دراسات وترجماتسلايد
د. عادل عبدالسلام (لاش): الشركس في التراث العربي الإسلامي
د. عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
الشركس (الكشك (Gashag) في التراث العربي الإسلامي
(مختصر من بحث موسع للكاتب نفسه من سنة2009.)
ترجع معارفنا الأولى عن الشركس القدماء وأسلافهم إلى ما حفظه لنا الرواة والشعراء والمحدِّثون وغيرهم من أبناء الشعب الشركسي، من أخبار وروايات وآداب وأشعار وأمثال وملاحم بطولية وأناشيد وأدعية ذات طابع ديني وغيرها من إنجاز فلوكلوري شعبي، يُتوِجه الرصيد الضخم من المعرفة التي حملتها إلينا الملاحم البطولية للنارتيين، وتعود إلى أواخر الألف الثاني ومطلع الألف الأول قبل الميلاد، التي تأخر جمعها وتسجيلها ونشرها كاملة وفي سبعة مجلدات، حتى العقدين السادس والسابع من القرن العشرين على يد أسكر حَدَه غالئة(А. ХЬЭДЭГЬЭЛlЭ). يضاف إلى ذلك نتائج دراسة اللقى والمكتشفات الأثرية في التلال المنتشرة في الوطن الشركسي، ومن بينها لألواح المزبورة بكتابات وورموز تعود لحضارة مايكوب (مية قوابه) ما زال الباحثون مثل ماركوفين، ونوربي لوباتشة وغيرهما يعملون على فك مضامينها. والتي تميل إلى ربط الشركس بأرومة أسلافهم الحاتيين (وليس الحثيين)، وأحد فروعهم المعروفين في النصوص المسمارية بالـ (الكاسك) أو (الكشك).
أما معارفنا المسجلة والموثقة عن الشركس والقفقاس فترجع إلى الجغرافيين والمؤرخيين والرحالة اليونان والرومان أمثال أورفي ORPHEE ، وهيرودوت HERODOTE وسكيلاكس SCYLAX، وخاصة سترابون STRABON الذي يعد أكثر المؤلفين الأوائل معرفة بالقفقاس وأحوال شعوبه.
كذلك حظي القفقاس وسكانه بقسط واف من الأعمال البيزنطية المكتوبة في إطار ما يعرف بـ (مجموعة الكتابات البيزنطية) المؤلفة من أربعة مجلدات ضخمة يقع كل مجلد منها في نحو ألف صفحة، خصص المجلدان الثالث والرابع منها للحديث عن القفقاس وأحواله. لكن أغلب الأعمال والكتابات الرومانية – البيزنطية، و(مجموعة الكتابات البيزنطية)، على الرغم من غناها، فإنها فقيرة بالمعلومات عن الشركس والقفقاس الشمالي، لأنها تركز على أصقاع القفقاس الجنوبي أوما يعرف بـ (ما وراء القفقاس)، الذي كان مسرح صراع بين القوى البيزنطية والفارسية-الساسانية، لاسيما بعد دخول المسيحية إلى تلك الديار على يد البيزنطيين، ومنافستها للزرادشتيه – المزدكية وعبادة النار. وخاصة بعد اعتناق الجورجيين ودولتهم، الدين المسيحي في مطلع القرن الرابع الميلادي في زمن القيصر قسطنطين الكبير (206- 337م). حيث تتحدث المصادر البيزنطية عن الشركس فتقول:
” أن الشركس أو الأديغة كانوا أنشط القبائل والشعوب الجبلية في القفقاس الشمالي سياسياً وأكثرهم أهمية… وأن الشركس اهتموا ومنذ القدم بالزراعة وتربية الحيوانات، وكانوا يقسمون اجتماعياً إلى خمس مرتبات: الأمراء، والنبلاء والأحرار وعامة الشعب، والعبيد. وقد أثروا في جيرانهم من أقوام. القفقاس الشمالي تأثيراً كبيراً بفضل مستواهم الحضاري الرفيع والمتقدم نسبياً “. نقلاً عن ساندرز ص81 ميونيخ 1944.
