سامرة القواص – التاريخ السوري المعاصر
الكاتب والروائي هاني الراهب 1939-2000
يعتبر من الروائيين الكبار الذين تركوا بصمة في خريطة الروائيين السوريين، من قرية مشقيتا في اللاذقية ولد هاني الراهب عام 1939، عانى هاني الراهب في طفولته من ترحال عائلته بين قريته ومدينة اللاذقية، ومن آثار عواصف الحرب العالمية الثانية، التي كانت تهب من كل اتجاه وتنذر بتدمير العالم، وقد خزّن الكاتب في قبو ذاكرته مشاعر الخوف، الظلم، القلق والنّقمة لتنعكس صوراً في رواياته، وجراحاً لم تندمل حتّى وفاته.
أمضى هاني طفولته في رعاية أمّه وأبيه وبعض أخوته، وبدأ دراسته في مدرسة القرية الابتدائية، إلى أن توفي أخوه عليّ، الذي كان يعمل في اللاذقية ويتولّى رعاية العائلة بكاملها، عن عمر لم يتجاوز الاثنين وعشرين عاماً.
تولّى أخوه سليمان، رعاية هاني الصغير، حتّى حصل على الدرجة الثانية في الثانوية العامة، فمنح مقعداً مجانياً في جامعة دمشق، قسم اللغة الإنكليزية، كما منح راتباً شهرياً قدره 180 ليرة سورية.
في أواخر عام 1957 سكن هاني الراهب مع اثنين من رفاقه في غرفة واحدة في حي الشعلان، ثم دعاه أخوه هلال الرّاهب للعيش معه.
تخرّج هاني الراهب من كلية الآداب وعُيّن معيداً في قسم اللغة الإنكليزية، ثم ما لبث أن منحته الأمم المتحدة مقعداً في الجامعة الأمريكية في بيروت، وخلال عام واحد، حصل على شهادة الماجستير في الأدب الإنكليزي، وحصل في لندن على شهادة الدكتوراه خلال سنتين ونصف من بريطانيا وكان عنوان رسالته (الشخصية الصهيونية في الأدب الغربي).
درّس لسنوات طويلة في جامعة دمشق، ثم سافر الراهب الى اليمن، انتقل بعدها للعمل في دولة الكويت ثم عاد إلى دمشق ليستقر مع عائلته فيها حتى وفاته عام 2000 إثر مرض عضال أصابه.
أولى أعماله الأدبية كانت رواية “المهزومون” التي كتبها عام 1960 خلال ثلاثين يوم متتالية؛ حيث لم يزل طالباً جامعياً، ونالت وقتها الجائزة الأولى من بين مئة وخمسين رواية في المسابقة العربية للرواية في بيروت، والتي كانت من تنظيم دار الآداب.
ثم صدرت روايته الثانية “شرخ في تاريخ طويل”، ثم رائعته “الوباء” التي حصلت على جائزة اتحاد الكتاب العرب، وصنفت كواحدة من أعظم مائة رواية صدرت في القرن العشرين. تعتبر “الوباء” أشهر أعماله، وفي الوقت ذاته هي أكثر أعماله خصوصية في الحياة السورية، إذ اشتغل على قرابة مائة عام من تاريخ هذا البلد، وقدم تصوره الماركسي، للمجتمع، كيف تشكل، وكيف أقحم في آليات الخوف والتسلط والاستبداد، لينتج مجتمعاً وصولياً ومنسحقاً، يعيش أفراده حياة عدمية.
تجرأ هاني، ذلك المثقف الفريد، على زراعة رؤية مستقبلية، نجدها مخيفة اليوم، أكثر من زمن صدور الرواية، أي في العالم 1981 كوننا فشلنا في تخطيها، ويبدو أنّنا نسير وفقاً لها: “مشكلتنا نحن الفلاحين كون القيم التي نشأنا عليها تتعارض مع قيم الطبقة المتوسطة التي اكتسبناها، لكننا تبنينا قيم الطبقتين في عملية تجاور وتوازٍ، ليس فيها صراع يوصل إلى تركيب جديد. لذلك نجد مستويين ومعيارين للسلوك والأخلاق. لكن هذه الحالة لن تدوم. أنا أتنبأ أن مائة سنة القادمة، أو خمسين سنة قادمة، ستكون عصر العنف. ضغط الدولة في العالم سيزداد، والخائفون سيخرجون من جلودهم ويصيرون مادة للعنف، التفكك والانحلال، لكل قيمة وبنية وعلاقة”.
وتتالت بعد ذلك إصداراته “بلد واحد هو العالم”، “التلال”، “ألف ليلة وليلتان” ثم مشروعه الروائي خماسية كل نساء المدينة والذي صدر منه “خضراء كالمستنقعات”، “خضراء كالحقول”، “خضراء كالبحار”، “خضراء كالحب” ثم الجزء الخامس الذي صدر بعد وفاته “خضراء كالعلقم”.
يعتبر الراهب من الروائيين المجددين، عمل على تطوير التقنيات الروائية السردية واللغوية في الرواية السورية والعربية عموماً، وقد شكلت أعماله نقطة فارقة في مسيرة الرواية العربية؛ حيث يعد من المؤسسين للرواية العربية المعاصرة وأحد أعمدة هذا النوع الأدبي حديث العهد. من البداية رفض النموذج الكلاسيكي للرواية وسعى لخلق قالب جديد يناسب الواقع المعاش، ويظهر هذا بوضوح في شخصياته التي تتقلب بين رغباتها الشخصية وواجبها تجاه أعراف مجتمعها، وكان يرى الراهب أن الأدب يجب ألا يقدم للناس ضمن قوالب معدة مسبقاً، بل يجب أن يبقى متغيراً كما الحياة والواقع المعاش، ويلبي حاجة المجتمع للتغيير. سعى في كتاباته إلى إيصال صوت أبناء جيله بما فيه من بؤس وخيبة وعذاب وتصدع وانكسار إلى العالم، يظهر هذا جلياً في قصته “الخامس الدائم من حزيران”.
سُئل الراهب ذات مرة عن جائزة نوبل وموقفه منها فأجاب: “بالنسبة لجائزة نوبل أنا لست مرشحًا لها، والذي كتبته حتى الآن ثماني روايات، اثنتان منها فقط جديرتان بالقراءة، والست الأخريات لا بأس بهن، وهذه الجائزة إذا استثنينا منها الجانب المالي الشيء الإيجابي الوحيد فيها، فهي جائزة سيئة السمعة جداً نظراً لتدخل السياسة فيها، بعيداً عن الاعتبارات الثقافية، وهي لا تناسبني أنا العربي الذي أعتز بتراثي وحضارتي“.