مقالات
د.سامي مبيض: مجلة الصياد وداعاً
د.سامي مبيض
في مثل هذه الأيام عام 2016 انضممت إلى أسرة “مجلة الصياد” اللبنانية العريقة، عن طريق الصحفي الكبير الأستاذ رؤوف شحوري. كنت قادماً يومها من “جريدة السفير،” التي كانت تحتضر وتنازع، والتي أغلقت أبوابها نهائياً في نهاية ذلك العام.
ابتداء من يوم الاثنين القادم، ستتوقف “مجلة الصياد،” التي تجايل لبنان عمراً، مما سوف يضاعف بلا شك، من مصيبة اضمحلال كل شيئ كان جميلاً في هذا المشرق، من المسرح والفنون، مروراً بالطباعة والنشر. فقبل “الصياد” و”السفير” غابت مجلة “الحوادث،” وجريدة “الحياة،” ومجلة “المستقبل” للراحل نبيل خوري.
بدأ مؤسس “الصياد” المرحوم سعيد فريحة حياته المهنية من عاصمة الشمال السوري، حلب، عام 1928، بعد عام واحد من القضاء على الثورة السورية الكبرى، التي عاش كل تفاصيلها كما عاش ويلات الحرب العالمية الأولى والثانية قبل اندلاع الحرب الأهلية في بلاده عام 1975.
البداية لم تكن مع القلم بل مع مقص الشعر، حيث عمل هذا الصحفي العصامي في صالون حلاقة للسيدات في حلب، ثم انتقل إلى الكتابة في صحف دمشق اليومية، التي كانت “مانشيتاتها” تسقط حكومات وتحي أخرى. من دمشق تعلم سعيد فريحة “فن الصحافة.”
أصدر أولى مطبوعاته، “مجلة الصياد” عام 1943، في نفس العام الذي تم فيه اعتقال الأباء المؤسسين للجمهورية اللبنانية من قبل السلطات الفرنسية الحاكمة. صدر العدد الأول من داخل “بناءالصمدي” وسط بيروت، مؤلف من 24 صفحة، فيه رسالة لكل من رؤوساء لبنان وسورية، الشيخ بشارة الخوري وشكري القوتلي.
في تعريفه عن “الصياد” كتب فريحة أنها مجلة قومية عربية، “وسيلة تعبير فكري ونضال سياسي،”معتبراً أن الصحافة ليست مهنة بقدر ما هي “التزاماً وطنياً.”
بعد 11 سنة، انشأ مبنى “دار الصياد” المعروف جداً لدى كافة اللبنانيين والسوريين، والذي كنا نمر من أمامه في منطقة الحازمية، ونحن قادمون من دمشق إلى بيروت، كما مر سعيد فريحة من قبلنا. أحب الرئيس جمال عبد الناصر كثيراً وفي عام العدوان الثلاثي على مصر، أصدر “مجلة الشبكة” المعروفة، والتي كانت مفصلاً في تاريخ الصحافة الفنية العربية، وصلت أعدادها إلى ستون الفاً في الأسبوع الواحد منتصف السبعينيات.
كان رئيس تحريرها الراحل جورج ابراهيم خوري، صديق عدد من العمالقة السوريين، ومنهم النجم نهاد قلعي، الذي كان في ضيافته بدمشق يوم تعرض الأخير لحادث ضرب في النادي العائلي عام 1976. عرف الخوري باطلاقه الألقاب الرنانة على الفنانين:”الشحرورة” و”العندليب الأسمر”و”السندريلا” و”سلطان الطرب.” كان هؤلاء، الصبوحة وعبد الحليم وسعاد حسني لا ينامون الليل عند معرفتهم أن مقالاً سيصدر عنهم في “الشبكة.”
تلت “الشبكة” جريدة “الأنوار” البيروتية عام 1959، وبعد غياب فريحة وتولي ابنائه ادارة الدار، فصدرت “فيروز” عن شؤون المرأة عام 1980، ومجلة “الكومبيوتر والاكترونيات” عام 1984، وبعدها مجلة “الفارس” المختصة بأناقة الرجل وحياته.
خلال السنوات الخمسة والسبعون الماضية، ظهرت أسماء مرموقة جداً في صفحات “الصياد،” مثل نزار قباني وسعيد عقل وعمر أبو ريشة والأخطل الصغير، وتم استهداف بناء المجلة مراراً خلال الغزو الإسرائيلي لبيروت عام 1982. مع ذلك لم تتوقف الدار عن اصداراتها طوال سنوات
الحرب، ولكنها أغلقت أبوابها اليوم، نتيجة الظروف المادية الخانقة التي تمر بها هذه “الصنعة” في لبنان والعالم العربي، مع شح الاعلانات وتراجع القراءة الورقية لدى جيل “الفيسبوك” وشبكات التواصل الاجتماعي.
خسارة كبيرة لكل من عرف “الصياد” وتابعها أو كتب على صفحاتها، ودليل إضافي على افلاس هذا المشرق، الذي بات الناس يأتونه لمشاهدة الماضي فقط، لا الحاضر أو المستقبل.