وعلى الرغم من وصول طلائع الجيوش الإسلامية إلى القفقاس الجنوبي والاستيلاء على أذربيجان على يد جيش سراقة بن عمر سنة 647 م (22ﻫ). وتوغل قادته بكر بن عبد الله، وعبد الرحمن بن ربيعة في أنحاء ما وراء القفقاس، بقي سكان شماله من الشركس وغيرهم على مسيحيتهم، أو معتقداتهم الوثنية القديمة حتى القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين. كما بقيت المعلومات عن القفقاس الشمالي محصورة في نطاق الأخبار المروية المنقولة المفتقرة إلى الدقة العلمية القائمة على المشاهدة والمعاناة الميدانية.
ترجع بدايات الحديث عن القفقاس وأقوامه في أدبيات التراث العربي الإسلامي إلى ابن خُرداذبة الفارسي الأصل ومصنفه الجغرافي (المسالك والممالك) (سنة 858 م.) الذي يعد أقدم مصنف جغرافي إسلامي وردت فيه أسماء أماكن وأقوام وأخبارالقفقاس. يهمنا منها ذكره لنهر (الدون) باسمه اليوناني (تنائيس) المحرف عن الأصل الشركسي (تينهТенэ ). ولم تسعفنا أعمال اليعقوبي، والبلاذري، وابن الفقيه، وابن رُسته من جغرافيي القرن التاسع الميلادي بأكثر مما تقدم، أو بما يستحق الاستشهاد به في دراستنا هذه. وكان علينا الانتظار حتى القرن العاشر الميلادي وتأليف المسعودي لكتبه. حيث خص القفقاس بنصيب واف من الحديث عنه. وبقيت معلوماته عنه وأخباره عن أحوال شعوبه وأقوامه أساسا لمن كتب من بعده، ومرجعا ينهلون منه زمنا طويلا. وتتميز كتابات المسعودي أنها نتاج مشاهداته الميدانية وجمعه أخباره من أ هل القفقاس الذي زار أصقاعه الجنوبية دون شماله الشركسي. ومع ذلك ترك لنا الكثير من المعلومات والأخبار عن الشركس وبلادهم نقلها عن رواة، أومنقولة عن الأخبار التي كانت متداولة في أوساط القفقاس الجنوبي، أومن أشخاص قفقاسيين شماليين قابلهم. إذ يقول في ثنايا صفحاته : (لا أعلم ملتها ولا نمي إلى خبرها)، أو يقول: (فيما زعم قوم من أهل العناية بهذا الشأن)…وعموماً تنحصر الفقرات والنصوص الخاصة بالقفقاس وبشعوبه وما يتصل بهما في المجلد الأول من كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر). لعل أبرزها حديثه عن نهر (تينة-الدون) وبحر (موتئه-آزوف)، الذي يعد وثيقة لغوية وحجة تاريخية وإثنية جغرافية مهمة للأمة الشركسية، إذ تقدم الدليل على امتداد ديارها شمالا إلى ما وراء وادي نهر بشيز (الكوبان) حتى نهر الدون وبحر آزوف. الأمر الذي يتفق مع ما جاء في ملحمة شباتينقوه النارتية الشركسية، من ذكرلهذا النهر، في سيلق وصف هذا البطل الأسطوري وخط سيره في الأنشودة المعنونة باسمه نجتزئ منها مايأتي:
فارس الفرسان والمميز منهم ЩЫУМЭ ЯЛЫЯГЪ
يستهدي بنهر تينة (الدون) ТЕНЭ КЪЫРЭГЪУАЗ
كذلك يُعد كلام المسعودي عن البحر الأسود وبحر آزوف، وذكره الأخير باسمه الشركسي القديم مرجعاً مهما للباحثين. فقد كتب المسعودي البحر الأسود باسمه اليوناني – الروماني المعرب، وأورده بأشكال مختلفة مثل (نيطس ونيطش) و (بنطش وبنطس). والأخيرة أقرب إلى الأصل اليوناني (بونتوس PONTUS). وإليه نسبت جبال شمالي تركية المعروفة ب (كور أوغلوداغلر). لكن ما يهمنا في هذا المجال هو ذكر المسعودي اسم بحر آزوف بشكلين هما (مانطس) و(مانطش). وهما يعكسان بوضوح الأصل الشركسي للاسم الذي ذكره المسعودي في موضع آخر تحت اسم (بحر مايطس) إذ أن الاسم الشركسي القديم لهذا البحرهو (موتئه) أو (موتئ) (МЫУТl)، الذي يُعتقد أن أسلاف الشركس نُسبوا إليه أو العكس؟