سلايد
ثورة دير الزور عام 1903
أحمد بك العبد العزيز المحسن البْشَاْرْ
يعتبر عهد أحمد رشيد باشا بن سيد مصطفى باشا من أكثر العهود المليئة بالأحداث الهامة لمتصرفية دير الزور والذي امتد من عام 1900 إلى 1907 م ، وإن كان يرى الباحث أحمد السلامة أن عهد المتصرف رشيد باشا بدأ منذ أواسط عام 1902 وحتى عام 1906 م .
شهد عصره الكثير من التطورات السياسية ومن التصرفات القمعية الاستبدادية بحق أهل الدير {{ بخلاف من قبله }} والتي تحمل كم كبير من الاهانات تجاه الديريين كمصادرة قطعان الغنم من الفلاحين ووضع اليد على الكثير من أملاك المزارعين وضرب عدد من الديريين بشكل تعسفي ومنهم ضرب مرأة ديرية بالكرباج…… الخ , وقد عيِّن على دير الزور في السنوات الأخيرة من عهد السلطان عبد الحميد الثاني حيث لم يكن للأخير من الأمر شيء ، فقد كان تعيين المتصرفين والولاة ومقاليد الحكم بشكل عام بيد يهود الدونمة المسيطرين على مفاصل الدولة بشكل كبير حتى قاموا بعزل السلطان عام 1909 م ، ومن أبرز تصرفات رشيد باشا استفزازاً وتعدياً بحق أهل الدير طلبه من شيوخ عشائر المدينة ووجهائها إغلاق جميع دواوينهم مما أدى لأزمة كبيرة في دير الزور دار رحاها لعدة سنين…..
اندلاع الثورة
اندلعت ثورة الديريين عام 1903 – 1904 ضد المتصرف العثماني جراء رفض حزب الشرقيين إعلاق ديوانهم (( ديوان شيخهم )) حيث كان زعيمهم وقتها هو أحمد بك العبد العزيز المحسن البْشَاْرْ وشيخ عشيرة البوحداد و البوعويص من قبيلة الظفير و يشغل منصب الملتزم – ” محصل دار “…..
عندما طلب المتصرف رشيد باشا من شيوخ عشائر الديريين اغلاق دواوينهم لكي يبقى ديوانه هو الوحيد في المدينة كحاكم لها بدأ بتطبيق قراره هذا مع رئيس البلدية آن ذاك الوقت وشيخ عشيرة السادة من قبيلة البقَّارة وزعيم حلف الوسطيين السيد ويس الكرماني العكل الذي وافق على إغلاق ديوانه ، لكن كانت موافقته من باب المسايرة له فقط، حيث اجتمع بعدد من وجهاء البلد سراً وأرسلوا برقية احتجاج رسمية بالتلغراف إلى السلطان عبد الحميد الثاني ضد المتصرف رشيد باشا ، لكن أحد الوجهاء المجتمعين في منزل ويس الكرماني العكل كان من العواينية المعروفين في البلد فذهب سراً إلى قصر رشيد باشا بعد انتهاء الاجتماع وأخبر بتفاصيله ولكن بشكل غير مباشر حيث وقف أمام حائط القصر وقال : {{ يا حايط اسمع شكون عملوا أهل الدير اجتمعوا عند رئيس البلدية واتفقوا على كذا وكذا……. دير بالك على حالك يا حايط }} ، وكان مكان قصر الباشا في قسم من مدرسة غسان عبود بالقرب من ساحة دوار التموين وله بستان كبير يعرف باسم (( بقجة الباشا )) يمتد إلى الشارع العام حتى محل عبارة الكبيسي حالياً ، وعندما علم رشيد باشا بالأمر أرسل إلى وجهاء الدير رسالة تأنيب شديدة مرفقة بتهديد بالحبس والاعدام ،،،،،،
تطورات الثورة
ولقد حدثت تطورات كبيرة بسبب رفض حزب الشرقيين إغلاق ديوانهم – ديوان شيخهم – مما أدى لما يعرف بثورة الديريين عام 1903 – 1904م , بقيادة أحمد بك العبد العزيز شيخ الشرقيين…..
