في القرية والمدرسة الروسية في أسكلة, أدخل إلى مدرسة البلمند وحاز على شهادة الدراسة الإعدادية وفي سنة 1909 كان من ضمن ثلاثة طلاب أرسلهم البطريرك غريفوريوس الرابع إلى مدرسة خالكي اللاهوتية في الآستانة.
في صيف 1914 ارتسم نجيب شماساً باسم اغناطيوس وفي عام 1917 أصبح نائباً أسقفياً في حلب وفي عام 1918 رقي إلى رتبة أرشمندريت, ثم انتدب ليكون مفتشاً على دير القديس جاورجيوس قرب قلعة الحصن, وقد تمكن حينئذٍ أن ينقذ أملاك الدير التي كانت قد حجزتها الحكومة التركية بحجة أنها أملاك لامالك لها عام 1919.
ثم تم تعيينه وكيلاً لأبرشية كيليكيا حيث أسس مع صديقه الارشمندريت حنانيا اكساب أول مطبعة وأول جريدة باسم الخليج وفي عام 1924 دعاه البطريرك غريغوريوس إلى دمشق وولاه الوكالة البطريركية .
بعد وفاة مطران حماة غريغوريوس جبارة في 26 شباط 1925 تم انتخاب المطران أغناطيوس حريكة في 6 تموز 1925 مطراناً على حماة.
بدأ سيادته مهامه وسط جو عصيب لاسيما المرحلة الانتقالية من الاحتلال التركي إلى الانتداب الفرنسي حيث راح يتابع مشكلات سكان حماة مسلمين ومسيحيين ولم يدخر جهداً ولا مالاً في سبيل تخفيف الأعباء المعيشية عن سكان المدينة.
كان يتقن أربع لغات هي العربية والفرنسية والتركية واليونانية وكان رحمه الله شغوفاً بالقراءة فقد قرأ القرآن الكريم والأحاديث النبوية ونهج البلاغة وأقوال الصحابة والأئمة كما كان محباً للأدب والشعر فمن الشعر القديم قرأ للمتنبي وأبي العلاء والشريف الرضي وغيرهم ومن الشعر الحديث لأحمد شوقي والقروي وعمر أبو ريشة وغيرهم.. وأنا شخصياً كنت أتردد لعنده بناء على طلبه لأقرأ له شعراً من اشعار نزار قباني.
كان رحمه الله حاضر البديهة والحجة وقد عرف عنه الحزم في تصريف الأمور شارك في مؤتمر بلودان عام 1937 الذي عقده الملوك والرؤساء العرب لمنع تقسيم فلسطين وكان له صفحات مشرقة في مقارعة الاستعمار الفرنسي حيث كان يمد الثوار بالمال والسلاح كما كان يزور أسر الشهداء ماداً إليهم العون، كذلك فإنه كان يزور الجرحى.
كان للمطران حريكة علاقات متميزة مع رجال الدين الإسلامي وفي طليعتهم الشيخ سعيد النعسان مفتي حماة والشيخ محمد الحامد, كذلك فقد كان له علاقات متميزة مع كافة شرائح المجتمع في حماة وكان رحمه الله حريصاً على المشاركة في كافة أفراح وأتراح سكان المدينة كما أنه كان دائم التردد على المضافات في المدينة, وكان رحمه الله يتمتع بذاكرة قوية حيث كان يعرف معظم أهالي حماة وله علاقات وطيدة معهم.
للمطران حريكة بصمات واضحة في إنشاء العديد من المؤسسات الروحية والأدبية في حماة ومحردة والسقيلبية وكفربو وغيرها, كما أن كان له الفضل الكبير في تأسيس نادي الرابطة الفنية بحماة عام 1950 والذي يعتبر نبراساً أدبياً مضيئاً في مسيرة حماة الثقافية والأدبية والفنية.
في أواخر عام 1968 بدأت صحة سيادته تتراجع وأثقل المرض حركته ونشاطه إلى أن وافته المنية في الثالث من شباط عام 1969 في مشفى النيني بطرابلس.
نقل جثمانه من مستشفى النيني إلى كاتدرائية القديس جاور جيوس في طرابلس حيث أقيم قداس إلهي لراحة نفسه حضره كبار المسؤولين ورؤساء الطوائف في لبنان , ثم توجه موكب النعش إلى حماة حيث كان في وداعه عند الحدود اللبنانية كبار المسؤولين في الدولة وكافة الطوائف, وعند الحدود السورية كان في استقبال النعش كبار المسؤولين في الدولة وباقي الطوائف حيث وصل إلى حماة ودخل الجثمان كنيسة سيدة البشارة محمولاً عل الأكتف, وفي السادس من شباط تم الدفن بحضور عدد كبير من المسؤولين ورؤساء الطوائف ثم شيع إلى مثواه الأخير بموكب كبير ومهيب, لقد كان رحمه الله رجلاً لكل زمان ومكان(1).
(1) أرشيف مجموعة محبي الاديب وليد قنباز