، وهم (الميوت) الذين قامت دولتهم على سواحل بحر آزوف الشرقية والأراضي الممتدة بين نهر الدون شمالا ونهر بشيز (الكوبان) جنوباً، منذ الألف الأول ق.م وحتى القرن الخامس الميلادي. وعرفوا في المؤلفات الكلاسيكية باسم الشعب الميوتي MAEOTAE. وتعني كلمة (МЫУТl) الشركسية: (غير المحجوز أو غير المغلق) كما تعني (غير المترع بالماء) أيضا. والمعنيان ينطبقان على الطبيعة الجغرافية لبحر (أو بحيرة آزوف). فهو مفتوح على البحر الأسود ومتصل به عن طريق ممر كِرتش المعروف عند الشركس بـ (ХЫТlУАЛЭР)، أي مضيق البحر.كما أن حجم مياهه صغير لقلة أعماقه وضحولته، فهو غير مترع بها وعرف على خرائط العصور الوسطى بـاسمهاللاتيني (Maeotis palus) الذي يعني المستنقع الميوتي. وقد أخطأ كروبنوف حين ذكر أنها تعني (البحر النتن) لظنه أن أصل الكلمة الشركسية هو (МЫУТ) وليس (МЫУТl). والدليل القاطع على قدم هذه التسمية وعلى أصلها الشركسي هو ما جاء في أنشودة أشمز البطل النارتي في اللاحم النارتية الشركسية الذي يقول لأمه التي تسأله عما سيفعل، إذا أسبغ على جسمه الدروع وارتفعت درجة حرارة الحديد: (النص بلهجة الشابسغ)
الأم: -إذا لبست الدروع АШЪОХЭР ЗЫЩЫПЛЪЭМЭ
-ألن تشتعل فيك النار الكبرى يا بني МЭШlОФХО КЪЫПКlЭНЭЬА О,СИКlАЛЭ
أشمز: -إذا اشتعلت في النار الكبرى МЭШlОФXОР KЪЫСКlАНЭМЭ
-فإنني سأدخل الموتئه يا أماه О,СИНАН МЫУТlЭМ СЫХЭXЬАНБЭ
وتعد هذه الأنشودة من أقدم أناشيد الملاحم النارتية وتعود إلى مطلع الألف الأول ق.م. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاسم الراهن لبحر (آزوف) ذو جذور شركسية واضحة وتعني في لهجة القبرتاي الفم الضيق (lУЗЭЖЪУ- lУЗЭВ)، وهذا يتفق أيضا مع واقع بحر آزوف الذي يتصل بالبحر الأسود عبر فتحة ضيقة هي ممر كرتش اليوم.
لكن الإنجاز المهم الذي يجده المرء في مروج الذهب يتمثل بما جاء في حديث المسعودي عن أسلاف الشركس المعروفين تحت تسمية (الكشك). إذ أورد المسعودي في مؤلفه فصلا مستقلا يقع في أكثر من ثلاثين صفحة في المجلد الأول عنوانه:
(ذكر جبل القِبْج”الفتح” وأخبار الأمم من اللان والسرير والخزر وأنواع الترك)
(والبرغر وغيرهم وأخبار الباب والأبواب ومن حولهم من الملوك والأمم)
يتحدث فيه عن جبال القفقاس التي يرد اسمها عنده في أكثر من 15 موضعاً وبأشكال مختلفة هي :جبل القَبْج، وجبل القَبْق، وجبل الفتح. ويعرفنا به فيقول:
(أما جبل القبج فهو جبل عظيم، وصقعه صقع جليل قد اشتمل على كثير من الممالك والأمم. وفي هذا الجبل اثنان وسبعون أمة، وكل أمة لها ملك ولسان بخلاف لغة غيرها)، كما يعطينا أبعاد الجبل في الصفحة ذاتها فيقول:
(وجبل القبج يكون في المسافة علوا وطولا وعرضا نحوا من شهرين بل وأكثر) كما يقول (حوله أمم لا يحصيهم إلا الخالق عز وجل). ثم يذكره في فقرة أخرى يقول فيها:
(من شعابه مما يلي بحر مايطش المقدم ذكره فيما سلف من هذا الكلام الذي ينتهي إليه خليج القسطنطينية. وعلى هذا البحر طرابزوندة، وهي مدينة على شاطئ هذا البحر لها أسواق في السنة يأتي إليها كثير من الأمم للتجارة من المسلمين والروم والأرمن وغيرهم من بلاد الكَشَك).