شارك في تلك الثورة حسب تقديرات عدد من الباحثين 80 % من سكان دير الزورحيث طوقوا السرايا و انتشرت المظاهرات في مختلف الشوارع والأسواق والساحات……
كان سكان الدير المدينة يقسمون إلى أربع تكتلات :
الشرقيون و الوسطيون و الخرشان و الغرباء , وقد تفاوتت نسب مشاركتهم في الثورة….
– فيما يخص حزب الشرقيين فقد شارك فيها بالمجمل وبشكل كامل تقريباً…
– أما حزب الوسطيين فقد شارك قسم بسيط منهم {{{ حيث رفضوا الاستجابة لمطالب رئيس البلدية وشيخ الوسطيين آن ذاك ويس الكرماني العكل بعدم المشاركة في المظاهرات ، وذلك بحكم الضغط الكبير الذي مورس عليه من الدولة بحكم كونه رئيس البلدية وقتها ، ومن جملة الرافضين ابن عمه جاسم المحمد العكل وإخوته ، و يعتبر من كبار قادة الاحتجاجات ، وقد كان يرى جاسم العكل ومن معه من الوسطيين المشاركين بالاحتجاجات ، أن هذه الثورة تخص كرامة الديريين جميعاً وليس الشرقيين دون غيرهم }}} ….
– أما حزب الخرشان وأحلافهم فقد شارك قسم كبير منهم في الثورة
– وأما حزب الغرباء فقسم لا بأس به شارك بتلك الثورة…..
وقد ذُكر أن النساء لم يكتفوا فقط بمشاركتهم بالمظاهرات بل أخرجوا معهم أطفالهم وحملوا الرضَّع منهم على أيديهم…..
و نادى الديرييون في انتفاضتهم بانشاء حكم ذاتي لهم {{ دولة تحت ظل دولة }} أسوة بالأقاليم السبعة التي نالت حكم ذاتي لها تحت ظل السلطنة العثمانية
وطالبوا أن يكون أحمد بك العبد العزيز هو حاكم تلك الدولة الثامنة…..
مرددين شعارات [1]
سبع دول وأحمد ثامنهم من فعل فلان استنبول اهتزت أحمد بك ارفع طاقيتك يوم الحرب إحنا سواريتك… (( أو في لفظ آخر سواكيتك )) أحمد بك ولا تهتم سيفك أحمر ينقط دم أحمد بك ولا تهتم إحنا رجالك نجلي الهم أحمد بك اعمل طيارة حط العوج برأس الغارة كل الحادي وما كلينا نشهد بالله ما زلينا كل الحادي وما كلينا يشهد هايس ما زلينا |
قام المتظاهون بالدبكات والهوسات المترافقة مع دق الطبول و المزامير وإطلاق العيارات النارية والسير في جميع الأحياء ، وقد تطور الأمر بسبب قمع المظاهرات لقيام بعض المتظاهرين بشتم وسب المتصرف رشيد باشا و الاشتباك المباشر مع الدرك…..
قمع الثورة والقضاء عليها
وفيما بعد استدعيت تعزيزات من حلب حيث تمكنت إدارة المتصرفية من قمع المظاهرات واعتقال أحمد بك وزعماء التمرد الذين تجاوزوا الثلاثين زعيم جلهم من حلف الشرقيين، فضلاً عن العشرات من المتظاهرين الذين أودعوا في سجن الدير، بينما تم نقل القيادات إلى سجن حلب ثم سيق زعيم الانتفاضة أحمد بك إلى سجن استنبول، وكانت مدة سجنه عام ونصف[2 ] وأصدروا بحقه حكم ( التبحير ) ، وهو ربط الأطراف بلوح خشبي والإلقاء في البحر…..
