باسل عمر حريري – التاريخ السوري المعاصر
هي كبرى بنات الشاعر والعلامة “قسطاكي الحمصي”، استطاعت بفضل ذكائها وجرأتها من تخليص أبناء حلب في العام 1916 من المشانق .
هي زوجة الوجيه المالي والصناعي الحلبي “ألبير حمصي” الذي كان صاحب “بنك حمصي” في “القاهرة” و”حلب”، والذي كان من كبار مؤسسي شركة النسيج الآلي بحلب في العام 1935.
كانت السيدة “علية الحمصي” بارعة الجمال وكانت ذات مكانة اجتماعية عالية في مجتمعها، وتخبرنا أختها السيدة “زوية الحمصي” عن قصتها في العدد الخاص من مجلة “الكلمة” الصادر في العام 1965 وقد كتبت ذلك باللغة الفرنسية في العام 1916:
بينما كانت الأحكام التعسفية على أشدها وأعواد المشانق تنصب في ساحات مدن “دمشق” و”بيروت”، كانت “حلب” تخشى أن يصيبها سوء طالعهما ولذلك كانت الابتهالات والصلوات ترتفع إلى الله من بين جدران الكنائس والجوامع تتلوها قلوب هلعة واجفة. وفي ذلك الحين عُقدت في مدينة “حلب” جلسة هامة لأركان ديوان الحرب الذي كان يضم “جمال باشا”، و”مصطفى باشا” الذي عُرف فيما بعد باسم “أتاتورك” وغيرهما من رجالات الجيش البارزين، وقد طلب “جمال باشا” من “ألبير الحمصي” إقامة مأدبة على شرف هؤلاء الأشخاص.
وبينما كانت ربة المنزل تراقب استعدادات هذه الدعوة الهامة وجدت نفسها أمام بعض السيدات من معارفها أتينها جزعات يتوسلن إليها أن تلتمس العفو عن أزواجهن المسجونين بتهمة الخيانة العظمى، وفي المساء حين كان فرسان الجنود يحيطون بحي “العزيزية” وكان منزل “ألبير الحمصي” يتلألأ بأنوار المصابيح والضيوف كانت المضيفة تظهر ببشاشتها ومهابتها المعهودتين، وكان الموقف يحتاج إلى جرأة ومرونة للقيام بمفاتحة “جمال باشا”، فذهبت إليه وفاتحته بالموضوع وراحت تدافع عن هؤلاء المساكين بكثير من الدراية والنعومة حتى أنقذتهم من حكم الإعدام”.
بفضل هذه الوساطة.. قُدّر لأهل “حلب” أن لا يشاهدوا أعواد المشانق، وبالمناسبة هناك مثل حلبي شهير يقول: “فلان أو فلانة بتنزّل من المشنقة”، وهذا ما فعلته السيدة “علية الحمصي” أحلى جميلات عصرها والتي قال فيها الشاعر”ميخائيل الصقال” هذه الأبيات التي يحتفظ بها تحت صورتها حفيدها السيد “جورج إنطاكي” في منزله وهي:
ماذا أرى! هل هذه الحوراء أم ملك **على عرش الجمـال قد اســــتوى
هذي العلية بابلي عيونها يروي لنا **عــن حســـــنها ســـــــور الهــدى
فاقـرأ بطـرف خاشــــع في وجههـا **ما ضل من عَبَدَ الجمال ولا غوى
وقد كانت كما يصفها المرحوم الأستاذ “فتح الله الصقال” زوجة صالحة، وأمّاً عطوفة، وزينة المجتمعات، ومحسنة كريمة، ومثال للتقوى والفضيلة، لها من الباري والرحمة بقدر حسناتها.
وحول قصة هذه السيدة تقول السيدة “بياظ حمو” وهي من حي “الأشرفية” بحلب”: «قصة السيدة “علية الحمصي” هي قصة امرأة حرة وذكية ومؤمنة بكرامة شعبها وحقه الطبيعي في مقارعة الاستعمار البغيض وطرده من أرض الوطن وكان لها ولغيرها ما أرادوا من حرية واستقلال».
السيدة “أمينة إبراهيم” من منطقة “الأشرفية” قالت: «تحمل قصة السيدة “علية الحمصي” دلالات وطنية عديدة تتعلق بقدرتها كامرأة متحررة تتوقد ذكاء وتحرراً، وهي ذات شخصية قوية تحتاج إليها كل سيدة في بلدنا، فقد كانت قادرة على تخليص العشرات من أبناء مدينتها من الإعدام المحقق بسبب وحشية المستعمرين وقسوتهم في التنكيل بالشعب وهدر كرامته .
– المصدر : حديث المهندس “عبد الله حجار” وهو باحث أثري ومستشار جمعية العاديات لمدونة وطن eSyria .
المصدر:
أرشيف باسل عمر حريري – الموسوعة التاريخية لأعلام حلب