صبحي العمري 1898-1973
ولد صبحي العمري بدمشق لأب كان قاضياً شرعياً ورجل دين شهير، التقى والده بالسلطان العثماني عبد الحميد الثاني ووالدة السلطان في قصر يلدز مطلع القرن الماضي ، وخصصت والدة السلطان له معاشاً دينياً نظراً لإنتسابه العائلي الى الخليفة الثاني (عمر بن الخطاب ) باسم (دعاء كو).
درس وتخرج من المدرسة العسكرية العثمانية بدمشق برتبة مرشح ضابط عام 1916 قبل أن يلتحق بثورة الشريف حسين في العام التالي نظرا لما شهده من مظالم ثالوث قادة تركيا الكبار( طلعت وانور وجمال باشا)، وكان قائد الجيش الرابع جمال باشا صاحب الاعدامات الشهيرة لأحرار العرب في دمشق وبيروت العامل الحاسم لثورته على جيش السلطنة وكان شاهداً على هذه الاعدامات وصدف ان كان بعض المحكومين أصدقاء والده، الذي عزز فيه الانتماء الوطني والشعور المبكر بالهوية العربية.
اشترك الضابط الشاب صبحي العمري في معارك الجيش العثماني بداية، ونال أوسمة عسكرية عثمانية وألمانية، وسطر أروع ملاحم البطولة عند انضمامه الى الثورة العربية الكبرى، التي خاض غمارها من العقبة وحتى طرد الاتراك من كليكية في الشمال السوري ، وشكل فارقاً في معارك تاريخية مع القبائل البدوية ،ابيدت فيها القوة العسكرية العثمانية التي كان يقودها حامد فخري في معركة الطفيلة التي ردّ عليها مصطفى كمال اتاتورك بمجزرة رهيبة في بلدة طفس قرب درعا، شهدها العمري، وساهم بطرد الاتراك بخطة محكمة عرضها على قائد الجيش البريطاني لاقت هوى في نفسه، وقاد العمري معركتها بنفسه ، نال على أثرها ترقية عسكرية ووسام الصليب الحديدي الذي يمنح للعسكريين الذين يحققون بطولات نادرة عام 1918 .
شهد العمري ميسلون كقائد لسلاح الخيالة، وشهد استشهاد الوزير ودون مذكراته عن المعركة والمعارك السابقة. ورافق الملك فيصل في ايامه الاخيرة قبيل مغادرته دمشق ودخول قوات الجنرال غوابيه ومن ثم غورو، وبدأ بعدها مع الضباط سعيد عمون وفؤاد سليم بشن حرب العصابات لمقاومة الاحتلال الفرنسي وخاض غمار المعارك التي نالت من الفرنسيين في الغوطة والقنيطرة وغيرها .
ساهم العمري في تأسيس جيوش ثلاث دول عربية في دمشق وعمان وبغداد وتنقل بين الدول الثلاث وخاض غمار اربع واربعون معركة حربية على طول مساحة هذه البلاد ، ويسجل له التاريخ انضمامه في العراق الى ثورة رشيد عالي الكيلاني باهدافها الوطنية حيث وصل حينها الى رتبة مقدم وقاد معارك الدفاع عن بغداد خلال الهجوم البريطاني لإعادة احتلال العاصمة بعد سقوط وزارة الكيلاني عام 1941.
نفاه البريطانيون الى سورية بعد أن تمت محاكمته وسجنه في بغداد، وأفرج عنه في العام التالي وتم تسليمه للسلطات الفرنسية التي كانت تلاحقه أيضا بحكم مساهمته في حرب العصابات المناهضة للفرنسيين فتم سجنه في سجن المية والمية في صيدا . بعد سنة وسبعة اشهر افرج عنه عام 1944 بعد تولي الحكم الوطني مقاليد الامور بزعامة الرئيس المنتخب شكري القوتلي، حيث عينه قائدا للشرطة في دمشق بعد وصوله الى سورية قادما من لبنان.
في نيسان 1945 تم نقله من قيادة الشرطة في دمشق، وسمي نائباً لزعيم الدرك.
استقال بعد فترة، وبقي يعمل في الانشطة التجارية ولكنه لم يوفق ، وانتخب نائبا في البرلمان منذ عام 1950 .
في عام 1956 اعتقله عبد الحميد السراج رئيس الشعبة الثانية في الجيش ( المخابرات ) بتهمة المساهمة بالانقلاب الذي اتُهم فيه جمهرة كبيرة من الضباط من مثال محمد صفا وغسان جديد واديب الشيشكلي ، ومن النواب والساسة السوريين من مثال عدنان وفيضي الاتاسي ومنير العجلاني وهائل السرور وعدنان العائدي وغيرهم ، وعدّ قرار الاتهام مؤامرة كبرى تستهدف الحكم الشرعي القائم ، تم الكشف عنها وحكم على الجميع بالاعدام .
بقي العمري في السجن حتى عام 1960 حيث افرج عنه ثم غادر الى مصر ومنها الى تركيا منفيا. عاد الى سورية عام 1965 وتفرغ لكتابة مذكراته وتدوين ما شهده من احداث عاصفة ، دوّن خلالها سجلاً لعشرة كتب تؤرخ للمراحل والسنوات التي عاصرها ، بدأت عام 1969 باصداره الاول ( لورنس كما عرفته ) فنّد فيه المبالغات والروايات الخيالية التي نسب فيها ضابط الاستخبارات البريطاني الفخري في كتابه الشهير (أعمدة الحكمة السبعة ) انتصارات الثورة العربية الكبرى الى ذاته . وبعد رحيله قام اولاده و ورثته بطباعة الجزء الهام من مذكراته بعنوان (أوراق الثورة العربية الكبرى )-( لورنس )-( ميسلون ) وبقي لديه الكثير من الاوراق المجهولة حقق بها أخيرا من واشنطن، كاتب هذه الترجمة عن المجاهد الذي حكمهُ العثمانيون والبريطانيون والفرنسيون واخيرا ابناء جلدته السوريين بالاعدام والنفي والتشرد، والمتوقع صدوره في صيف العام 2018 بمناسبة مئوية انتصار الثورة العربية 1918 – 2018 بعنوان ( صبحي العمري -الاوراق المجهولة) (1).
(1) سعد فنصة، موقع التاريخ السوري المعاصر