عام
موقف الجيش السوري من حرب 1948
لما قررت الدول العربية، في مؤتمر عمان المنعقد في 30 نيسان 1948 ، وجوب إدخال جيوشها النظامية إلى فلسطين، كان الجيش السوري مؤلفاً من ثلاثة ألوية يبلغ تعدادها حوالي (6000) جندي.
وكان اللواء الأول بقيادة العقيد عبد الوهاب الحكيم واللواء الثاني بقيادة العقيد محمد جميل البرهاني. أما اللواء الثالث فكان بقيادة الزعيم حسني الزعيم، وقد كلف اللواء الأول بخوض معركة فلسطين، كما أمر اللواء الثاني الذي كان معسكراً في حلب بالمرابطة على الحدود الجنوبية لمساندة اللواء الأول عند اللزوم. أما اللواء الثالث، فقد كان معسكراً في منطقة الجزيرة ودير الزور.
يؤكد الأستاذ سامي الجندي أن الجيش السوري كان عدد أفراده في عام 1948 لا يتجاوز 8460 جندي، لأن سورية لم تتحرر من الجيوش الأجنبية إلا في عام 1946، ولم يتسع الوقت حينها لبناء جيش حديث فضلاً عن أسباب أخرى.
في الثالث عشر من أيار 1948، قام اللواء الأول بالتحرك نحو سمخ، وتوقف عند المرتفعات المطلة عليها، وعلى الحمّة بانتظار أوامر العبور إلى فلسطين. وفي صبيحة يوم الخامس عشر من أيار 1948، وبناء على أوامر القيادة العامة في عمان المبلغة عن طريق رئاسة الأركان السورية في دمشق، اجتازت قوات اللواء الأول حدود فلسطين متجهة نحو سمخ. وبعد قتال عنيف مع القوات اليهودية استمر حتى 18 أيار، تمكن اللواء الأول من السيطرة على سمخ وشمار وهاغولان ومسعدة، ثم حاول السيطرة على مستعمرة دجانيا، ولكنه فشل في محاولته رغم القتال البطولي الذي خاضه الجنود السوريون لبلوغ هذا الهدف.
وقد علق العقيد عبد الوهاب الحكيم، قائد اللواء الأول على هذه المعركة بقوله: ( لم أكن أعلم بخطة الزحف نحو فلسطين إلا في 31 نيسان 1948، أي قبل المعركة التي حضتها بثلاثة أسابيع… فرحت أعد للأمر عدته. وكان لوائي المؤلف من ألفي رجل مبعثراً هنا وهناك، ولم يكن مسلحاً تسليحاً كاملاً، ولا مجهزاً تجهيزاً كافياً. وكان هذا اللواء يشتمل على فوجين من المشاة، وفوج من المدرعات، وفوج من المدفعية. ولم تكن هذه الأفواج مدربة تدريباً كافياً، بل كانت بحاجة للتدريب لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور لتصبح صالحة للقتال. ولكن الأمر صدر بوجوب تدريبها وتهيئتها للقتال في بحر أسبوعين. فانصعت للأمر، وتمكنت من حشد اللواء كله في قطنا، وكان ذلك كله في اليوم الأول من أيار 1948)[1].
بعد أن فشلت محاولات القوات السورية السيطرة على مستعمرة دجانيا في 21 أيار 1948، قامت القوات العراقية بالانسحاب من المراكز التي كانت تسيطر عليها في جسر المجامع، فأصبح الجناح الأيسر للقوات السورية مكشوفاً للجيش اليهودي، وقد اضطر اللواء الأول من الجيش السوري إلى إخلاء سمخ ومستعمرتي مشمار وهاغولان ومسعدة، والانسحاب إلى المرتفعات المطلة على سمخ، ومنها راح يحتشد في قطاع جسر بنات يعقوب، إلى أو وافته النجدة وانضم إليه اللواء الثاني بقيادة المقدم سامي الحناوي، فتمكنت القوات السورية عندئذ من السيطرة على مستعمرة كعوش اليهودية الواقعة على ميل واحد من جسر بنات يعقوب.
أثارت أنباء انسحاب الجيش السوري من سمخ موجة من الذهول الشديد والسخط العارم في الأوساط الرسمية الشعبية، فقامت مظاهرات ساخبة في مختلف المدن السورية، ووقعت صدامات دامية بين جماهير المتظاهرين وقوى الشرطة، وأعلنت على أثر ذلك الأحكام العرفية في البلاد، واستدعي قائد القوات السورية إلى دمشق لمساءلته عن أسباب الانسحاب، كما أحيل رئيس الأركان اللواء عبد الله عطفه على التقاعد، وعين بدلاً منه الزعيم حسني الزعيم.
كما قام النواب بحملة عنيفة على الحكومة لتهاونها في مواجهة تطورات المعارك الناشبة في فلسطين، حتى لم يجد وزير الدفاع السوري أحمد الشرباتي مهرباً من المسؤولية غير تقديم استقالته في 24 أيار 1948، فتولى حقيبة وزارة الدفاع رئيس مجلس الوزراء السيد جميل مردم. وظل الموقف السياسي، على الرغم من ذلك، متأزماً في دمشق إلى أن قام ثلاثة من وزراء الحزب الوطني وهم (لطفي الحفار – صبري العسلي – ميخائيل إليان) بتقديم استقالتهم من الوزارة في تشرين الأول عام 1948، الأمر الذي حمل رئيس الوزراء جميل مردم بدوره إلى تقديم استقالته من الحكم، وذلك في الأول من كانون الأول 1948م[2].
[1] تفاصيل المعارك التي خاضها الجيش السوري في كتاب النكبة لمؤلفه عارف العارف، الجزء الثاني، صـ 354-355
[2] الكيالي (نزار)، دراسة في تاريخ سورية السياسي المعاصر 1920- 1950، صـ 263