عفو السلطان عن أحمد بك وعزل المتصرف:
كان مسؤول السجن وقتها الضابط التركي بيرم السجَّان الذي خدم قديماً في دير الزور و له معرفة مسبقة بأحمد بك ويكن له كل احترام لما كان يقدمه من خير وخدمة لأهل بلده ، وقد اتفق بيرم سراً مع أحمد بك لتهريبه من السجن , و قبل تنفيذ حكم الاعدام بالتبحير , بليلة واحدة , صرخ أحمد بك في وسط سجنه منادياً بيرم ورد عليه : أمرك أفندم , فطلب منه اخراجه من الزنزانة , وبالفعل انطلق مسرعاً في الليل حتى تمكن من الهروب خارج مدينة استنبول وليعود بعدها سراً إلى دير الزور ويجتمع بالقادة الوطنيين….
ثم وكَّل وجهاء عشائر الدير رجل الدين والقانون المحنك جداً الملا خلف بن الملا عيسى – من عشيرة السادة فخذ البو شيخ عبدالله – ليترافع عنه وأصدر وجهاء البلد كتابا رفع للسلطان ذكروا فيه أن المتظاهرين لم يقصدوا عبارة : سبع {{ دول }} وأحمد ثامنهم…..
بل قصدوا عبارة سبع {{ دلو }} كناية عن الكرم…..
وقد كان هذا الكلام باقتراح من الملا خلف على وجهاء المدينة…..
وبالفعل جرت تبرأة أحمد بك وإصدار العفو عنه نتيجة الضغط الشعبي الهائل من قبل الديريين ريفاً ومدينة حيث اضطرت الحكومة لإعادة لقب البيك له و جميع الامتيازات والمناصب التي كان يحظى بها بما فيها منصب الملتزم (( محصل دار )) وعضوية مجلس اللواء وعضوية مجلس أعيان الولاية….. الخ ….
وبقي يمارس صلاحياته وضغوطاته حتى تم العفو عام 1905 – 1906 م ، عن كامل زملائه من قادة الانتفاضة المعتقلين في سجون الدولة العثمانية….
وعاد لفتح ديوانه – الذي اعتبر ديوان الثائرين – من جديد عام 1905 م
وتحت الضغط الشعبي عزل المتصرف رشيد باشا عام 1906 وقيل 1907 م
وقد تم منح أحمد بك عام 1914 م ، وسام تكريم من الدولة العثمانية لجهوده التي أبلاها في خدمة البلاد كعضو مجلس لواء الزور ولحسن ادراته وكفائته في العمل ، ومعه أيضاً منح كل من فنوش العبود و عبد الكريم باشا النجرس…… كثلاثة أعضاء فاعلين متميزين بمجلس اللواء…..
نتائج الثورة
في النهاية يختلف عدد من الباحثين والمتتبعين في أحداث تلك الانتفاضة حول تحقيق مطالبها من عدمها…. حيث يرى البعض أنها بالفعل حققت جميع مطالبها لا سيما أنه صار للمتصرفية مكانة متميزة و عصر ذهبي خاصة من عام 1905 إلى 1915 م …..
في حين يرى آخرون أنها لم تحقق شيء من ذلك سوى فرض رأي وموقف على الدولة العثمانية ، وتعاون طرأ بين مختلف مكونات المدينة….
لكن ما يتفق عليه كثير من الباحثين أن لهذه الثورة انعكاسات كبيرة على المنطقة المحيطة بمتصرفية دير الزور في العراق وبلاد الشام وتركيا و الجزيرة العربية …..
ولتاريخ اليوم وبعد مرور 115 سنة على اندلاع تلك الانتفاضة لا يزال الكثير من الديريين يتذكرونها- حتى في فئة الشباب- ولا يزالون يستذكرون جملة (( سبع دول وأحمد ثامنهم )) كأول محاولة لجعل دير الزور كيان قائم بذاته ومحاربةً لتهميشه…..
ويروى أنه في أيام الإحتلال الفرنسي، وأثناء مظاهرات الديريين ضد الفرنسيين كان الكثير منهم يردد عبارة سبع دول وأحمد ثامنهم، وغيرها من العبارات الأخرى التي تذكر أحمد بك العبد العزيز، برغم أنه قد توفي قبل تلك الأحداث بسنين عدة ، ولكن من باب احياء ذكراه العطرة كزعيم وطني بارز…..
