سلايدشهادات ومذكرات
كيليكيا في مذكرات ساطع الحصري
كيليكيا في مذكرات ساطع الحصري
إن حصة فرنسة من أراضي الدولة العثمانية كانت واسعة جداً، كما كانت بعيدة عن التجانس من الوجهتين القومية والجغرافية معاً. وعندما طالبت فرنسة بكل تلك البلاد الشاسعة – التي تشمل سورية وكيليكيا وشمال العراق وتمتد حتى الموصل وديار بكر – لم تحسب حساباً لمقاومة الأهالي ابداً. وظننت أن الأتراك سيفقدون قوتهم تماماً، وأن العرب لم يستطيعوا أن يكونّوا قوة، ولم يخطر ببالها قط أنها ستلقى مقاومة عنيفة من الأتراك من جهة ومن العرب من جهة أخرى.
وقبل أن يمضي على انتهاء الحرب سنة كاملة، أخذت فرنسة تدرك شيئاً فشيئاً استحالة السيطرة على جميع تلك البلاد – مع محاربة العرب والترك في وقت واحد- ورأت نفسها أخيراً مضطرة إلى التخلي عن أحد القطرين. سورية أو كيليكيا.
يظهر أن كيليكيا كانت أخذت تستهوي نفوس بعض السياسة – وبعض رجال الاقتصاد- في فرنسة استهواء شديداً: لأن الجبال والأنهار الموجودين فيها، كانت تعد بمستقبل اقتصادي زاهر. زد على ذلك، أنه كان في استطاعة فرنسا أن تجمع هناك، بسهولة كبيرة، جميع الأرمن الذين شردتهم السياسة التركية، وأن تعتمد على مساعدتهم في حكم البلاد باطمئنان.
غير أن ساسة فرنسة، عندما وجدوا أنفسهم في موقف يحتم عليهم الترجيح بين أحد القطرين، لم يترددوا في ترجيح سورية على كيليكيا.
وقد صرح “روبير دوكه Pobert de caix ” الذي كان يعتبر من أهم الأدمغة المسيرة لسياسة فرنسة في سورية – بأسباب هذا الترجيح، فقال: (لو كان يتحتم على فرنسة أن تتخذ قرارها مستندة إلى المنافع والحسابات وحدها، لوجب عليها ان ترجح كيليكيا على سورية، ولكن لفرنسا تقاليد وروابط معنوية كثيرة، تربطها بسورية منذ قرون عديدة، فعليها أن تتمسك بتلك الروابط التقاليد، وأن تتنازل عن كيليكيا في سبيل الاحتفاظ بسورية إذا اقتضى الحال).
وقد عملت فرنسا بهذا الرأي : إنها تخلت عن كيليكيا، وتصافت والأتراك. وأوصلت هذه المُصافاة إلى مرتبة المساعدة الفعلية، إذا تركت لهم جميع العتاد والأسلحة التي كانت في كيليكيا، لأنها اعتبرت أمر السيطرة على سورية بمنزلة أتمام مهمة تاريخية – صيانة للشرف والكرامة القومية – كما كان صرح بذلك بوانكاريه قبل الحرب العالمية، عقب الأزمة البلقانية[1].
[1] الحصري (ساطع)، يوم ميسلون، صفحة من تاريخ العرب الحديث، منشورات وزار الثقافة، دمشق 2004، صـ 70.