مقالات
آلاء عوض: فارس الخوري والحكاية الوطنيّة
آلاء عوض- جيرون
رجل متأصّل بالوطنية والشجاعة، وقف في وجه العثمانيين والفرنسيين، ودافع بشراسة عن وحدة الدولة السورية بكل مكوّناتها، فلم يقبل حجج فرنسا الواهية، التي تقول بأنها تريد فرض انتدابها على سورية لتحمي المسيحيين، وبقي مصرًّا على الوحدة الجامعة لكل السوريين بكل أطيافهم وطوائفهم.
فارس الخوري، الذي وُلد عام 1873، في قرية الكفير التابعة حاليًا لقضاء حاصبيا في لبنان، لعائلة مسيحية بروتستانتية، لعب دورًا سياسيًا مهمًا في مرحلة قيام الحكم العربي في دمشق بعد انهيار السلطة العثمانية، وفي النضال ضد الاحتلالين العثماني والفرنسي، ما عرّضه للسجن والنفي أكثر من مرة، سواءً من قبل جمال باشا السفاح، أم في عهد سلطة الاحتلال الفرنسي، إضافة إلى دوره المهم في تكريس قيم الحياة الوطنية والديمقراطية، في الحياة السياسية السورية بعد مرحلة الاستقلال.
دَرَسَ الحقوق والعلوم والرياضيات واللغة العربية ودَرَّسَها، وأتقن اللغتين الفرنسية والتركية، وبعد نجاته من حبل المشنقة الذي نصبه له جمال باشا السفاح، بتهمة التآمر على الدولة العثمانية وعودته من منفاه في إسطنبول عام 1919، ساهم بتأسيس معهد الحقوق العربي، الذي كان أحد أساتذته، وشارك في تأسيس المجمع العلمي العربي بدمشق، الذي يُعدُّ من أقدم المجامع اللغوية التي عملت على الحفاظ على اللغة العربية في الوطن العربي.
عند دخول الفرنسيين إلى دمشق عام 1920، رفض مغادرة البلاد على غرار ما قام به الوزراء والنواب الآخرون، وقال: “نحن أهل البلد، ومن العار أن نتخلى عن مسؤولياتنا”، و”أعلن إسلامه” رفضًا للانتداب الفرنسي.
كثيرةٌ هي المواقف التي تُبرهن على حذاقته وشجاعته، ومنها جلوسه على كرسي المندوب الفرنسي في مجلس الأمن، ورفضه القيام عنه، وإخراجه ساعته من جيب سترته وتأمله فيها، وحين ألحّ عليه الفرنسي في طلبه الكرسي، كانت إجابته “بلدي احتملت احتلالكم لها خمسة وعشرين عامًا، وأنت لم تحتمل جلوسي على مقعدك 25 دقيقة”.
أسّس مع عبد الرحمن الشهبندر ومجموعته الوطنية حزب الشعب عام 1925، وساهم بشكل فعّال في تأسيس الكتلة الوطنية، التي تبوّأ فيها منصب رئيس الكتلة، وتولّت قيادة العمل السياسي المعارض ضد الفرنسيين، كما ترأّس الوفد السوري المفاوض مع فرنسا من أجل الاستقلال في الأمم المتحدة، التي كانت في بداية مرحلة تأسيسها، وعندما عاد استقبله السوريون استقبالًا حافلًا.
صار رئيسًا للحكومة السورية ثلاث مرات، والمجلس النيابي ثلاث دورات أيضًا، وتسلّم وزارات الخارجية والمالية والمعارف، وتعدّت شهرته سورية إلى المحافل الدولية، من خلال خطبه ومحاضراته التي كان يلقيها داخل الأمم المتحدة أو خارجها؛ ما جعل مجلس الأمن الدولي ينتخبه عضوًا، ومن ثمّة ينتخبه رئيسًا للمجلس عام 1947.
تميّز ببذته البيضاء وطربوشه الأحمر القصير، وكان نبيهًا فَطِنًا، يروى عنه قصص ومواقف تكشف سرعة بديهته وذكائه.
اعتزل الحياة السياسة مع قيام دولة الوحدة، وبقي كذلك، حتى وفاته مطلع كانون الثاني/ يناير عام 1962