حظيت سكة حديد الحجاز – في بدايات القرن العشرين- بشهرة واسعة على الرغم من عمرها القصير. ولا ريب أن أهم عنصر أكسبها هذه الشهرة هو حمل الحجاج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتوفير التسهيلات في أداء مناسك الحج ضمن الأراضي العثمانية.
وقد ربط خط حديد الحجاز إسطنبول بدمشق ومكة المكرمة والمدينة المنورة والبحر الأحمر.ولا شك إن إنشاء خط كهذا داخل الأراضي العثمانية، اعتبر من أهم المشاريع الاستثمارية التي أنجزتها الدولة العثمانية العلية في شبه الجزيرة العربية حتى ذلك التاريخ.
وقصة إنشاء خط حديد الحجاز تعود إلى عام 1864، حيث قام المهندس الأميركي الدكتور “زيمبل” بتقديم أول مخطط للمشروع أو أول اقتراح إلى الإدارة العثمانية يتعلق بإنشاء خط الحديدي الذي سيمتد من مدينة إسطنبول إلى المدينة المنورة. بيد أن هذا العرض لم يحتقق بسبب التكلفة العالية. ليس هذا فحسب، بل لم تستطيع الدولة العثمانية قبول العروض الشبيهة بعرض “زيمبل” التي قدمت إليها فيما بعد، وذلك لضائقتها الاقتصادية التي عانت منها في تلك الآونة.
ففي عهد السلطان عبد العزيز تبلورت فكرة إنشاء خط حديدي يمتد من إسطنبول إلى المدينة المنورة على يد المسؤولين، ثم وضعت ضمن جداول الأعمال للدولة العثمانية، غير أن الأوضاع المالية والاقتصادية لم تتح للسلطان إنجاز هذا المشروع. ولكن عندما استلم السلطان عبد الحميد الثاني إدارة الحكم، وضع هذا المشروع ضمن جدول الأعمال من جديد لأنه كان يرغب ي تنفيذ أعمال ملموسة تعيد للدولة العثمانية مكانتها وهيبتها، وتوحد أراضيها من جديد، كما رأى السلطان أن هذه الأعمال ستمنع او ستؤخر- على الأقل- تفتت وانهيار الدولة العثمانية.
ومن الجديد بالذكر أنه قام الكثيرون – بالإضافة إلى المهندس الأميركي “زيمبل” بتقديم عروض للإدارة العثمانية من أجل إنشاء خط يمتد من إسطنبول إلى أراضي الحجاز، وكان أشمل وأدق عرض بين هذه العروض، هو الذي قدمه “أحمد عزت باشا” الذي اشتهر فيما بعد بلقب ” عرب عزت باشا” وكان مسؤولاً عن أوقاف جدة حينذاك.
وقد قام أحمد عزت باشا – بشكل تفصيلي – بشرح الفوائد التي ستحظى بها الإدارة المركزية إذا ما أنشأت خطاً حديدياً بين دمشق والمدينة المنورة، بالإضافة إلى وقوفه على الفوائد التي ستمنع التهديدات ضد الدولة العثمانية عامة، والتهديدات الداخلية والخارجية ضد شبه الجزيرة العربية خاصة.
علاوة على الفوائد المذكورة أعلاه، فإن إنشاء خط كهذا، سيسهل رحلة الحجاج إلى الحجاز، كما أن إنشاء الخط سيساعد على تعزيز الحكم للسلطان عبد الحميد الثاني في العالم الإسلامي.
لقد اهتم السلطان عبد الحميد الثاني اهتماماً بالغاً بتطوير خدمات النقل، وتنمية طرق الاتصالات في الأراضي العثمانية في عهد كانت الدولة الأوربية تصف الدولة العثمانية بالرجل المريض وذلك بسبب الضغوط الخارجية والداخلية التي أنهكت الدولة التي كانت على وشط السقوط والانهيار.
واستهدف السلطان عبد الحميد من إنشاء خطوط التلغراف ” البرقية” ومد الشبكة الحديدية، تعزيز السلطة المركزية وتحجيم الضغوط الخارجية والداخلية التي تغري الدول الأوربية بالتهام الجزء الأكبر من هذه الدولة المريضة كما وصفتها.
فأول ما عزم السلطان عبد الحميد عليه، كان إقامة خطوط حديدية داخل أراضي مملكته، ليتمكن من رد الهجمات الخارجية ويعزز قوته الدفاعية، ومن ثم ليخلص مملكته من العزلة المفروضة عليه من قبل الدول الكبرى. ولايد من التنويه في هذا الصدد إلى أن الخطوط الحديدية اعتبرت من أهم آليات الحرب التي لا يمكن الاستغناء عنها في أي حال من الأحوال في تلك الحقبة.
فهي تعزز قوى الجوانب الدفاعية للدول، وتقدم مساعدات كبيرة في مجال النقل والتنقل والمواصلات، فلكل هذه الأسباب سمح السلطان عبد الحميد الثاني في الثاني من أيار 1900 بالبدء في إنجاز مشروع خط حديد الحجاز.
ولعل العزم الذي أبداه السلطان عبد الحميد في إنشاء سكك خط حديد الحجاز، لعب دوراً اساسياً في إزالة كافة الصعوبات والعوائق الفكرية والاقتصادية التي كانت تعاني منها الدولة العثمانية منذ نصف قرن قبل هذا التاريخ.
كما اعتبر خط حديد الحجاز الذي كان اسمه الأصلي “خطوط حديد الحجازية الحميدية” أضخم مشروع استثماري قامت به الدولة العثمانية، في حين اعتبر إنشاء خط كهذا، أول خطوة لتحقيق حلم داعب الدولة العثمانية.
وخطط أن يمتد الخط من دمشق إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما أنه كان يمتاز عن الخطوط الحديدية الأخرى بصفته ملكاً لجميع مسلمي العالم.
والجديد بالذكر ان السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لم يكتف بإصدار الأوامر بإنشاء خط حديد الحجاز فحسب، بل مد خطوط برقة على طول الخط أيضاً، الأمر الذي بين مواكبته العصر والتطورات التي تحدث في العالم. ومن ثم فتحت فروع ومكاتب بريدية بين إسطنبول والمدينة المنورة على مدى مسافة الخط في بدايات عام 1900، مما ساعد على توفير الاتصالات التلغرافية بين المدن المذكورة أعلاه[1].
[1] هولاكو (متين)، الخط الحديدي الحجازي- المشروع العملاق للسلطان عبد الحميد العثماني، ترجمة محمد طواش، دار النيل، القاهرة، صـ 17.