إن أهم ما جاء في النص الأخير، هو ذكر المسعودي مدينة طرابزوندة وهي مدينة وميناء طرابزون التركية على البحر الأسود، وتردد أقوام قفقاسية على أسواقها… لكن الأهم فيما يخص الشركس هو ذكره الكشك بين بلاد الأقوام التي تأتي إلى الساحل الشمالي الشرقي من شبه جزيرة الأناضول. فهنا وللمرة الأولى نقرأ في كتب التراث العربي الإسلامي كلمة بلاد قوم (كشك). الذين يرد في الصفحة 217 من المجلد الأول حديث مطول نسبيا عنهم، حيث يقول المسعودي:
(ثم يلي مملكة اللان أمة يقال لها كَشَك. وهم بين جبل القبج وبحر الروم. وهي أمة نظيفة منقادة إلى دين المجوسية. وليس فيمن ذكرنا من الأمم في هذا الصقع أنقى أبشارا ولا أصفى ألوانا، ولا أحسن رجالا، ولا أصبح نساء، ولا أقوم قدودا ولا أدق أخصارا ولا أظهر أكفالا وأردافا، ولا أحسن شكلا من هذه الأمة……).
وحول هذه التسمية أقول أن صيغة الاسم (كَشَك -Gesheg-)، ترد في المصادر المختلفة بأشكال نطق ورسم عديدة مثل: كَشَك ،وكَسَك،وكاسك، وكاساك، وكيسَك، وكيشك وغيره. ومع ذلك فالأصل واحد والجذر هو كلمة (كاسك أو كاشك أو كاسي) الاسم القديم لهذه الأمة في الألف الثالث ق.م (بحدود 2400 ق.م) والكاسيون بإجماع سائر الباحثين هم أسلاف الميوت القدماء (بين 800 ق.م حتى القرن الخامس الميلادي). وترى الدراسات المتأخرة أن الكاسكيين هم أحد فروع أو أحفاد الحاتيين (وهم ليسوا الحثيون الذين غزوا بلاد الحاتيين واحتلوها وأقاموا فيها المملكة الحثية المشهورة)، الذين عمروا القفقاس الشمالي قبل 6000 سنة (بحسب ن. لوباشئه 1991) وقبل 9000 – 10000 سنة (بحسب ر. قوادجة 1991). والمعتقد أن الحاتيين (وليس الحثيين) انتشروا في بقاع واسعة من حوض البحر الأسود، حيث امتدت مواطنهم من الربع الشمالي الشرقي للأناضول، وعلى طول السواحل الشرقية للبحر الأسود وبحر آزوف وشماله. وعلى العموم فإن الشعوب المجاورة للشركس (الكَشَك) أطلقت على الشعب الشركسي تسميات مشتقة من كلمة (كشك) أو محرفة عنها، فالخزر والروس عرفوهم باسم (كَسوغ أو كاسوغ) بين القرنيين السادس عشر والثالث عشر الميلاديين، وكان يطلق على القبائل الشركسية في حوض نهر بشيز (الكوبان) وأصقاع شرق البحر الأسود والسهول المجاورة لبحر آزوف بين الدون وبشيز، كذلك عرف الجورجيون الشركس باسم (كَشْك) و (كَشاغ). ودعاهم الأرمن (غاسك GASK) والروم البيزنطيون (كاساخ). ويورد يوليوس فون كلابروت شواهد على تسمية بعض الأقوام القفقاسية الشركس ب (كَسَك) أو (كاساك) فيقول:
(استنادا إلى أقوال الأوستيين، فإنهم – أي الأوسيتيون – كانوا يسمون الشركس (كاساك أوكازاخ) …..وهو الاسم الذي يحتفظون به، كما يحتفظ به المنغرليون أيضا، حتى أن المنغرليين ما زالوا يدعون أمراء الشركس وحتى اليوم، ملوك الكاشاك (كا شاك مْبه). وعلى هذا يتأكد ما جاء في تقرير قسطنطين بوربور ويتفق مع ما ورد فيه من حيث تسميته بلاد الشركس على البحر الأسود بـ (زيخيا)، وتلك الأراضي الواقعة في حوض الكوبان الأعلى المجاورة للألان بـ (كاساخيا)… وهذا الواقع صحيح تماما).
