د. عزة علي آقبيق – التاريخ السوري المعاصر
دمشقيون في ذاكرة الوطن (بديع حقي)
حـقي (بديـع) (1920-2000)
بديع حقي أديب وناقد ومترجم ودبلوماسي. ولد في دمشق، وتلقى دراسته الإعدادية والثانوية في «مكتب عنبر»، ثم انتسب عام 1940 إلى كلية الحقوق في الجامعة السورية، ونال الإجازة منها عام 1944، ثم دخل السلك الدبلوماسي عام 1945، وظل فيه حتى أحيل إلى التقاعد 1986، واستطاع خلال عمله أن ينال الدبلوم في الحقوق الجزائية عام 1949، والدكتوراه في الحقوق الدولية من جامعة السوربون في باريس عام 1950، وكان موضوع أطروحته حول القضية الفلسطينية.
تدرج في عمله الدبلوماسي حتى صار سفيراً، وتنقل في عمله بين بغداد، وباريس، وبيرن (سويسرا)، وموسكو، واصطنبول، وكابول، والجزائر، وكوناكري (غينيا) ومقديشو (الصومال)، وقد أفاد من عمله الدبلوماسي كثيراً، فاغتنت تجاربه، وتعمقت ثقافته، وازدادت معارفه.
بدأ حياته شاعراً فأصدر ديوانه الوحيد «سحر» عن دار مجلة «الأديب» اللبنانية عام 1953، وكانت تربطه بصاحبها ألبير أديب (1908-1985) صداقة حميمة، ثم هجر الشعر وانصرف إلى كتابة القصة والرواية والمقالة والدراسات الأدبية والترجمة، وقد نالت مجموعته القصصية «التراب الحزين» جائزة الدولة للقصة عام 1961، وقررت وزارة التربية تدريسها في المدارس الإعدادية بين عامي 1965-1968.
عالج في بعض قصصه ورواياته وأبحاثه القضية الفلسطينية، ولذلك أقام له اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين حفل تكريم لائق، كما أقامت له جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب العرب حفل تكريم آخر عام 1987، وكان آخر حفل تكريم له هو الذي أقامته مجلة «الثقافة» بمكتبة الأسد في 27/11/1994، برعاية وزارة الثقافة.
كان بديع حقي إنساناً عاطفياً رقيقاً وحساساً إلى أبعد الحدود، وقد كان لموت والده، وهو طفل صغير، أثر واضح في تغيير مسيرة حياته، فاحتضنته أمه الرؤوم، وعطفت عليه، وضحت من أجله إلى حد التفاني، فأحبها حباً عميقاً لا يوصف، وأبرزها في أدبه، وهي التي أوحت له وألهمته الكثير مما كتبه من قصص وروايات وذكريات. ومن يطلع على سيرة حياته في كتابه «الشجرة التي غرستها أمي» يدرك الدور الكبير الذي كان لهذه الأم المثالية على مسرح حياته.
وكان أيضاً رجلاً طلعة، أمضى حياته في صحبة الكتب، ومتابعة المجلات الأدبية، وأولع بالقراءة واقتناء الكتب منذ نعومة أظفاره، وكان يجد كل المتعة واللذة في معايشة الكتب التي ترافقه أينما حل أو رحل، ينهل من ينابيعها الثرة باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية التي كان يتقنها، حتى غدا راهباً في معبد الفكر. وقد استطاع أن يكون نفسه بنفسه، ويثقف ذاته بالدرس، والانكباب على المطالعة الدائمة، حتى غدا علماً بارزاً من أعلام الأدب في النصف الثاني من القرن العشرين.
توفي في دمشق بمرض القلب الذي داهمه في السنوات الأخيرة من حياته، وكانت وفاته خسارة كبيرة للأدب والفكر والشعر والفن، ليس في سورية فحسب بل في الوطن العربي كله.
نشر حقي مقالاته وقصصه وأبحاثه النقدية في عدد كبير من الصحف والمجلات السورية والعربية منها: الصباح، الدنيا، النقاد، الموقف الأدبي، الآداب الأجنبية، الثقافة، بناة الأجيال، العربي، الأديب، الآداب وغيرها، وكتب عدداً لابأس به من البحوث الموسوعية لمصلحة هيئة الموسوعة العربية. وكان له أسلوبه الخاص الذي تميز به عن غيره من الأدباء والشعراء، هذا الأسلوب الذي يقوم على الوصف الدقيق الأنيق، والتصوير البارع، والألفاظ الموشاة، والجمل القصيرة النابعة من انسجام المفردات وتناغمها ورشاقتها، وحسن انتقائها. ولا يقل نثره الفني رونقاً وجمالاً عن شعره، سواء استخدم هذا النثر في التأليف أم الترجمة، ولو لم يكن أديباً مرهفاً، وشاعراً مجيداً، لكان رساماً مبدعاً، يعرف كيف يتقن مزج الألوان وتوزيعها على اللوحة بذوق.
رفد حقي المكتبة العربية بما يقرب من ثلاثين كتاباً في الشعر والقصة القصيرة والرواية، والنقد الأدبي، والمقالة، والترجمة.
من قصصه القصيرة «التراب الحزين»، و«حين تتمزق الظلال»، و«قوس قزح فوق بيت ساحور».أما رواياته نذكر منها: «جفون تسحق الصور»، و«أحلام على الرصيف المجروح»، و«همسات العكازة المسكينة». من دراساته «قمم في الأدب العالمي»، و«مذاهب وأعلام في الأدب العالمي». من مقالاته «جمرة الحرف وخمرة النغم»، و«فلسطينيات»، وله السيرة الذاتية «الشجرة التي غرستها أمي». إضافة إلى ديوان شعر يدعى «سحر».
أما آثاره المترجمة: «المعطف»، «اللوحة» (غوغول)، جني الثمار، البستاني، الهلال، دورة الربيع، شيترا (طاغور) قصائد مناضلة (أحمد سيكوتوري)، لا تزال الشمس تشرق (همنغواي).
عيسى فتوح
مراجع للاستزادة:
ـ عبد الغني العطري، عبقريات من بلادي (دار البشائر، دمشق 1995).
ـ صباح نوري المرزوك، موسوعة أعلام العرب ( بيت الحكمة، بغداد 2000).
ـ عبد القادر عياش، معجم المؤلفين في القرن العشرين (دار الفكر، دمشق 1985).