سلايدشهادات ومذكرات
د. عادل عبدالسلام (لاش): في مدرسة جوبر الإبتدائية الثانية
د. عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
في مدرسة جوبر الإبتدائية الثانية
تجربتي الأولى في التعليم، مهداة إلى زملاء التعليم في عيدهم
كانت المدارس في سورية تفتح أبوابها قبل بدء الدراسة الفعلية وإلقاء المحاضرات في الجامعة، بأكثر من شهر. وعلمت أن عددا من طلاب الجامعة يستفيدون من الفترة الزمنية هذه بكسب بعض المال بالعمل في التعليم الابتدائي، كمعلمين وكلاء بأجر يومي قدره ثلاث ليرات سورية. لذا قررنا أنا وصديقي أحمد حسن الخطيب (رئيس الجمهورية فيما بعد)، أن ننتهز الفرصة في سنة 1952 لكسب دريهمات أضافية إلى راتبنا الشهري الذي كنا نتقاضاه كطلاب في المعهد العالي للمعلمين. فتمت الموافقة على طلبينا للعمل في مدرسة العشائر في بلدة الضمير بالنسبة لأحمد، وفي مدرسة جوبر الثانية بالنسبة لي.
و جوبر هي بلدة قريبة من دمشق، أصبحت اليوم حياً من أحيائها الشرقية، كانت حافلات الترام المتجهة إلى دوما تمر بها. سافرت إليها واهتديت إلى المدرسة. وكانت داراً ريفية واسعة مبنية من الطين والخشب، وتحوي غرفة في الطبقة الثانية، خاصة بمدير المدرسة ومكتبه. استقبلني فيها مديرها السيد الفنان هشام المعلم، خريج دار المعلمين الابتدائية. ولما قدمت له كتاب مديرية المعارف (التربية فيما بعد)، رحب بي، لكنه قال لي ” وماذا أفعل بك ؟ ونصاب مدرستي من المعلمين كامل”. فأجبته فوراً ” حطني ستبنه- أي اعتبرني كعجلة السيارة الاحتياط باللهجة السورية- لأنني طالب جامعة وسأترك المدرسة بعد شهر”. وباستفساره عن اقتراحي، أوضحت له أنني يمكن أن أحل محل أي معلم يغيب أو يمرض أومضطر لأخذ إجازة أو … (بدو يفركها) لسبب أولآخر. فأعجبته الفكرة. وبالفعل، وبمعرفة المعلمين بالأمر كثرت حالات الغياب عن الدروس في كافة الصفوف، التي كنت أغطيها.
وصدف في أحد الأيام أن حللت محل معلم الصف الرابع، ولما سألت التلاميذ عن حصتهم أجابوا أنها حصة حساب، فقلت لهم خطأ، الآن هي حصة جغرافيا (مادة اختصاصي) . فلم يجرأ أحد على الاحتجاج.
وبسؤالي عن ما تعلموه أجابوا أنهم تعلموا في حصة الجغرافيا السابقة، تعاريف تضاريس السهل والتل والجبل وغيره. فطلبت من تلميذ تعريف الجبل فلم يعرف، فنال نصيبه من ضربات المسطرة على كفيه، وتكررت الحالة إلى أن أجاب أحد التلاميذ معرفاً الجبل تعريفا طريفا لم أنساه ولا زلت أردده حرفياً ومتندراً به في أغلب المناسبات.
خرج التلميذ من مقعده وكان أقصر من عمره بكثير، يرتدي صدرية سوداء بأزرار بيضاء كبيرة، نهاية أكمامها لامعة من كثرة مسحه لأنفه بها. وقف أمام الصف معتداً بنفسه رافعاً رأسه وبدأ وبصوت عال تعريفه للجبل قائلاً :
” الجبل أستاذ، قطعة من الأرض أستاذ، منفوخة أستاذ، من الأسفل أستاذ، وبَس “.
فكان هذا أطرف تعريف للجبل سمعته أو قرأته في مسيرتي الجغرافية.