ويدعم المؤرخ الشركسي يوسف مت عزت تشوناتوقوه هذا القول في حديثه عن الشركس بقوله:
(وقد سماهم الأيرون الذين جاوروهم مدة سبعة قرون قبل الميلاد باسم قازاخ – كاساك) ويتبع ذلك في صفحة أخرى بقوله:
( ومما يلفت النظر بهذه المناسبة تسمية الأستين للقبائل الشركسية التي في شماليهم – قاسَك)وبقوله في صفحة ثالثة:
(وإذا أردنا الاستدلال على ثقافة الشركس بشهادة جيرانهم الأستين، فإننا نرى أنهم كانوا يسمون القابردي – كشكون – وكشك، بمعنى القارئ والقارئون بلغة الأستين).
وبغض النظر عما تقدم من شواهد وبراهين ذات صبغة لغوية، فإن بعض ما ورد في نص المسعودي نفسه مؤشر مهم على أن أمة كشك زمانه، هم أمة الشركس في زماننا. فالصفات الأنتروبولوجية التي خص بها المسعودي رجال أمة كشك ونساءها تتفق مع الخصائص الأنتروبولوجية المميزة للأمة الشركسية… وهي نفسها التي خص بها علماء الأجناس والأنتربولوجيا من الألمان والفرنسين، الشركس والعنصر القفقاسي الأبيض من صفات. وفي اعتقادي إن هذه الحقيقة تعد ردا علميا يدحض آراء القائلين بنسبة الشركس (الكشك) إلى القازاخ أو الكازاخ في تركستان وإلى القوزاق أو الكوزاك في سهوب أوكرانية وجنوبي روسية. إذ أن هذه الأقوام طورانية مغولية الأصول، ولا ينطبق على أبنائها الوصف الأنتربولوجي المذكور في نص المسعودي وعند بلومنباخ وغيرهما.
ويستطرد المسعودي في كلامه عن أسلاف الشركس فيتحدث، بعد كلامه عن (أمة كَشَك) الشركسية عن أمة (السبعة بلدان) المجاورة للكشك وتليها من ناحية الشمال والشمال الغربي، وهي قبائل شركسية قديمة عاشت في بقاع جنوب نهر الدون وعلى سواحل آزوف والأسود. لعله يقصد اتحاد السند-الميؤت، والكركت، والآخين، والزيخ، والحانيوخ، والسانيغ، والأباسك. المعروفة على أنها أمهات القبائل الشركسية القديمة. ولعل المسعودي هو من أوائل من ميز الشركس (الكشك) من الأبخاز تمييزاً جلياً.
لانجد بين المؤرخين التراثيين من كتب عن القفقاس الشمالي والشركس ولا من أكمل ما بدأه المسعودي. سوى ابن بطوطة (1304- 1377) رحالة القرن الرابع عشر، الذي يعد أول التراثيين العرب المسلمين الذين زاروا شمالي القفقاس وذكروا اسم (الجركس)،الذي كان متداولاً في عهد السلطنات الأيوبية والتركية والجركسية، ففي كتابه (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، يقول:
(ورأيت بقيسارية هذه المدينة يهوديا سلم علي وكلمني بالعربي فسألته عن بلاده فذكر أنه من بلاد الأندلس، وأنه قدم منها في البر ولم يسلك بحرا، وأتى على طريق القسطنطينية العظمى وبلاد الروم وبلاد الجرجس) ص. 211. وفي حديثه عن مدينة السرا أو (سرا بركة) على نهر الغولغا (إتل) يقول:
(وفيها طوائف من الناس منهم المغل وهم أهل البلاد والسلاطين، وبعضهم مسلمون ومنهم الآص وهم مسلمون، ومنهم القغجق والجركس والروس والروم وهم نصارى، وكل طائفة تسكن محلة على حدة فيها أسواقها) ص230 .
عادل عبدالسلام (لاش)
دمشق: 19 -12- 2018.