ملاحظة : توفي أحمد بك العبد العزيز المحسن البْشَاْرْ ، أبو محمود ، في شهر تشرين الثاني عام 1915 م ، عن عمر 40 عام فقط ….. وعندما حدثت انتفاضة الديريين التي قادها عام 1903 كان عمره 28 عاماً ….. حيث إنه من مواليد 1875 م .
أسماء قادة الانتفاضة المعتقلين…..
كما جاء في الوثيقة العثمانية المرفقة بالمقال :
– صالح الشاهر
– عبد الرحمن جوري
– دووجي جاسم
– جمعة الحاج كردوش ” رئيس البلدية فيما بعد “
– محمد فتيح ” عضو مجلس المبعوثان فيما بعد “
– أخوه عبود فتيح
– عارف عطية
– زلفي الحاج علوش
– جاسم بن أحمد زهبي
– أحمد بك بن عبد العزيز
– دهمش بن جاسم
– حسن الخلف العبد الله
– زنجي جاسم الفرحان
– سليمان العبدالله الاسعد
– خليفة بن شبلي
– يوسف راجي ” والد المخترع مجحم راجي “
– جهادي بن لطيفة
– جمعة بن خلف
– حمد بن خلف العبدالله
– جاسم العكل ” ابن عمي شيخ الوسطيين ويس الكرماني “
– جمعة سليمان
– هزاع نجرس بن كدرو
– سعيد الخلف
– ملا هايس
– دويج بن بن حسن غدير
وهناك أسماء أخرى لم تذكر في الوثيقة …..
أضاف الباحث عمر صليبي على الأسماء
– ياسين الفتيح
– حافظ العلي الحجي
– ابراهيم القنبر
وأضاف الباحث التاريخي عامر النجم على الأسماء
– حسن أفندي المحمد الجاسم
أحد أعضاء حكومة الحاج فاضل الأولى….
يرى الأستاذ عمر صليبي صاحب كتاب لواء الزور ادارياً وسياسياً : اعتبر أن تلك المظاهرات شارك بها أبناء البلد من جميع فئاتهم ، فقد نادت بحقوق الديريين و مطالبهم ، ويخطئ جداً من يحسبها لصالح الشرقيين و أحمد بك ، بل هي لصالح دير الزور بشكل عام ، وقد أكد ان تلك الهتافات نادت باسم أحمد بك لما عرف عنه من خدمة لبلده و للديريين كافَّة….
1- من فعل فلان ، كلمة غير لائقة وفلان هو رجل بسيط ويقصدون بذلك أن أبسط من في الدير يهز استنبول إذا قام بشيء مضحك فكيف أنتم تريدون إغلاق ديوان زعيم كبير من زعماء الدير مثل أحمد بك……
2- سواريتك: تأتي بمعنى الفرسان….
3- طيارة: هي الغرفة العالية أو المنصة المرتفعة ، والمقصود هنا أن يعمل أحمد بك منصة عالية له كأي حاكم وأن لا يبالي بالمتصرف ومن ورائه…..
4-العوج: هو لقب للشرقيين
5-هايس : هو الملا هايس ” رجل دين بارز ومعروف وقتها بدير الزور ” ، وهو الذي رفع الباسطون {{ العكاز }} قائلا : {{ً أشهد بالله مازليتم }} ، فعاتبه رشيد باشا قائلاً كيف تشارك بالمظاهرات وأنت رجل الدين والعلم؟! ، فقال لأنني رجل الدين والعلم يجب أن أشارك بهذه المطالب المنصفة ، و أحمد بك يستحق منا الكثير لنقدمه فقد خدم أهل بلد مراراً وقدم لهم الكثير جداً …..
[2] 6 أشهر في استنبول، و 10 أشهر في حلب، و2 شهر سجن في الدير + تنقلات الطريق…..
ينشر بالتنسيق مع كادر صفحة توثيق أنساب ومشجرات عشائر دير الزور