أعلام وشخصيات
سراج حلب
د. عبدالسميع الأنيس – التاريخ السوري المعاصر
الشيخ عبد الله سراج الدين
كثير هم العلماء، ولكن القليل منهم مَن يكون له هذا التأثير الإيماني!
وكل من حضر دروس الشيخ عبدالله سراج الدين – رحمه الله – التي كان يلقيها في مساجد حلب الشهباء، بل من رآه مجرد رؤية – يشعر بذلك!
وأنا أدعو كل من تتلمذ على الشيخ، أو كان قريبًا منه، أن يكتب عن هذا الإمام، ولا سيما تلاميذه الكبار، أمثال:
الأستاذ العلامة المحقق المحدِّث الشيخ محمد عوامة.
والأستاذ الدكتور نور الدين عتر، وهو ابن أخته وصِهره.
والأستاذ العلامة الرباني المحدث الشيخ زهير الناصر، وابنه الأستاذ الدكتور الشيخ محمد نجيب سراج الدين حفظهم الله، وغيرهم كثير.
وأن يعرِّفوا الأجيال بهذه النماذج التي جمعت بين العِلم والعمل، بين التفسير والحديث.
فأين مِثل هذه النماذج التي اتخذت من المساجد منطلقًا لبثِّ علوم القرآن والسنَّة حسب منهج السلف الصالح.
ما زلت أذكر وأنا في ريعان الشباب، وقد ساقتني الأقدار فدخلت جامع الحموي الواقع في محلة باب الأحمر قرب قلعة حلب، بعد صلاة الفجر، وإذا بالمسجد وقد غصَّ بالناس، والشيخ السراج يفسِّر سورة الرحمن.
وكان ربما أول لقاء أشاهد فيه الشيخ.
كان عليه سمتُ العلماء، وهدي الصلحاء، وتحقيق العلماء، وحِفظ المحدِّثين، وتدقيق المفسرين!
سقيًا لتك الأيام ما أجملها! وما أبهاها! وما أطيبها!
ثم قمت أبحث عن دروس الشيخ، وأحاول أن أتابعها، سواء في جامع بانقوسة في محلة باب الحديد، أو في الجامع الأموي الكبير يوم الاثنين بعد صلاة الظهر.
وكلها مجالس عامرةٌ بالعلم والإيمان.
ثم أكرمني الله فانتسبتُ إلى المدرسة الشرعية التي كان يشرف عليها، وتسمى الشعبانية بعد مرحلة الابتدائي.
لقد كان الشيخ – رحمه الله – حافظًا متقنًا للقرآن، وقد أنشأ مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم خرَّجت المئات!
وكان يوصي بحفظه، وقد أوصاني بذلك، وكنت مع والدي – رحمه الله – في زيارة له:
فقال لي: احفظ القرآن؛ فإن القرآن مثل الصيدلية يتناول منها العالم ما شاء، ومتى شاء!
وكان الشيخ يحفظ الحديث، وحدثني الثقاتُ أن عدد الأحاديث التي كان يحفظها تجاوزت عشرات الآلاف!
ولم نسمع في الأزمنة الأخيرة من يسرُدُ الحديث كسرده! مع نغمة جميلة، وهيبة وجلال ووقار، وكان له صوت جميل مع خشوع سرعان ما يخترق القلوب!
وكان مهابًا محبوبًا، لا يستطيع أن يقطع الطريق مشيًا على الأقدام من كثرة ازدحام الناس للسلام عليه.
وصدق الدكتور عبدالحكيم الأنيس عندما قال:
ومضى بآياتِ الكمالِ مُتَوَّجًا ✦❃✦مَلَكَ القلوبَ وليس ذا سلطانِ
وكان مخلصًا عابدًا ورعًا تقيًّا، وكان عاقلاً، بل عقل كله!
ومن يطَّلع على الأعمال والمدارس التي كان يشرف عليها في ظروف صعبة، يعلم مدى ما كان يتمتَّعُ به من عقل راجح!
وأخيرًا: لا بدَّ من دراسة ظاهرة الشيخ عبدالله سراج الدين!
وكيف تم تكوينُه العِلمي والعملي، ودراسة المناهج التي كانت سائدةً في عصره، ومحاولة الاستفادة منها؛ فإن الأمةَ اليوم بها حاجة ماسة لمثل هذه النماذج التي تعرِّفهم على الله سبحانه، وتربطهم به، بمنهج شرعي عِلمي، سليم من البدع والشوائب التي كثُرت وانتشرت!
وأصدق بيت من الشعر فيه قول الدكتور عبدالحكيم – سلمه الله -:
قدْ كُنتُ إنْ أبصرتُ وجْهَكَ مَرةً ❃أجد الحياةَ بخاطري وجَناني
أعظِـمْ بهــا مِنْ نــظرةٍ آثارُهــــا ❃مشــهودةٌ كالرُّوحِ في الأبدانِ