م.عبد الرحمن الجاسر– التاريخ السوري المعاصر
المربي الراحل / عمر محمد كردي .
معاون مدراء ثانوية المأمون بحلب للفترة 1946 – 1979
اﻹسم : عمر محمد كردي .
تاريخ الميلاد : حلب 1920
تاريخ الوفاة : 24 كانون أول 2000 ، ووري جثمانه الطاهر في تربة ( الصالحين ) بمدينة حلب .
العمل : معاون مدير ثانوية المأمون بحلب لمدة 33 عاما” مستمرة .
الصفات : رجل ذو قامة وقورة ، وشخصية مهيبة ، قوي البنية ، عيناه زرقاوتان كزرقة البحر ، يعلوهما حاجبان كثيفان جدا” ، ذكي ومتوقد الذاكرة ، أنيق المظهر ، حسن الخلق ، حلبي اﻷصل والطباع .
بدأ اﻷستاذ المربي ( عمر كردي ) حياته المهنية في مجال التربية والتعليم ، معلما” حيث عين في مدارس ( جبرين وأرمناز ) القريبتين من مدينة حلب ، عام 1937 وظل حتى عام 1939 ، ثم أنتقل إلى مدارس أخرى بحلب وظل فيها حتى عام 1945 .
وفي العام 1946 تسلم منصب معاون مدير ثانوية المأمون ( التجهيز اﻷولى ) ، وظل فيها حتى تقاعده عام 1979 ، وكان يدرس مادة التاريخ بذات المدرسة إلى جانب منصبه ، وقد عاصر اﻷستاذ عمر كردي 11 مديرا” للثانوية .
وكانت ثانوية المأمون بالنسبة له ، بمثابة بيته الثاني ، حيث قضى فيها جل سنوات حياته ، فقد تسلم مهمته فيها وهو بعمر 26 عاما” .
جوانب من حياته الخاصة :
————————————–
هواياته : كان يهوى السباحة وكرة القدم ، وقراءة التاريخ ومختلف المعارف والعلوم .
مواقف طريفة حصلت معه خلال عمله في ثانوية المأمون :
1 – ذات يوم ، رأى اﻷستاذ عمر من نافذة مكتبه المطلة على مدخل المدرسة ؛ رأى طالبا” ينوي الهروب من فوق السور ، وكانت هناك شيفرة بينه وبين الحارس ( صاروخان ) ، فصفق له ، ووصلت الرسالة لصاروخان !! الذي لحق بالطالب ، وأمسك به وأحضره مخفورا” لمعاون المدير ، حيث نبهه ونصحه بالحسنى وأعاده للصف .
2 – في أحد اﻷيام ، اتفق المدرسون في غرفتهم القريبة من اﻷستاذ عمر كردي ، على عمل مقلب كنوع من الدعابة معه ، فجلسوا القرفصاء تحت المنضدة الكبيرة ، وتلحفوا بغطائها القماشي الكبير ، وقرع الجرس ، ولاحظ اﻷستاذ عمر كردي الصمت يخيم على غرفة المدرسين !! فاندفع إليها لكنه لم يجد أحدا” !! ووقف مندهشا” !! وبحكم فطنته رفع غطاء الطاولة ، ليجد المدرسين تحتها !! فقالوا له ( والله ما مشيت عليك يا أستاذ عمر !! .. أجابهم : على هامان يا فرعون !! ) .
3 – حادثة من ذاكرتي عاصرتها : حيث كنا بالصف العاشر علمي شعبة ثانية – عام 966/967 ، شهر شباط والبرد على أشده ، قرع الجرس ، وحانت حصة التاريخ ، وهم اﻷستاذ عمر كردي بالدخول ، نادى عريف الصف ( قيام ) ، دخل اﻷستاذ عمر يرتدي معطفا” طويلا” وسميكا” لونه رصاصي ، على صدره وأكمامه مجموعة من اﻷزرار النحاسية المزخرفة ، لكننا فوجئنا بطالب مشاغب ، وقف بقرنة الصف الخلفية ، ورفع يده اليمنى بزاوية 45 درجة ، وخبط ببوط الفتوة بقوة ، وقال : ( هاي .. هتلر .. ) !!
اﻷستاذ كردي يومها وقف وعلى رأسه الطير !! لم يصدق ما سمع ورأى !! فاندفع بقوة للطالب ، وشحطه لعتبة السبورة ، وأكل نصيبه يومها قياما” وقعودا” !! ونسي من هو هتلر ، وحتى رومل وموسوليني !!
أولاد الراحل اﻷستاذ عمر كردي :
—————————————
مروة كردي ( مهندسة مدنية ) .
محمد كردي ( طبيب أسنان ) .
عمران كردي ( أدب أنكليزي ) .
رياض كردي ( معلمة ) .
حنان كردي ( دكتورة اختصاص تخدير ) .
في يوم الثلاثاء الموافق 25 كانون اﻷول 1979 ، أقامت ثانوية المأمون حفلا” تكريميا” لﻷستاذ المربي الفاضل ( عمر محمد كردي ) ، ألقيت خلاله كلمات تقديرية ، كما ألقى هو كلمة الوداع ، وتم تكريمه لخدماته الجليلة ..
وفي صبيحة يوم بارد وممطر ، من شتاء حلب القارس ، كان يوم اﻹثنين الموافق 31 كانون اﻷول 1979 توجه اﻷستاذ عمر كردي من بيته قاصدا” ثانوية المأمون بحي اﻹسماعيلية ، أحس بأن شيئا” حزينا” يرتعد بداخله ، فدخل غرفته ، وجلس يودع مكتبه الذي عاش فيه ثلاثة وثلاثون عاما” ، جمع أوراقه وذكرياته ، وارتدى معطفه ، ولعل الدموع تغرغرت في عينيه وهو ينظر إلى جنبات مكتبه ، فكم أستقبل فيه ضيوفا” منذ يوم جلت فرنسا عن الوطن عام 1946 !! وكم أستدعى فيه طلابا” وأولياءهم مقدما” التوجيه والنصح واﻹرشاد ..
غادر عمر كردي مكتبه ، والعبرات تكاد تخنقه ، لكنه رجل عظيم ذو بأس ، لم يدع أحدا” أن يشعر بحالته وحزنه ، ومشى عبر مدخل المدرسة الطويل ، المحفوف من طرفيه بأشجار السرو العملاقة ، مشى واﻷلم يعتصر قلبه ، وهو يودع ثانوية المأمون الوداع اﻷخير !! ووصل للحارس العنيد ( صاروخان ) ، ليجده كالطفل اليتيم بسبب رحيل الأستاذ عمر !! صافحه بقوة ، وأوصاه بالمدرسة ، وفتح له صاروخان الباب الكبير ، واستدار ( عمر كردي ) نحو المدرسة بكل إجلال وإكبار ، ليقول لها :
… الوداع يا ثانوية المأمون …
••••••••••••
بقلم المهندس/ عبدالرحمن الجاسر
طالب بثانوية المأمون 1966- 1968
* شكر خاص للدكتورة ( حنان كردي ) ، والمهندسة ( مروة كردي ) ، لما قدمتاه لي من معلومات عن والدهما الراحل ( عمر كردي ) رحمه الله .