القاضي الشيخ حسين الجبين 1881- 1957
يعدّ الشيخ حسين علي أغا الجبين واحداً من أبرز رجالات الكتلة الوطنية في سوريا وفي المنطقة الشرقية على وجه الخصوص.
ولد في دير الزور عام 1881 في جادة “علي أغا الجبين” التي ما تزال موجودة حتى اليوم من بقايا الدير العتيق، والتي سكن فيها الشاعر الفراتي لاحقاً وأُطلق عليها اسمه تكريماً لمكانته.
ويتحدر آل الجبين من قبيلة زبيد العربية ومن عشيرة الغانم الظاهر من العفادلة الذين انتشروا في الفرات الأوسط والأعلى من حويجة عبيد والموصل في العراق إلى مدن دير الزور الرقة والحسكة وأريافها.
درس الشيخ حسين الجبين الشريعة والفقه وعلوم الدين في دير الزور على يد العلامة الشيخ حسين الأزهري، وكان ثاني كتّاب المحكمة الشريعة في لواء الزور. فقد تم تعيينه من قبل الشيخ أحمد الراوي الذي كان مفتيا لعدة ألوية في البلاد العثمانية والذي يقول عن الشيخ حسين الجبين في مذكراته “عينت الشيخ حسين الرمضان كاتباً أولاً في محاكم اللواء، وهو من أفاضل العلماء.
والشيخ حسين الجبين كاتباً ثانياً وهو من أهالي دير الزور، ويعد من خيار أهل ذلك الزمن، والشيخ محمد نجيب كاتباً ثالثاً وهو خطيب جامع السراي القديم”.
صاهر الشيخ حسين الجبين أسرة موسى الحاج الحديدي في القرن التاسع عشر، فتزوج من حفيدته، وعمل في السياسة في أواخر العهد العثماني، وشارك في الثورة العربية الكبرى، حين تم إيفاد مرعي باشا الملاح ليكون متصرفاً لدير الزور على رأس قوة عسكرية.
ويروي المؤرخ ثابت عزاوي أنه وفي الرابع من ديسمبر ١٩١٨ وصل الأمير علي بن ناصر ابن عم الأمير فيصل موفداً من الشريف ناصر في حلب، فقام بجولة تفقدية في أنحاء المتصرفية وزار عشائر الفرات واجتمع بأعيانها وشيوخها. فبرز الشيخ حسين الجبين كأحد وجهاء دير الزور في العهد العربي الفيصلي الأول الذين بايعوا الشريف حسين ملكا على العرب، وولده الأمير فيصل بن الحسين بإمارة الشام.
وفي 11 يناير من العام 1919 دخلت القوات البريطانية مدينة دير الزور قادمة من جهة الشرق، واتجهت على الفور إلى دار المتصرف العربي مرعي باشا الملاّح الذي استغرب وجودها، وكانت دهشته أكبر حين طلب إليه الكابتن كارفر أن ينزل العلم العربي عن دار الحكومة ويغادر المدينة بعد أن يسلمه مقاليد الأمور فيها، مؤكداً له أن الحكومة العربية بدمشق تقر دخول البريطانيين لدير الزور، ولا تعارضه. ولقد رفض الملاّح إنزال العلم العربي عن دار الحكومة، وتسليم البريطانيين إدارة المنطقة قائلاً إنه “لا ينفذ إلا أوامر الإدارة العربية”. كما يؤكد المؤرخ عمرو عبد الإله مرعي الملاح. الذي يضيف “أنهى البريطانيون الطور الأول من الحكم العربي لمنطقة الجزيرة السورية الذي استمر مدة وجيزة لم تتعد أربعة وعشرين يومًا (7 ديسمبر/ كانون الأول 1918- 11 يناير/ كانون الثاني 1919)”. وتمثل الدافع الحقيقي في محاولة السلطات البريطانية وضع دير الزور في منطقة نفوذها، فغدا لواء دير الزور تابعًا للمعتمد البريطاني في العراق.
بعد ذلك دخلت القوات الفرنسية دير الزور في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1921 فوجهت باحتجاجات كبيرة ومظاهرات عمت شوارع المدينة. فقامت المدرعات الفرنسية بتطويق منزل الحاج فاضل العبود وتم نفيه مع مجموعة من أعيان دير الزور من بينهم الشيخ حسين الجبين الذي نفي إلى بلدة الحسكة حوالي العام 1924، فأصبح قاضياً شرعياً في المدينة الناشئة آنذاك.
بعد أعوام من إقامته فيها، اختار الشيخ حسين الاستقرار في الحسكة، ولم يعد إلى دير الزور رغم بقاء أشقائه وشقيقاته فيها. وأسس، بعد تقاعده من سلك القضاء في الحسكة، مكتباً للمحاماة مع صديقه النائب في البرلمان السوري السيد لطفي الحاج حسين.
أثناء استقراره في الحسكة، كان من الذين احتضنوا دولة رئيس الوزراء اللبناني رياض بك الصلح حين تم نفيه إلى مدينة القامشلي حديثة النشوء انذاك باعتباره أحد أعيان الكتلة الوطنية.
كان الشيخ حسين الجبين صلة الوصل ما بين رجال الكتلة الوطنية وقبلها حزب الشعب وزعيمه الدكتور عبدالرحمن بك الشهبندر، وبين رجال العشائر ووجهاء المنطقة الشرقية. وعمل مع مجموعة من نخبة الجزيرة السورية على تحقيق الاستقلال والتصدي للمشاريع التي طرحتها فرنسا، ومن بين هؤلاء كان الشيخ جميل المسلط شيخ الجبور والشيخ دهام الهادي شيخ مشايخ شمر والزعيم الكردي حاجو أغا، واعتقل مع عدد من الوطنيين السوريين وعلى رأسهم دولة الرئيس سعدالله بك الجابري عام 1933.
عرف عن الشيخ حسين الجبين أنه كان من الأعيان الذين رحبوا باللاجئين السورايا (السريان والآشوريين والكلدان المسيحيون) الذين قدموا إلى منطقة الحسكة بعد مجازر سميل في العراق في الثلاثينات، وقدموا لهم المساعدة للاستقرار. فنشأت صداقات عميقة بينه وبين ملوك الآشوريين الذين انتشروا في ريف الحسكة الشمالي والغربي.
وبينما كانت دمشق أول مدينةٍ عربيةٍ تُنشئ غرفة زراعة في عام 1892 تحت اسم غرفة تجارة وزراعة دمشق، ثم انفصلت غرفة زراعة دمشق لتصبح غرفةً مستقلةً عام 1927، تأسست غرفة زراعة حلب عام 1936، وبعد الجلاء ساهم الشيخ حسين الجبين بإنشاء غرفة زراعة الحسكة. بحكم ملكيته في المنطقة والتي اتسعت لتشمل العديد من القرى على امتداد نهر الخابور. وشارك بتنظيم العلاقات السكانية الإدارية في الشمال السوري، وكان على رأس مستقبلي فخامة الرئيس شكري القوتلي مع صديقه المطران قرياقوس وبقية وجهاء وأعيان الجزيرة السورية.
ترك الشيخ حسين الجبين عدداً من المخطوطات في علوم الدين وأصول الفقه والمواريث، وتوفي عام 1957 في الحسكة ودفن فيها وشهد تشييعه موكباً مهيباً شارك فيه جميع أطياف الجزيرة السورية وعلى رأسهم رجال الدين الإسلامي والمسيحي وشيوخ العشائر ورجال السياسة السورية آنذاك.
ـ المصدر والصور أرشيف آل الجبين